وجهت صحيفة "معاريف"
الإسرائيلية رسالة بقلم إيلي أفيدار، في مقال له بعنوان "
القنبلة القطرية"، إلى
الولايات المتحدة الأمريكية، بأن عليها أن تخطو خطوة أولى، باتجاه إيجاد حل للمشكلة القطرية، إذا هي أرادت أن تسترجع مكانتها في المنطقة.
ويقول أفيدار إنه حان الوقت لوضع عقود النفط والغاز جانبا والعمل على "تفكيك القنبلة القطرية الآن"، من منطلق إمكانية البحث عن بدائل لوجود القاعدة العسكرية الأمريكية هناك. ويذكر من مكونات هذه القنبلة: فضائية "
الجزيرة" المنافحة عن الإخوان المسلمين والمنحازة ضد أعدائهم، والشيخ يوسف
القرضاوي -الذي وصفه بالمتطرف- المحرض على أمريكا وحلفائها، والشيخ تميم الذي اتهمه بأنه إسلامي متطرف.
ويزعم أن قطر هي المحرك للإرهاب ضد
حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، لذا فإن على الولايات المتحدة من أجل حفظ التوازنات أن لا تلقي بالمرساة المصرية، فهي الأقرب إلى مصالح حلفائها في المنطقة.
وفي ما يأتي نص المقال كاملا:
في ظل الأنباء القاسية أول أمس (الأحد) وقعت حادثة دبلوماسية على نحو ظاهر: بالذات عندما وصل أبو مازن والأمين العام بان كي مون إلى الدوحة للعمل على وقف النار، قال مصدر قطري كبير لوكالة "رويترز" إن الإمارة "لن تمارس الضغط على حماس" كي تلطف حدة مطالبها وتوافق على وقف النار. هذا التصريح، الذي أوضح عدم اهتمام قطر بوقف القتال كان مجرد تعبير آخر على المكانة الجديدة للإمارة كأحدى الجهات المتطرفة والاستفزازية في الشرق الأوسط.
قطر هي اليوم محرك عدم الاستقرار الإقليمي، سواء من خلال الملايين التي تسكبها على مجموعات متطرفة أم ببث "الجزيرة". والأزمة المالية، التي تدفع فيها قطر حماس إلى تعميق القتال هي مجرد طرف الجبل الجليدي. من كانت ذات مرة دولة معتدلة وجهتها نحو الغرب، أصبحت بقيادة الأمير تميم بن حمد آل ثاني قنبلة موقوتة. آل ثاني الذي صعد إلى الحكم قبل سنة فقط، هجر سياسة التوازنات التي انتهجها أبوه، وباسم الإسلام يستثمر مال الإمارة الهائل في تنمية محافل تسعى إلى إشعال الشرق الأوسط كله. وإذا ما حاكمنا الأمور حسب أحداث الأسابيع الأخيرة، فإن خطته تتقدم على نحو جيد.
بوليصة تأمين أمريكية
على خلفية القتال في غزة يبدأون في إسرائيل بالاستيقاظ على التحدي القطري. أما في الإدارة الأمريكية بالمقابل فلا يزالون نائمين. إدارة أوباما تعمل منذ سنين في خلاف مع دينامية الشرق الأوسط. تراهن على اللاعبين غير الصحيحين. تخون حلفاءها، تترك لمصيرهم محمييها وتحمي المحافل الهدامة. قطر، كما ينبغي الفهم، هي مرعية وربيبة أمريكا. ومن خلف العلاقة الغريبة تقف، مثلما هو الحال دوما، مصالح اقتصادية وعسكرية خاصة.
إن تاريخ الفصل الحالي في علاقات الولايات المتحدة – قطر بدأ في 1955 عندما أطاح الأمير حمد بن خليفة آل ثاني بأبيه واستولى على الحكم في الإمارة. ابن خليفة، الذي خاف من ثورة مضادة بدعم من السعودية وباقي دول الخليج، سارع إلى الأذرع الأمريكية، أعلن لهم الولاء التام ولم يمتنع عن الطرفين المتطرفين: قد أقام علاقات مع إسرائيل وسمح لنا بإقامة ممثلية في الدوحة العاصمة، ومول إقامة القاعدة الأمريكية العوديد، غربي الدوحة، بمبلغ خيالي يصل إلى ملياري دولار (هذه هي القاعدة الأمريكية الوحيدة خارج حدود الولايات المتحدة والتي لم يمول الأمريكيون إقامتها).
