تعرض الغاز
المصري الذي يعتبر منجم ذهب للشعب المصري لعملية سرقة استمرت لعقود، وتم بيعه بأسعار أقل من سعر السوق في صفقات اتسمت بالفساد ووقّعها رجال مشبوهون من جماعة النظام السابق ورجال استخبارات سابقون.
ويكشف فيلم بثته قناة
الجزيرة القطرية بعنوان "مصر..
الطاقة المسلوبة"، قامت به وحدة التحقيقات في القناة ولأول مرة، الحقيقة الواضحة، والثقب الأسود في مسألة الطاقة، وفساد النخبة التي باعت ثروة مصر بسعر زهيد، وكانت إسرائيل هي المستفيد الأول من هذه الثروة حيث استغلتها ولسنوات طويلة.
وبحسب موقع "مراقبة الشرق الأوسط" في لندن فقد كشف عن وثائق سرية حصلت عليها الجزيرة وتظهر مدى سرقة الغاز المصري وبيعه لإسرائيل، وقامت النخب المصرية والإسرائيلية بتحويل الأرباح لحساباتها الخاصة.
وكانت عقود تصدير الغاز لإسرائيل بأسعار زهيدة واحدة من الأسباب التي ساهمت في اندلاع ثورة يناير عام 2011.
وأدانت محاكم مصرية عام 2012 مسؤولين شاركا في هذه العقود، وحكم عليهما بالسجن مدة 12 عاما، ولكنهما الآن حران طليقان.
ومع تتويج المشير السابق عبد الفتاح السيسي رئيسا جديدا لمصر، يتوقع أن يقوم بعقد صفقات طاقة مع إسرائيل حيث سيتدفق الغاز هذه المرة بطريقة معاكسة، من إسرائيل بدلا من مصر خاصة بعد إعلان إسرائيل عن اكتشاف كميات كبيرة من الغاز الطبيعي في البحر المتوسط.
ويظهر التحقيق الكيفية التي سيطرت فيها
الدولة العميقة والاستخبارات على ثروة مصر وتحكمها بمصادره الطبيعية.
ويشير فيلم الجزيرة إلى أن وزير الطاقة الإسرائيلي السابق يوسف باتزيكي وصف الوضع بطريقة دقيقة، إذ قال: "يعتبر الجيش في مصر شريكنا في المنطقة، ويتعامل معنا الجيش والاستخبارات والحكومة بشرعية وعلينا تشجيع هذا".
ونقل عن حاتم عزام، النائب السابق في البرلمان وعضو لجنة الطاقة والصناعة في مجلس الشعب المصري وصفه لصفقة الغاز مع إسرائيل بأنها "أكبر الصفقات فسادا في تاريخ مصر وتاريخ الطاقة في العالم". وكان عزام جزءا في مرحلة ما بعد الثورة لإصلاح قطاع الطاقة والصناعة. ودعم عزام محاولات الرئيس المصري المنتخب ديمقراطيا للتحقيق في قضايا الفساد.
ويقول عزام إن صفقة الغاز مع إسرائيل تم فيها بيع الغاز بدولار ونصف لمليون وحدة حرارية بريطانية.
وبحسب المحلل في شؤون الطاقة ميكا مينو – باليلو، فإن سعر مليون وحدة الحرارية البريطانية كان يباع في نفس الوقت بما بين 8 و10 دولارات أمريكية، فيما دفعت الأسواق الآسيوية المربحة 12 دولارا أمريكيا. ووصف وزير الطاقة سعر الوحدة من الغاز الطبيعي "بأنها سخيفة".
وتم اعتقال وزير النفط المصري في الفترة ما بين 1999 و2011 سامح فهمي، بسبب دوره في الصفقة بعد ثورة يناير 2012. وفي حزيران/ يونيو حكم عليه بالسجن مدة 15 عاما. أما مؤسس شركة غاز شرق المتوسط حسين سالم، فقد هرب من مصر وهو يقيم الآن في إسبانيا، وتم الحكم عليه غيابيا لمدة 15 عاما.
وبحسب الصفقة بين إسرائيل ومصر، فقد كانت الشركة تشتري كل مليون وحدة حرارية بريطانية بـ 1.5 دولار أمريكي، ثم تبيعه إلى شركة الكهرباء الإسرائيلية بأربعة دولارات. وبحسب مينو- باليلو فقد كانت شركة شرق المتوسط للغاز تشتري كل مليون وحدة حرارية بريطانية بثلاثة دولارات وتبيعه لإسرائيل بقيمة 4.50 دولار وأخذ فرق السعر.
