بعيدا عن الحرب المستمرة في بلدهم، حاول سوريون من أصحاب الأموال نقل أسلوب حياتهم إلى
الإمارات، فهنا مطعم يستعيد أجواء سوق الحميدية، وهناك متجر حلويات تقليدية، والعشرات من المشاريع الاستثمارية او فروع لمطاعم موجودة في
سورية.
ففي مطعم "سوق الحميدية"، رجال ونساء يدخنون الشيشة ويلعبون الطاولة او يسكبون الشاي من الأباريق النحاسية. هذه اجواء دمشق القديمة، لكن موقعها هو منطقة مرسى دبي الراقية على ساحل دبي.
وقال وليد ايوب، وهو أحد زبائن المطعم، ان "هذا المطعم يجذبنا لأنه يشعرنا بأننا في دمشق". وأضاف: "إن المكان يقربنا من سورية".
ومطعم سوق الحميدية يستعيد بهندسته الداخلية السوق المسقوف والكراسي الخشبية والطاولات المزخرفة بالصدف، وهو واحد من عدة مطاعم سورية مشابهة انتشرت في الامارات في السنوات الثلاث الاخيرة.
وقال مالك المطعم حازم خياط الذي وصل الى دبي قبل سنة، ان الزبائن يؤكدون له انهم يأتون إليه "لكي يتنشقوا رائحة دمشق".
وافتتحت مطاعم معروفة في سورية فروعا لها في الامارات، خصوصا خلال السنة الاخيرة، وهي تستقطب "اللاجئين" السوريين الميسورين الذين تعد الامارات ودبي خصوصا، وجهتهم المفضلة.
وبات من الشائع في الامارات رؤية سيارات فخمة تحمل لوحات تسجيل سورية في الشوارع. وفي الواقع، من الصعب جدا بالنسبة للسوريين الفقراء ان يقيموا في الامارات بسبب ارتفاع كلفة المعيشة وصعوبة الحصول على إقامة.
وقد تصل كلفة الاقامة لسنتين في الامارات الى ثلاثين الف درهم (8168 دولار)، وهي مشروطة بالحصول على كفيل، وذلك بحسب سكان سوريين.
وعلى عكس مئات الآلاف السوريين الذي لجأوا الى الدول المجاورة لسورية مثل لبنان والاردن وتركيا، حيث يقيمون خصوصا في مخيمات للاجئين، يبدو السوريون في الامارات وكأنهم يتمتعون بمستوى حياة جيد حيث يتسوقون في المراكز التجارية ويمضون وقتا في المقاهي والمطاعم. وقد قام بعض السوريين بفتح مشاريع تجارية خاصة بهم.
وفي إمارة الشارقة، تنتشر على جانبي طرقات رئيسية لافتات لمحلات سورية تحمل اسماء مثل "مخبز الشام" و"زيتون الشام" و"سهل الزبداني" في اشارة الى المدينة القريبة من دمشق.
ومن بين المتاجر السورية في الامارة، محلات نبيل نفيسة للحلويات، وهو من اشهر متاجر الحلويات في العاصمة السورية.
وقال مدير الفرع عبدالهادي نفيسة: "مع تردي الاوضاع الامنية في سورية وفي ظل تنامي اعداد السوريين هنا منذ العام 2011، قررنا ان نفتح فرعا في الشارقة".
وأغلقت سلسلة محلات نفيسة عدة فروع في سورية، خصوصا الفروع الواقعة "في المناطق الساخنة وفي ريف" دمشق. وما زالت محلات نفيسة مفتوحة داخل العاصمة السورية.
وفيما تشتهر محلات نفيسة في دمشق بطوابير الزبائن القادمين لتذوق الكنافة الشهيرة، يبدو المحل في الشارقة هادئا.
وقال عبدالهادي نفيسة ان الحصول على المكونات نفسها المستخدمة في سورية كان صعبا، وكان لا بد من إجراء بعض التعديلات على بعض الوصفات.
وقال احد الزبائن السعداء بافتتاح فرع للمتجر الدمشقي في الشارقة: "أشعر أنه بات لدينا قطعة من الوطن.. نفيسة هو من اول المحلات التي نفكر بزيارتها في دمشق".
وعلى بعد كيلومترات قليلة، فتح رجل
الاعمال انس مستت فرعا لمطعم "طربوش" الذي كان من اشهر المطاعم في مدينة حلب التي دمرتها الحرب.
وتختلط روائح الكباب الحلبي مع اللهجة الحلبية في هذا المطعم لدرجة يخيل للزائر انه ليس في الشارقة بل في حلب.
وعندما وصل مستت الى الامارات مع عائلته لم يكن يفكر بالاعمال قط. ولكنه يقول انه "مع استمرار النزاع فتحنا فرعا للمطعم هنا" للحصول على مدخول.
وبينما تجري أعمال عدد كبير من السوريين بشكل جيد في الامارات، إلا أنهم "خسروا الكثير" كما يقول محمد ادلبي، مؤسس مبادرة دوبارة التي تسعى الى مد الجسور بين رجال الاعمال السوريين الذين غادروا سورية بعد بدء النزاع.
وقال ان السوريين ليس لديهم معرفة كافية بالسوق الإماراتية وبقوانينها التجارية فيما تشكل كلفة المعيشة المرتفعة عقبة إضافية أمامهم.
وبحسب ادلبي، فإن "الاستثمار في دبي مغامرة كبيرة بالنسبة للسوريين وهي ليست مغامرة جيدة دائما". وأضاف ان "نصف الميسورين السوريين الذين قدموا الى الإمارات باتوا الآن في الطبقة الوسطى بعد ان انفقوا مدخراتهم في
استثمارات فاشلة او على تكاليف الحياة".
أما مستت الذي يقر بأنه من الذين خسروا ماديا؛ فيؤكد انه سيعود "بالتاكيد" الى سورية اذا ما تحسنت الاوضاع، إلا انه لن يتخلى عن الفرع الذي افتتحه في الامارات.
وعلاوة على أصحاب رؤوس الأموال، تستضيف الإمارات عددا من عائلات أركان النظام السوري، بينهم بشرى الأسد، شيقيقة الرئيس السوري بشار الأسد، حيث لجأت إلى دبي مع أولادها بعد مقتل زوجها في تفجير مقر الأمن القومي في دمشق في تموز/ يوليو 2012. كما أن عددا من رجال الأعمال المرتبطين بالنظام السوري نقلوا أموالهم إلى دبي التي اعتبرت ملاذا آمنا مع تدهور الوضع في سورية.