لقد كان التواجد الأمريكي ولا يزال بوليصة تأمين للحكم القطري ولضمان ألا يغزو نطاقها جيرانها فيسقطوا حكمها. عند مراجعة السلوك القطري، ينبغي أن نتذكر أن كل يوم يبقى فيه الحكم في الدوحة هو بفضل واشنطن.
إلى جانب بوليصة التأمين العسكرية، اشترت قطر لنفسها سلاحا هجوميا خاصا في شكل شبكة "الجزيرة". وكانت "الجزيرة" خليطا من التطرف الديني، التآمر السياسي والمقاييس الصحفية الشرعية، ولا سيما بمستويات العالم العربي. ويكفي الإشارة إلى أنه لغرض إقامة الشبكة اشترت قطر معظم عاملي الـ "بي بي سي" بالعربية، كي نفهم لماذا تعتبر "الجزيرة" هيئة إعلامية جدية في العديد من الدول الغربية.
من لم تنطل عليها هذه المناورة أبدا هي دول الخليج. وهي تمنع حتى اليوم شبكة الأخبار القطرية من فتح مكاتب لها في نطاقها. ومؤخرا، بدأت مصر أيضا تقيد عمل "الجزيرة" بل وحكم على صحفيين من الشبكة بالسجن.
وبالتوازي مع إقامة "الجزيرة" وتوثيق التحالف العسكري مع الولايات المتحدة، منح الأمير حمد بن خليفة الشركات الأمريكية عقود تنمية واستخراج للنفط والغاز، رسخت الدعم الأمريكي لنظامه. وفي عهد حمد عرفت قطر بفضل "سياسة التوازنات": العلاقات مع إسرائيل إلى جانب دعم حماس؛ الرعاية الأمريكية والعلاقات مع طالبان؛ عضوية في مجلس التعاون الخليجي إلى جانب علاقات تقارب مع العدو رقم واحد – إيران.
لقد جعل هذا النهج قطر إحدى الدول الأكثر كرها لدى زعماء العرب. فمصر مبارك مقتت القيادة القطرية، وسوريا الأسد الأب أيدت محاولة الانقلاب لمؤيدي الأمير المخلوع. وكانت "الجزيرة" ولا تزال الداعمية الأكثر حماسة لحركة الإخوان المسلمين في مصر وليس صدفة أن الداعية المتطرف في العالم السني، يوسف القرضاوي، يتواجد في قطر منذ الستينيات. وسنعود لاحقا للقرضاوي.
لقد ساعد الدعم القطري للجهات والأنظمة المتطرفة للعالم الإسلامي النظام لتسويغ علاقاته الوثيقة مع الغرب في نظر الجماهير العربية. وإلا كيف يمكن شرح حقيقة أن مصر تهاجم في كل يوم على علاقتها المركبة مع واشنطن، بينما في قطر يتجول الجنود الأمريكيون ومن أراضيها أديرت حرب الخليج – ناهيك عن المليارات من المال الإسلامي الذي سكب على شراء المونديال وعلى فرق كرة قدم أوروبية – ومع ذلك فإن القاهرة هي التي تعتبر العميلة وليس الدوحة.
غير أنه قبل سنة صعد إلى الحكم تميم بن حمد آل ثاني ووضع حدا للتوازنات. من الآن فصاعدا الاتجاه القطري كان واحدا ووحيدا.
لا معنى للتوازنات
خلافا لأبيه، فإن تميم بن حمد آل ثاني هو مسلم متزمت. ويصفه عارفوه أنفسهم بأنه متطرف. وكان قضى صباه في حملات في أرجاء إفريقيا سعى فيها إلى إدخال سكان القارة الوثنيين إلى الإسلام. والمرجعية الروحانية المركزية في حياته هو الشيخ المتطرف القرضاوي.