وفي مقابلة أجراها فريق الجزيرة مع السفير الامريكي السابق في مصر إدوارد وولكر، حيث كان واضحا حول الفساد أن الاتفاق كان نوعا من تعزيز معاهدة السلام، قال: "ولهذا كنا إيجابيين حوله بدون أن نعرف الجزء المتعلق بالفساد".
ومع تزايد الغضب على صفقة الغاز مع إسرائيل هرب سالم من مصر، ويفهم هذا لدوره في الصفقة.
وفي وثيقة حصلت عليها الجزيرة تكشف أن شركة غاز شرق المتوسط أنشئت لغرض تصدير الغاز وبيعه لتركيا والدول الواقعة على الحدود الشرقية للمتوسط. وفكرة تصديره لإسرائيل كانت حساسة لدرجة أن وثيقة رسمية لم تجرؤ على استخدام كلمة "إسرائيل".
في فيلم "مصر.. الطاقة المسلوبة"، يلاحق كلايتون سويشر حسين سالم ويتعقبه في إسبانيا حيث يواجهه بعدد من الأسئلة المحرجة، ولكن سالم يرفض الإجابة عن أي منها ويهدد باستدعاء الشرطة.
وبحسب تحليل مينو- باليلو الذي قدم تحليلا لخسائر مصر بسبب بيع الغاز بأسعار زهيدة لإسرائيل ما بين 500 مليون إلى 1.8 مليار دولار أمريكي، فإن حجم الخسارة بما في ذلك الغاز المباع للأردن وإسبانيا فقد وصلت إلى 11 مليار دولار.
وكانت صفقة الغاز التي عقدت في 1994 عندما استثمرت إسرائيل بمصفاة للنفط بقيمة 1.2 مليار دولار، وتم تسهيل الصفقة بمساعدة من مسؤولي أمن مصريين وإسرائيليين. ويكشف وولكر بصراحة عن الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في التغلب على المعارضة الشعبية للصفقة التي اعتبرها المصريون تطبيعا مع دولة عدو "أعطت الصفقة اعترافا بإسرائيل بطريقة لم يكن المصريون مرتاحين حولها".
ومن هنا كانت شركة غاز شرق المتوسط طريقة جيدة للتغلب على معارضة الرأي المصري العام، حيث أنشئت في عام 2000، في الوقت الذي كان فيه سامح فهمي وزيرا للنفط المصري، وكان شريك سالم في الشركة رجل استخبارات إسرائيلي يتعامل في الطاقة وهو يوسي ميمان، وكان سالم نفسه رجل استخبارات في الستينيات من القرن الماضي.
وفي عام 2004 قال ميمان لوزير الطاقة الإسرائيلي إنه السمسار الوحيد لبيع الغاز المصري، وبحسب وثيقة سربتها ويكيليكس فقد بلغت حصة ميمان من الشركة 25%، فيما كان يملك سالم نسبة 65%.
وكان شابتاي شافيت الذي عمل مديرا للموساد لمدة سبعة أعوام في سنوات التسعينيات هو الذي أقنع رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه أرئيل شارون بتوقيع العقد. وعارض وزير الطاقة يوسف باتزيكي العرض لأنه لم يكن يصدق حصوله، وتم تجاوزه وعزله من منصبه. وتم توقيع العقد رسميا بين سامح فهمي وخليفة باتزيكي بنيامن بن أليعازر .
ومع تزايد الغضب الشعبي من الصفقة، فقد أصبحت أنابيب الغاز هدفا للجماعات المسلحة في منطقة سيناء، ما أدى لتوقف تدفق الغاز المصري لإسرائيل. وقد أثر هذا الوضع على ميمان الذي استفاد من صفقة الغاز الموقعة لمدة 25 عاما، وعانى ميمان من مشاكل ديون ولهذا السبب تقدم بدعوى ضد الحكومة المصرية يطالبها بمبلغ 8 مليارات دولار أمريكي. وهذا الطلب قد يؤدي إلى إفلاس مصر، كما وتطالب شركة الطاقة الإسبانية فينوسا مصر بمبلغ 6 مليارات دولار، وفوق كل هذا تعاني مصر من ديون بقيمة 6 مليارات دولار لشركات اشترت منها الغاز للاستخدام المحلي، أي أن قيمة الدين المصري من الغاز تصل إلى 20 مليار دولار. وعندما واجه سويشر ميمان وسأله كم يريد حتى يسحب الدعوى قال إنه يقبل بتسوية 50 مليار دولار.
وتعتبر الدعاوى القضائية تهديدا لمصر التي تعاني من أزمة طاقة حادة وترغب بالتوقيع على صفقة استيراد غاز مع إسرائيل.