تشكل التطورات الأخيرة في
العراق التي تمكن خلالها تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" من احتلال مساحات واسعة من البلاد من دون أن يبدي الجيش العراقي أي مقاومة، نقاطا لصالح هذا التنظيم داخل
سوريا المجاورة ولنظام الرئيس بشار الأسد، بحسب ما يرى خبراء.
ويقول فريديريك بيشون، واضع كتاب "سوريا: لماذا أخطأ الغرب؟" باللغة الفرنسية، لوكالة فرانس برس "بالنسبة إلى بشار الأسد، إنه وضع ممتاز من الناحية السياسية والجيوسياسية، لأن واشنطن ولندن ستجدان نفسيهما في الخط نفسه إلى جانب دمشق، في مواجهة ما يبدو تهديدا واضحا للمنطقة، للغرب ولأوروبا".
وطالب الغرب برحيل الأسد الذي أعيد انتخابه الأسبوع الماضي في عملية اقتراع وصفت بـ"المهزلة" واقتصرت على المناطق التي يسيطر عليها نظامه، منذ بدأ بقمع الحركة الاحتجاجية ضده، التي بدأت في منتصف آذار/مارس 2011 قبل أن تتحول إلى نزاع مدمر أوقع اكثر من 162 ألف قتيل.
إلا أن تردد الغرب في دعم المعارضة بالسلاح وتماسك جيش الأسد، والدعم الثابت الذي يتلقاه من إيران وروسيا خصوصا، مكنته من البقاء، رغم خسارته لمساحة تزيد على خمسين في المئة من البلاد باتت تحت سيطرة المعارضة المسلحة.
ويقول مدير مركز دمشق للدراسات الاستراتيجية بسام أبو عبدالله المقرب من السلطة "ما يجري في العراق يعزز موقف الدولة السورية التي كانت تقول وتكرر إن الإرهاب أداة خطيرة في الصراع الكبير الذي يجري في المنطقة، وإن مواجهته تحتاج إلى تعاون إقليمي ودولي، خاصة في ضوء وجود عناصر أجنبية أوروبية وحتى أميركية داخل هذه التنظيمات".
وأضاف "أعتقد أنهم (الغرب) سيتراجعون قريبا؛ لأن ثمة خطرا داهما على أمن واستقرار المنطقة ككل".
ومنذ بدء المواجهات بينه وبين المعارضين، يتحدث النظام السوري عن حرب على "الإرهابيين" في سوريا بدون تمييز بين مقاتلي المعارضة، ويتهم الغرب بدعمهم وتمويلهم مطالبا المجتمع الدولي بمساندته من أجل مواجهتهم.
في المقابل، يعتبر كبير المتخصصين بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤسسة "أي ايش ايس" المتخصصة بتحليل المخاطر والتي تتخذ من العاصمة البريطانية مقرا، فراس أبي علي أن ما يجري في العراق قد يعرض النظام السوري لضررين، "فمن شأن انسحاب الجيش العراقي من الحدود حرمان النظام من استقدام معدات من العراق".
وأضاف "كما أن انسحاب الأعداد الكبيرة من المتطوعين الشيعة من أجل الدفاع عن بغداد سيكون له تأثير" على موازين القوى.
ويشارك آلاف المقاتلين من العراقيين في المعارك إلى جانب القوات النظامية السورية في عدد من بلدات ريف دمشق ضد مقاتلي المعارضة.
إلا أن التطورات في العراق تعزز، من الناحية المالية والعسكرية، تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، الذي يقاتل حاليا مقاتلي المعارضة، المعتدلة والإسلامية وحتى "جبهة النصرة"، الذراع الرسمي لتنظيم القاعدة في سوريا.
ويقول الاختصاصي في الإسلام المتطرف في المنطقة رومان كالييه "إن السيطرة على الموصل ستعزز من نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية في العالم وفي سوريا".
وتابع "سيظن البعض ان تمكن التنظيم من السيطرة على الفلوجة والرمادي (جزئيا) وعلى الموصل بدون دعم خارجي قد يمكنه من السيطرة على مدن سورية كبرى، وهذا ما لم يتمكن مقاتلو المعارضة من فعله رغم كل الدعم الخارجي".
وتمكن التنظيم من السيطرة على أجزاء واسعة من المناطق السنية في العراق وبخاصة في غرب وشمال العاصمة بغداد اثر هجمات أرغمت الجيش العراقي على الانسحاب من هذه المنطقة.
ويعتبر الباحث في معهد بروكينغز الدوحة تشارلز ليستر ان ذلك لن يغير من المعادلة في سوريا إلا أن التنظيم سيخرج "اقوى واكثر ثقة بنفسه".
ويرى ليستر أن التنظيم "أصبح قوة ذات شان وما قام به في العراق سيعزز قوته من دون أدنى شك لمحاربة بقية القوى المعارضة" في سوريا.
ويضيف الباحث "لقد نقل الكثير من العتاد من العراق بالإضافة إلى مجندين إضافيين في شمال وشرق سوريا"، مشيرا إلى أن "ذلك سيساعده في شن هجمات مضادة في دير الزور (شرق) وفي غرب حلب (شمال)".
كذلك، ينقل التنظيم كمية كبيرة من الأسلحة التي استولى عليها في العراق إلى سوريا عبر معبر الهول غير الرسمي الذي يسيطر عليه في شرق البلاد، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
ومنذ مطلع كانون الثاني/يناير، تدور معارك عنيفة بين "الدولة الإسلامية في العراق والشام" وكتائب من المعارضة السورية المسلحة أبرزها النصرة، أدت إلى مقتل أكثر من ستة آلاف شخص، بحسب المرصد.