الشاعر المصري عبد الرحمن يوسف يخص "عربي 21" بقصيدته الجديدة "
مثقف كبير":
يَعِيشُ في بِلادِنَا مُثَقَّفٌ كَبيرْ ...
يَرْفُلُ في الدِّمَقْسِ والحَريرْ ...
يَبْرَعُ في الفُنُونِ كُلِّهَا
تَرَاهُ رَاقِصًا
وعَازِفًا
وشَاعِرًا
ونَاثِرًا
وثَائِرًا
وعَالِمًا في الفِقْهِ والتَّفْسيرْ ...!
يُعَارِضُ الطُّغْيَانَ في صَبَاحَهِ
وفي هَزِيعِ لَيْلِهِ الأخيرْ ...
يَأْوِي مَعَ الطُّغَاةِ للسَّريرْ ...!
* * *
يَعِيشُ في بُلْدَانِنَا مُثَقَّفٌ يَحْلُمُ بالمَنْصِبِ والمَرَاكِزْ ...
يَلْعَنُ أَهْلَ الحُكْمِ
يَهْجُو دَوْلَةَ العَجَائِزْ ...
لَكِنَّهَا تَمْنَحُهُ الجَوَائِزْ ...!
يَمْدَحُهَا إِنْ أَعْطَتِ الفُقَرَاءْ ...
يَمْدَحُهَا إِنْ قَتَلَتْ أَحْلامَ الفُقَرَاءْ ...
يَمْدَحُهَا إِنْ حَارَبَتْ أو سَالَمَتْ ...
يَمْدَحُهَا إِنْ حَمَتِ الحُدُودْ ...
أو خَانَتِ العُهُودْ ...
ودَوْلَةُ الدَّيْجُورْ ...
تَعْرِفُ مَا يَحْرِقُهُ الشَّاعِرُ مِنْ بُخُورْ ...
في أَوَّلِ الشُّهُورْ ...!
* * *
يَعِيشُ في بَلْدَتِنَا مُثَقَّفٌ سَمِينْ ...
تَغَزَّلَتْ أَشْعَارُهُ في ضِحْكَةِ السَّجِينْ ...
لَكِنَّهُ يُقَدِّسُ القُضْبَانْ ...
ويَعْشَقُ السَّجَّانْ ...
كَمْ سَجَنَتْ أَوْرَاقُهُ السِّرِّيَّةَ الرِّفَاقَ والخَلانْ ...
المُخْبِرُ الجَبَانْ ...
إذا رَأَيْتُ وَجْهَهُ يَنْفَجِرُ السُّؤَالُ في ذَاكِرَتي
ما الفَرْقُ بَيْنَ الزُّورِ والإِنْسَانْ؟
ما الفَرْقُ بَيْنَ الشِّعْرِ والبُهْتَانْ؟
* * *
يَعِيشُ في صَعِيدِنَا مُثَقَّفٌ هُمَامْ ...
يَكْتُبُ للوِئَامِ والسَّلامْ ...
ويَمْدَحُ الأَحْكَامَ بالإِعْدَامْ ...!
يُبَرِّرُ السِّفَاحْ ...
يَسِنُّ نَصْلَ السَّيْفِ للسَّفَّاحْ ...
يَدْعُو لَهُ بالفَتْحِ والفَلاحْ ...
جَمَعْتُ شِعْرَهُ في سَلَّةٍ
دَفَنْتُهَا في حُفْرَةٍ في الحَارَةْ ...
غَطَّيْتُهَا بالقَارِ والقَذَارَةْ ...
وبَعْدَ جُمْعَتَيْنِ أَنْبَتَتْ لَنَا
شُجَيْرَةَ الحَقَارَةْ ...!
* * *
يا حَضْرَةَ المُثَقَّفِ الكبيرْ ...
يا مُوغِلاً في الخِزْيِ والدِّمَاءْ ...
تَاريخُكَ البَذِيءْ ...
تَعْرِفُهُ المُلُوكُ والدَّهْمَاءْ ...
يا رَجُلاً إِنْجَازُهُ مِنْ عَرَقِ النِّسَاءْ ...!
يا رَجُلاً تَاريخُهُ شَحَّاذُ أُعْطِيَاتْ ...
وسَلْ "عَطِيَّاتْ" ...!
يا حَضْرَةَ المُثَقَّفِ الخَطِيرْ ...
مَنْ أَنْتَ كَيْ تُحَاضِرَ الثُّوَّارْ؟
وأَنْتَ لَمْ تَزَلْ لِكُلِّ ظَالِمٍ ظَهْرَ حِمَارْ ...!
يا شَاعِرًا يُدَنِّسُ البَيَانْ ...
يا شاعِرًا "سِيرَتُهُ" مِنْ عَرَقِ النِّسْوَانْ ...!
يا قَلَمًا يَكْتُبُ شِعْرًا بَارِدًا عَنْ خَالِقِ الأَكْوَانْ ...
ويَكْتُبُ التَّقْريرَ عَنْ رِفَاقِهِ لِحَضْرَةِ السَّجَّانْ ...
يا مُخْبِرًا في بَدْلَةِ الفَنَّانْ ...
* * *
يا حَضْرَةَ الشُّوَيْعِرِ الخَطيْر ...
الشَّاعِرُ المَمْنُوعْ ...
دَوْمًا هُوَ المَسْمُوعْ ...
وجيلُنَا مِنْ جيلِكُمْ وعُهْرِهِ مَفْجُوعْ ...
وإِنَّهُ مُخْتَلِفٌ في الشَّكْلِ والمَوْضُوعْ ...
وكُلَّمَا رَآكُمُو يُغَالِبُ البُصَاقَ والدُّمُوعْ ...!
يا حَضْرَةَ الشُّوَيْعِرِ الصَّغِيرْ ...
أَبْصَرْتُ فيكَ قُدْرَةَ القَدِيرْ ...
شُكْرًا لِكُلِّ بَيْتِ شِعْرٍ تَافِهٍ حَقِيرْ ...
عَرَفْتُ مِنْكَ الفَرْقَ بَيْنَ الشَّاعِرِ الضَّمِيرْ ...
والشَّاعِرِ الخِنْزِيرْ ...!!!
شعر :
عبدالرحمن يوسف
تمت في القاهرة 1/7/2014
6.00 صـبـاحـــا