بتأثير القرضاوي، لا يرى آل ثاني الكثير من المعنى في التوازنات. فهو مؤيد متحمس للإخوان المسلمين، مؤيد متحمس لحماس، وهو مستعد لأن يصطدم بمصر عندما تمنع هذه تحويل الأموال من قطار إلى القطاع. وفي الأيام التي كانت فيها إيران أيضا منقطعة الاتصال بحماس بسبب تأييد الأخيرة للمعارضة السورية، بقيت قطر هي الممولة الوحيدة لحماس، والتي تتواجد قيادتها في الدوحة.
لا تستهدف المساعدة القطرية لغزة بناء البنى التحتية وأجهزة التعلم، بل لتمويل الاحتياجات الإرهابية الصرفة. ومنذ الآن تندم إسرائيل على إدخال كميات هائلة من الأسمنت إلى القطاع كانت لها حاجة مزعومة لإعادة البناء وتنمية غزة، بينما استخدمت عمليا لتحصين الأنفاق الهجومية الخاصة بحماس. كما أن قطر هي المصدر الأساس للرواتب ولميزانية مشتريات الذراع العسكري لحماس.
كي نفهم كم دفعت قطر بمواقف حماس إلى التطرف، يكفي أن نراجع سلوك المندوبة الإيرانية في غزة – منظمة الجهاد الإسلامي. فالجهاد، التي اعتبرت ذات مرة منظمة متطرفة أكثر، أصبحت هي شبه الراشد المسؤول في غزة، التي تطرح مواقف أكثر برغماتية من حماس وتقبل الوساطة المصرية. وقرر رئيس الجهاد الإسلامي علنا أن على مصر أن تقود الجهد للوصول إلى وقف النار. أما حماس، بإلهام من قطر، فتعارض.
من يسمح بهذا التطرف هي الولايات المتحدة. فقطر لا تزال متعلقة ببوليصة التأمين الأمريكية. ولكن في واشنطن يجدون صعوبة في فهم التقلبات في الشرق الأوسط، بل وأكثر من ذلك يجدون صعوبة في الرد عليها كما ينبغي وفي الوقت المناسب. والنتيجة هي التآكل المستمر في المكانة الأمريكية في المنطقة.
لقد كشف مصدر مصري النقاب أول أمس (الأحد) عن أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ألغى زيارة أخرى كان سيجريها إلى القاهرة وأشار إلى أن هذه هي المرة الأولى في غضون أقل من أسبوع يؤجل فيها كيري زيارة مخطط لها في اللحظة الأخيرة. أمريكا، التي فقدت
المرساة المصرية، سعت لأن تكون ذات صلة في الأزمة الحالية، ولكن أحدا غير حماس لا يحتاج خدماتها. ووقف النار يوجد في الملعب المصري، وليس في الدوحة أو في أنقرة. ويبدو في هذه الأثناء أن السيسي غير معني بدور أمريكي في الأزمة، حتى وإن كان كيري في النهاية سيصل إلى المنطقة. ويمكن أن نرى في ذلك جزءا من مسيرة إعادة تربية يجريها لواشنطن منذ أن أطاح بمرسي.
إذا كانت الولايات المتحدة تريد أن تسترجع مكانتها في المنطقة فإن الخطوة الأولى يجب أن تكون حل المشكلة القطرية. لقد حان الوقت لوضع عقود النفط والغاز جانبا (للقاعدة العسكرية توجد بدائل). قطر ليست الإمارة اللطيفة التي اشترت باريس سان جيرمان أو قميص برشلونا، بل عاصمة إرهاب وتآمر. الدوحة هي المحرك خلف الهجمات على الحلفاء الحقيقيين للولايات المتحدة في المنطقة.
السعودية، الكويت، اتحاد الإمارات والبحرين أعلنت منذ الآن عن قطر كدولة تعرض أمنها للخطر. ويدعي المطلعون من الخليج بأنه لن يبعد اليوم الذي تفقد فيه السعودية صبرها وتبعث إلى قطر بلواء من الجنود مثلما فعلت مع البحرين، رغم احتجاجات واشنطن. في حينه ستقف الولايات المتحدة أمام معضلة حقيقية، ولكن هذا قد يكون متأخرا. القنبلة القطرية يجب تفكيكها الآن.