لم يحْتَجْ طبع شعب
الجزائر الثائر إلا لجرعة وعي وفرتها صحوة إسلامية ممتدة، وظلمٌ وفاقةٌ إثر سلطة فاشلة، كي يسبق وينتفض قبل ربع قرن" أكتوبر 88"، فحصد انفتاحا سياسيا وتعددية حزبية لأول مرة منذ استقلال البلاد العام 1962، لم تدم غير ثلاث سنوات حتى عاد العسكر من جديد من باب الانقلاب العسكري 1992م، حيث انقلب على نتائج الانتخابات التشريعية التي اكتسها الإسلاميون.
وكأي سلطة انقلاب، سحق النظام وقتها الشرعية بأدوات دكتاتورية متغولة، وعمل على اضعاف أصوات المعارضة الاخرى مع ابقائها في المشهد حتى تضفي عليه طابعا تعدديا خادعا.
واذا استثنينا حوار عقد روما أو ماعرف بلقاء سانت جيديو 1995م، والذي جمع فسيفساء المعارضة الجزائرية كمحاولة لاستيلاد حل سياسي يعبر بالبلد إلى شاطئ الأمان والمجهض من طرف النظام بورقة المؤامرة الخارجية، فإن المعارضة عجزت عن آداء دورها كمعارضة لعدة عوامل، أهمها فقر وعي قياداتها وعلى رأسها قادة الحركة الإسلامية، فهم من كانوا في مقدمة المفترضين للعب الدور الأهم في صناعة حركة التحول، والعامل المهم الآخر، محاصرتها من لدن أخطبوط النظام وإضعافها، فلا هو أعدمها، ولا هو تركها تساهم في
إصلاح الواقع الخُشاش، بل كان معها خِشاشاً.
ولم تعرف الساحة حراكا حقيقيا يعبر عن تعددية حقيقة بسبب غلق السلطة للساحة السياسية إلا وفق ما يخدم توجهها العام إلى هذه اللحظة، غير أن المخاض الذي تشهده المنطقة العربية منذ قبل أكثر من ثلاث سنوات وإن لم يُعقل النظام ويدفعه للمبادرة بإصلاح حقيقي يجنب البلاد انتكاسة قد تسقط الدولة هذه المرة، إلا أنه ـ الحراك ـ حقن المعارضة بجرعات وعي ونضج مكنها من أن تجمع شتاتها في موقف واحد مقاطع لانتخابات الرئاسة في أفريل 2014، ثم وُلد من رحم هذا الموقف كيان يجمع أحزاب وشخصيات وطنية عن شتى الأيديولوجيات والمدارس تحت عنوان" التنسيقية من أجل الحريات والانتقال الديمقراطي".
هذا الأخير وإن أظهرت السلطة أنها تتجاهله إلا أنه أعطى طابعا لوجود معارضة تنطلق وفق أرضية مشتركة ورؤية إصلاحية سلمية يجتمع عليها الكثير وإن كانوا من خارج التنسيقية، إلى أن توجت لقاءاتها واتصلاتها بعقد ندوة الانتقال الديمقراطي اليوم الثلاثاء 10 جوان 2014م بزرالدة، والتي تعتبر فارقة في تاريخ الجزائر المعاصر كونها تجمع أكبر عدد من الشخصيات السياسية والوطنية (400) على طاولة واحدة، يمثلون جميع أطياف المعارضة بمن فيهم رؤساء حكومة سابقين وقادة من جبهة الانقاذ المنحلة، إضافة إلى ممثلين عن الأفافاس والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وأحزاب أخرى.
الهدف من هذه الندوة كما يقول منظموها هو بلورة رؤية مشتركة من خلال مرحلة انتقالية توافقية بين الجميع بما في ذلك السلطة، وهي إنطلاقة حقيقة نحو خطوات أخرى ربما يكون منها ميلاد كيان جامع لهذه القوى.
إنه وقبل الحديث عن النتائج المرجوة ومدى تفاعل السلطة مع هذا الحراك السلمي الذي يوفر عليها قدرا من تحمل مسؤولية العبور بالبلاد إلى مرحلة إعادة بناء مؤسسات الدولة وفق أسس يساهم في وضعها الجميع، فإن توفر الخريطة السياسة للبلاد على معارضة حقيقة لها نصيب من وعي ناضج أبان عنه مؤشر القابلية للتعامل مع الآخر، وبالتالي الاستعداد لقبول رأيه، وهي تلك القيمة الضرورية في أبجديات العمل السياسي والذي كان غيابها أحد مسببات الأزمة السياسية في تسعينيات القرن الماضي، فهل استوعب سياسيو الجزائر الدرس جيدا كي لا تتكرر تلك الفتنة؟؟ .