كتب سرمد الطائي: إنه إذن خليفة جديد، يصدر فرمانات ويطلب
الهجرة إلى دولة الخلافة، ولا يكتفي بنحو 50 مليون سوري وعراقي يعتبرهم، نظريا، تحت طائلة
البيعة.
الرجل القادم من سامراء، اعني خليفة هذه الاسابيع، ليس الاول ولا الاخير الذي يقتنع بلعب دور كهذا، والجديد انه يبسط سيطرته على مساحات شاسعة، بحيث ان كثيرا من الناس لا يصدقون قدرته على اخضاع "الرايات" رغم ان جيشين حكوميين يطاردانه، مدعومين بجيوش اميركية وايرانية، وجماعات غير نظامية تبدأ بالجيش الحر ولا تنتهي بفيلق بدر.
الخليفة هنا ينخرط بقوة في طابور المجانين الكبار عبر التاريخ، ويمتاز هؤلاء بأنهم استوعبوا بدقة، جوانب من المشكلة الاجتماعية، ولذلك نجحوا في وصفها ببلاغة ساحرة اخاذة، تساعدهم على حشد الانصار والمتبرعين. مشكلة المجانين البلغاء لا تظهر الا حين يبدأون في اجتراح الحلول، حيث لا يولعون الا بالحلول الفنطازية الناتجة عن الخيال الجارف. هدم حدود الدول، والقلب السريع لقواعد المجتمع، وصناعة مفاجآت تباغت الجميع، بحيث لا يبقى حجر على حجر.
لكن الحديث عن الطابع الفنطازي والخيالي لمقترحات الخليفة، ليس دعوة للاستهزاء به، بل لاخذه على محمل الجد اكثر فاكثر. اذ في دول الفشل واليأس يمكن للفنطازيا ان تغري اليائسين بتجربة جديد لم يألفوه، وتجعلهم يستسلمون لهذه الارادات التي لا يتوانى اصحابها عن التفنن في النحر والانتحار، فكل نفس آدمية ليست سوى اداة لتنفيذ "الرؤيا"، والموت من وجهة نظرهم، مجرد فصل عادي في عملية التحول والخلاص من اليأس.
الفنطازية العارمة لهؤلاء المجانين، تكتسب شرعيتها المزعومة، من فشل المجتمعات في انتقاء عقلائها، ومن وصول الخرقاء والحمقى الى السلطة، بحيث تتبدد هيبة الحكم وتدبيراته، وينمو اليأس من الخلاص، ويصبح الانتظار مملاً للغاية بالنسبة لكثيرين، ويصير الخيال الجارف مطلق اليد في العبث. الخليفة يسأل: لقد عبث بكم سلاطينكم، فلماذا تستكثرون علي ان انتج نسختي الخاصة من الخيال المدمر؟ هنا تمر الامم الحية بصدمة وتشعر بحاجة حقيقية الى اعادة تنظيم صفوف الحكمة لمواجهة فصل الجنون، اما الامم غير المحظوظة فتقوم بحشد جنون مماثل، ضد خليفتنا ادام الله ظله، لتصبح الحرب "نداً لند".
الخليفة بدوره يبحث عن مزيد من المجانين وناقصي الحكمة، ليشتبك معهم ويحتفل بأخطائهم، وهو سعيد جدا لان بندقيته سبقت تدابير القيادات التي كانت تحاول ان تتبنى نهج اصلاح ما.
الخليفة ليس معجباً بشعب مملكته، وهذا جزء آخر من الفنطازيا الرهيبة التي تتملكنا اليوم، وهو يشبه هنا الكثير من مثقفي زمانه، الذين يعتقدون بأن وضع الشعب ميئوس منه! واذا كان المثقف هذا عاجزا امام هذه الحقيقة، فان لدى الخليفة القدرة على ان يحلم باستبدال الشعب!
الدعوة التي اطلقها خليفتنا الى الهجرة نحو دولة الخلافة، مخاطبا مسلمي اسيا البعيدة وافريقيا، تعني ان اربعة وثلاثين مليون عراقي وثلاثة وعشرين مليون سوري بدأ بهم الخليفة "مشروعه" نحو الدولة، كانوا غير مفيدين للمشروع، او غير ملبين لطموحه. وها هو يعلن ان صلاحياته تتضمن حق ان يجري استبدال الشعب، بشعوب اخرى يمكن ان يستقدمها من كل بلاد الاسلام.
اخطر ما في هدم الحدود واستبدال الشعوب، واستقطاب اقوام جديدة للمواجهة، هي انه مبدأ سرعان ما سيصبح مشروعا لدى خصوم الخليفة ايضا، لنصبح امام اصطدام وانتحار بنكهة العولمة. وهو امر يقوم بتفريخ سلسلة لا نهاية لها من الجنون الجارف. واي خطة مضادة لما تبقى من حكماء الشعب، لابد ان تأخذ هذه الحقيقة بنظر الاعتبار، لان اللعبة هذه المرة ستتحرك على اكثر رقع الشطرنج غرابة.
(المدى العراقية)