كتاب عربي 21

هل تقف الحكومة اليمنية على قدميها الآن؟

1300x600
في توقيت مباغتٍ أعلنت الحكومةُ اليمنيةُ رفع الدعم عن المشتقات النفطية، منهيةً بذلك معضلةً كبيرةً واجهتها طيلة الفترة الماضية، من بين معضلات عديدة بعضها أمني وبعضها سياسي وبعضها اقتصادي، وجميعها وضعت البلد في حالة من عدم اليقين خصوصاً لجهة مقدرته على إنجاز خطة الانتقال السياسي إلى مرحلة الدولة الاتحادية التي تعترضها مشاريع خطيرة للغاية تستهدف وجود الدولة القائمة الهشة نفسها.

في الواقع الزيادة التي طرأت على سعر لتر البنزين أو الديزل، لم تتجاوز عتبة الـ40 سنتاً من الدولار، لكنها تمثل عبئاً ثقيلاً بالنسبة لشريحة واسعة من اليمنيين الذين يعيش معظمهم تحت خط الفقر، ولا يتمتعون بدخول ثابتة، وحتى بالنسبة لمحدودي الدخل من موظفي الحكومة والقطاع الخاص.

لكن مخاطر كثيرة دفعتها الحكومة اليمنية عن نفسها بتحملها أعباء ومخاطر تحرير أسعار المشتقات النفطية، لعل أكثرها خطورة تناقص الاحتياطي الذي فرضته الحاجة لاستيراد الاحتياجات المتزايدة من المشتقات النفطية، وما أنذر به من مخاطر تعرض العملة الوطنية (الريال) لتدهورٍ  لو حدث كان يمكن أن يقود البلاد إلى حالة غير مسبوقة من التضخم تفوق بكثير قدرة اليمنيين الاقتصادية والنقدية.

ومن المتوقع أن تتمكن الحكومة بفضل تحرير أسعار المشتقات النفطية من الوقوف على قدميها الآن، مع تدفق النقود إلى خزينتها، وإطلاق الدول والمنظمات المانحة بعض المساعدات النقدية والقروض التي كانت قد أوقفتها مشترطةً أولاً تحرير أسعار المشتقات النفطية، بعد أن حول دعم هذه المشتقات، بلداً فقيراً مثل اليمن إلى بلدٍ مانح ٍبامتياز، وبعد أن عانت البلاد من استنزافٍ هائلٍ لثروتها ومواردها بسبب نشاط تهريب المشتقات النفطية المدعومة إلى الأسواق المجاورة في القرن الإفريقي، وهو جزء من تركة الفساد الثقيلة التي خلفها نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح عفاش.

الحكومة اليوم باتت أكثر تحرراً من الضغوط التي مارستها عليها قوى النفوذ السياسية والعسكرية التي ما تزال تُلقي بظلالها القاتمة على مستقبل الحياة السياسية، بسبب تعدد أنشطتها المُهددة لكيان الدولة، وهي أنشطة ذات طابع أمني إرهابي في شمال البلاد وجنوبه، حيث تتقاسم الجماعة الحوثية المسلحة وتنظيم القاعدة مهمة استهداف الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية وتسعيان إلى فرض سيطرتهما على أجزاء من البلاد. إلى جانب سلسلة من الأنشطة التخريبية التي تستهدف المصالح العامة والخدمات.

لقد نجح الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي شخصياً، في تأليب دعمٍ سياسيٍ واسعٍ لقرار تحرير المشتقات النفطية، بإجباره الأطراف السياسية المشاركة في حكومة الوفاق الوطني، على دعم القرار، وتقاسم الكلفة السياسية الثقيلة لهذا القرار غير الشعبي، وهو دعمٌ ظل حتى الآن غير معلن ولم يجازف أي من هذه الأطراف في إعلان قبوله أو رفضه القرار، وهو ما انعكس بشكل ملحوظ على الحجم المحدود للاحتجاجات التي شهدتها العاصمة اليمنية ومدينة أخرى جنوب غرب البلاد هي مدينة تعز في اليوم التالي لإعلان قرار رفع الدعم.

جهود هادي اتسمت في جانبٍ منها بالمراوغة التي أوقعت الرئيس السابق علي صالح في فخٍ لم يكن يتوقعه ربما، عندما استطاع الرئيس هادي أن يجمع سلفه مع القائد العسكري الذي انضم للثورة الشبابية الشعبية السلمية، اللواء علي محسن، والشيخ حمير عبد الله بن حسين الأحمر، صبيحة عيد الفطر، وهذا اللقاء جاء بعد يوم من دعوة الرئيس اليمني القوى السياسية إلى الاصطفاف الوطني وحدد(10) نقاط أهدافاً ملحة لهذا الاصطفاف بينها دعم الإصلاحات الاقتصادية.

اللقاء غير المتوقع للخصوم في جامع الصالح بالعاصمة اليمنية، رغم أنه يأتي امتداداً لجهود الوساطة السعودية، فإنه قد ولّدَ انطباعاً لدى لغالبية العظمى من الشعب اليمني بأنه ما عقد إلا ليتفق هؤلاء مجدداً على إلحاق الضرر بالشعب اليمني الفقير، مفترضين أن رفع الدعم عن المشتقات النفطية ثمرة من ثمرات هذا اللقاء المشئوم.

وعلى الرغم من تسرب شائعات عبر مواقع قريبة من دوائر صنع القرار بصنعاء، حول نية الرئيس السابق وحلفائه الحوثيين القيام الاثنين القادم باحتجاجات في العاصمة اليمنية، على خلفية رفع الدعم عن المشتقات النفطية، قد تنتهي بانقلاب ضد الرئيس هادي نفسه، فإن تحركاً كهذا سيكون مكشوفاً وذي طبيعة سياسية صارخة قد تصطدم مباشرة بقرار مجلس الأمن رقم 2145 بشأن معرقلي التسوية في اليمن.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع