كتاب عربي 21

الاسلام عقيدة و شريعة

1300x600
"الاسلام عقيدة وشريعة" عبارة شهيرة، تنطقها الألسن، وتسطرها الأقلام.. ولقد جعلها العلامة الشيخ محمود شلتوت عنوانا لأحد كتبه الأساسية.

لكن صدق هذه العبارة وشيوع استخدامها وترديدها لا يعني أن كل الشائع من معانيها على الألسنة والأقلام صادق وصحسح ودقيق.

فالإسلام – كعقيدة – يعني تلك الأصول التي تمثل أعمدة الدين الإلهي، الذي أوحى به الله – سبحانه وتعالى – إلى رسله وأنبيائه من لدن أدم إلى محمد عليهم الصلاة والسلام – وبالذات أصول عقائد الألوهية الواحدة، والنبوة والرسالة، والبعث والحساب الجزاء، والعمل الصالح.. ذلك هو المعني الحقيقي للإسلام، كعقيدة، وهو ما تعارف عليه الجميع.

أما الإسلام – كشريعة – فإن المتأمل للكثير من الكتابات التي تستخدم مصطلح "الشريعة" يدرك أن هناك كثير من الخلط في فهم معناه، فالشائع هو استخدام "الشريعة" بمعنى "القانون" الذي ينظم الحياة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وأخلاقيا، ومن هنا شاع أن تطبيق "الشريعة" الإسلامية يعني العودة إلى "القانون" الإسلامي المنظم لحياة المجتمعات.. فهل هذا صحيح؟

إن مصطلح "القانون" حديث الاستعمال في اللغة العربية، وكما يقول اللغويون: فهو "مولد" لم يرد ذكره في القرآن الكريم ولا في السنة المطهرة ولا في كلام العرب القدماء، والمصطلح المرادف له في تراثنا القديم هو مصطلح "الفقه" و"فقه المعاملات" على وجه التحديد، وكما أن القانون متغير في إطار القيم الثابتة للمجتمع، فكذلك "فقه المعاملات" ومن هنا رأينا اختلافات الفقهاء والتعدد في اجتهاداتهم، باختلاف الأنظار، وتغاير الوقائع في المجتمعات، وبتغاير المصالح في البلاد التي عاش فيها هؤلاء الفقهاء والبيئات التي شرعوا لأهلها.

أما "الشريعة" – في المصطلح الإسلامي – فإنها أمر متميز عن "فقه المعاملات" فهي "وضع إلهي" على حين كان "الفقه" وضعا بشريا في إطار قواعد الدين وثوابت الشريعة.. وبينما "الشريعة" لا تقبل الإجتهاد فإن "الفقه" هو ثمرة لهذا الإجتهاد.

وما تراه من "تغير" في الفقه بتغير الزمان والمكان وتجدد المصالح، لا نراه في "الشريعة" بحال من الأحوال.. فهي وضع إلهي ثابت ومقدس ومعصوم.

وعلى حين يقرر الإسلام أن "الشارع" هو الله وحده، فإن "الفقيه" إنسان، ولا يوصف الله بأنه فقيه، كما لا يوصف الفقيه بأنه "شارع" – اللهم إلا على سبيل المجاز – وإذا كان "الفقه" ميدانا "للرأي"، لا يصح القول "بالرأي" في الشريعة.. ذلك أن "الشريعة" – كما تقرر موسعات المصطلحات الإسلامية الأصلية – تعني:النهج والطريق الديني الذي لا يسلكه الإنسان كي يتدين بواسطته بأصول الدين، وهي هنا تعني التكاليف الدينية، من مثل : الصلاة والصوم والحج والزكاة دساتير منظومة القيم والأخلاق التي تهيئ النفس للتدين بعقائد الدين.. وللفرق الجوهري بين "الشريعة" و"الفقه" قال أسلافنا بخضوع المجتمع – ككل، مسلمين وغير مسلمين – "الفقه" واحد، أي "قانون" واحد، على حين قالوا إن "شريعة" المسلمين لا تفرض على غير المسلمين!.. لأن هذه الشريعة الإسلامية هي التي تقرر ترك غير المسلمين - في المجتمع الإسلامي – وما يدينون! "وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه" المائدة 47، "وعندهم التواراة فيها حكم الله" المائدة 43.

وما لم ننتبه لهذا الفرق، ونبحث عن معالمه وقسماته وأبعاده، فلن تستقيم طريقنا التي نسلكها كي نعود بمجتمعاتنا إلى قانون هذه الأمة، قانون الإسلام، وفقه المعاملات الذي صاغه فقهاء الإسلام في إطار ثوابت الشريعة الإسلامية.