يعتمد المشروع الإمبراطوري
الإيراني على مجموعة أساطير في توسعه في المنطقة. لكنها ككثير من الأساطير تفعل في الواقع أكثر من الحقائق. ومنذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران، تحقق للمشروع ما أراده، وصار له نفوذ في العالم العربي والإسلامي، مكّنه من تحقيق حضور عالمي.
فهناك أسطورة تحويل المذهب الشيعي الاثني عشري إلى قومية. وهذه الأسطورة داخل إيران لم تكن تعمل؛ فالشيعة العرب في الأحواز كانوا ينتمون إلى العروبة وإلى عشائرهم، أكثر من انتمائهم إلى المذهب، وزعاماتهم كانت قبلية لا دينية. على العكس من اليوم، كانت المرجعية الدينية عربية، سواء في النجف وكربلاء أم في جبل عامل؛ بمعنى أن المذهب "عرّب" إيران ولم "يفرس" العرب
الشيعة.
في بداية الثورة في إيران، سقطت الأسطورة بشكل سريع؛ فجل الجيش
العراقي، أفرادا وضباطا، كانوا من الشيعة، ولم تنشق أكثريتهم وتنضم إلى العدو الإيراني. كما أن الأسرى العراقيين الشيعة في أكثريتهم لم يستجيبوا لمحاولات استتابتهم التي كان يشرف عليها محمد باقر الحكيم، رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق.
لكن بعد
غزو صدام للكويت، ومن ثم هزيمة الجيش العراقي، والمجازر التي شهدها الجنوب بعد ما عرف بـ"الانتفاضة الشعبانية"، أو "صفحة الغدر والخيانة" بحسب التوصيف الرسمي العراقي، بدأ العراق يتغير، وتعمقت الفجوة بين نظام صدام وأكثرية الشيعة التي نمت عندها الهوية الطائفية على حساب الهوية الوطنية.
وبدخول القوات الأميركية إلى العراق، تحولت الطبقة السياسية التي تعتبر التشيع مقدما على الوطنية إلى قيادات متحكمة بمصير العراق كله لا مصير الطائفة، وتحولت إلى ورقة بيد إيران تفاوض عليها.
فوق ذلك، فإن إيران قومية أولا قبل أن تكون شيعية.
وخلال سنوات الحرب العراقية-الإيرانية وحتى سقوط نظام صدام حسين، لم تعامل إيران المعارضين العراقيين باحترام. وفي الوقت الذي تمتع اللاجئون العراقيون في كل الدول العربية بالحقوق والجنسيات، ظلوا في ايران مهمشين مزدرين؛ فالقومية الفارسية في الواقع تسمو على الدعاية الشيعية.
أسطورة أخرى تفعل فعلها، هي العداء لأميركا وإسرائيل. صحيح أن إيران الخميني رفعت شعارات الموت لأميركا وإسرائيل، وفجرت سفارة الولايات المتحدة ومقر المارينز في لبنان، حيث أسست أيضا حزب الله الذي ترعاه، كما أنها تدعم حركتي "الجهاد الإسلامي" و"حماس" في فلسطين، لكن هذه الأسطورة لم تعد قائمة.
فإيران فخورة باتفاقها مع أميركا في صفقة النووي، وشاركتها من قبل في حروبها على أفغانستان والعراق، وهي اليوم تستنجد بها لضرب ثوار العراق. وحزب الله اليوم يقاتل في كل الجبهات ثوار الشعب السوري، ويقف مقاتلوه وجها لوجه مع القوات الإسرائيلية التي تحتل الجولان من دون أدنى حساسية.
هاتان الأسطورتان وغيرهما تحركان مشاعر الجماهير، وتبذل في سبيلهما الدماء والنفوس. ولكن الزمن القصير كفيل بتحطيم الأساطير. إذ لن تستطيع إيران مواصلة الإنفاق على توسعها، ولن يستطيع الموالون لها دفع أكلاف حروبها التوسعية. وستكون إيران نفسها عرضة للتفكك على أساس قومي وطائفي.