نشرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، مقالا للكاتب "مات رولاند هيل"، يقول فيه إن الدوائر العسكرية الإسرائيلية تسمي ما تفعله في
غزة "جز عشب الحديقة" أي أن عليهم كل سنتين توجيه ضربة عسكرية قوية لغزة للحد من قوة
حماس العسكرية وطموحاتها.
وبحسب الكاتب البريطاني، فإن هذه المرة قتل 208 من الرجال والنساء والأطفال لحد الآن. وبحسب الأمم المتحدة فثلاثة أرباع الضحايا هم من المدنيين. من بين الضحايا تسعة شباب كانوا يشاهدون مباراة نصف النهائي في مقهى مزدحم عندما ضرب بصاروخ.
واثنان آخران كانا يعيشان في بيت للمعوقين وجريمتهم انهم يعيشون في بيت يقع تحت بيت أحد أعضاء الجهاد الإسلامي. كما قتل 18 من عائلة البطش في ضربة إسرائيلية. وبالإضافة للقتلى فهناك 1300 جريح و8000 مشرد بسبب استهداف بيوتهم.
أما في الجانب الإسرائيلي، فقتل مدني واحد ولكن قبل التوصل إلى استنتاجات بناء على هذه الأرقام فإن إسرائيل ومؤيدوها يقولون يجب النظر للسياق؛ فحماس أطلقت 1000 صاروخ عشوائي على المدن والبلدات الإسرائيلية متسببة في اضطرار الكثير من الناس إلى الملاجيء، فإن فشلت حماس في قتلها للمدنيين فليس هذا بسبب عدم رغبتها بذلك.
ويقول الكاتب: "هذا صحيح، فاستهداف المدنيين غير مبرر بحال من الأحوال، ولكن صواريخ حماس ليست هي السياق الوحيد لهذه الجولة من العنف. فهناك قصة أخرى خلف صور الدمار التي تخرج من غزة اليوم ويجب أن تعرفها إذا أردت أن تعرف لماذا يموت الفلسطينيون".
في 23 نيسان/ أبريل أعلنت السلطة الفلسطينية عن تشكيل حكومة وحدة وطنية لإنهاء الإنقسام بين حماس وفتح، الحزبين السياسيين الرئيسين في الساحة الفلسطينية. وهذا أمر جيد لكل من يريد أن يرى حلا للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وأكد هيل أن البعض يخشى أن حماس ستحاول تخريب أي اتفاقية سلام مع أنها وعدت أكثر من مرة أنها ستحترم أي اتفاق على أساس الدولتين إن وافق عليه الشعب الفلسطيني في استفتاء عام. وبالتأكيد هناك أناس في الحركة سيرون أي معاهدة سلام بمثابة استسلام.
فمنذ دخلت حماس الانتخابات البرلمانية عام 2006 فهناك تجاذب داخلها بين من يرى أنها يجب أن تبقى حركة "مقاومة" ومن يدعو إلى البراغماتية.
ونوه الكاتب البريطاني إلى أن الاضطرابات الحاصلة في الشرق الأوسط، افقدت حركة حماس مؤيدين رئيسيين مثل الإخوان المسلمين في مصر وكذلك النظام في سوريا وفي إيران مما جعلها غير قادرة على دفع رواتب موظفي الحكومة في غزة. ولأنها أفلست وقعت حماس في حضن السلطة الفلسطينية المعتدلة وأيدت حكومة جديدة تعترف بإسرائيل وترفض العنف وتحترم الإتفاقيات الإسرائيلية الفلسطينية السابقة.
فكيف قابل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذه البراغماتية؟ خرج يصرخ من المفاوضات ويقول إن السلطة رضخت للتطرف. وعندما اختطف ثلاثة مستوطنين الشهر الماضي رفض أن يصدق أن حماس لا علاقة لها بالجريمة وأخفى أدلة على أن الضحايا كانو ميتين لتبرير قيامه بحملة قمعية ضد الحركة في الضفة الغربية.
وقد تم اعتقال حوالي 800 شخصا بما في ذلك عمال إغاثة وصحفيين لهم علاقة بالحركة وكان رد الحركة من غزة بالصواريخ هو الذي قاد للعدوان الإسرائيلي قبل تسعة أيام.
وأضاف: "لو كنا في عالم آخر لرأت اسرائيل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية فرصة عظيمة حيث رجحت كفة ميزان المعتدلين في الحركة وأدرك المتطرفون فيها أن أي محاولة لإفشالها سيسقط الحكومة وربما الحركة. فبدلا من العدوان العسكري كان يمكن لنتنياهو أن يرد بهجمة سلام تعطي الفلسطينيين نهاية للاحتلال ودولة خاصة بهم".
وبرأي هيل، فإن هذا كان يتطلب التزاما بالسلام ولكن وبحسب مسؤول أمريكي كبير أشرف على المفاوضات فإن "الحقيقة المرة" هي أن الوزراء الإسرائيليين مسؤولون عن "إفشال" المفاوضات "ببناء مستوطنات على أراض يجب أن تقام عليها الدولة الفلسطينية".
وفي الحقيقة فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يكن أبدا جادا في السماح بقيام دولة فلسطينية. كيف عرفت ذلك؟ لأنه قالها بنفسه في تصريحات مذهلة يوم الجمعة أهملتها الصحافة العالمية دون مبرر، حيث أكد ما كنا نشك فيه جميعا، حيث قال نتنياهو "لا يمكن أن يكون هناك وضعا وتحت أي اتفاق نتنازل فيه عن السيطرة الأمنية للأراضي غربي نهر الأردن". أي أنه لا سيادة للفلسطينيين في الضفة الغربية ولا حل دولتين ولا سلام، يقول الكاتب.
هذا هو سياق العنف الذي نشهده اليوم فبدلا عزو الحرب للتنفيس عن شعب لا يزال مصدوما بحادثة الاختطاف فإن الهجمة الدموية هي في الواقع هجمة على الخطر الذي تشكله براغماتية حماس.
هذا العنف سيقوي الجناج المتطرف في الحركة ويزيد من شعبيتها في غزة وهذه نتائج واضحة للتصعيد الإسرائيلي ونتائج يبدو أن اسرائيل مرتاحة لها، فأن تكون حماس ضعيفة عسكريا واقتصاديا ومتطرفة سياسيا ومتمسكة بالسلطة بأطراف أظافرها هو بالضبط ما تريده إسرائيل.
وختم مقالته بأنه إذا نسيت حماس في المستقبل وبدأت بأي توجهات معتدلة، فما على إسرائيل إلا أن تشغل آلة قص العشب مرة ثانية ففي غزة كل تلك الأجساد هي العشب الذي تقوم اسرائيل بقصه.