أشار تقرير لصحيفة "
واشنطن بوست" لأثر حرب
غزة على فلسطينيي الداخل. فالغضب والشك والنظرة الدونية التي طبعت علاقات اليهود مع غزة والضفة الغربية انتقلت عدواها لداخل
إسرائيل التي يشكل فيها الفلسطينيون نسبة واحد من كل خمسة يهود.
وتنقل الصحيفة عن أمير طلال، صاحب محل غسيل للسيارات قرب أم الفحم كيف تراجع عدد زبائنه اليهود بسبب
الحرب على غزة.
فقبل الحرب كان يحضر لمحله 100 زبون أو أكثر، لكن الخوف أبعدهم عنه "فدكان غسيل السيارات مثل بقية المحلات التجارية التي يملكها الغرب وقعت ضحية الشق بين
العرب واليهود".
وبحسب تماما هيرمان، المحللة السياسية، فإن "ما شاهدناه في الشهرين الماضيين هو تعبير قبيح عن قومية مبالغ فيها"، مضيفة أن "هناك البعض ممن ينظر للعرب كطابور خامس".
وتعمل هيرمان في معهد الديمقراطية الإسرائيلي الذي قام بنشر إعلان مدفوع الثمن في الصحف يدعو اليهود الإسرائيليين إلى أن يكونوا متسامحين مع العرب الإسرائيليين الذين عبروا عن تعاطف مع معاناة الفلسطينيين أثناء العملية الإسرائيلية في قطاع غزة".
ويقول طلال إنه يخشى من زيارة البلدات والأحياء اليهودية التي كان يذهب إليها لأنه سمع عن قصص تعرض فيها العرب للإهانات والتمييز والضرب، مضيفا أنه "أصبح الوضع لا يطاق.. خمسة متطرفين يمكن أن ينظروا إليك ويصرخوا: إرهابي إرهابي، ويقومون بضربك، فماذا ستفعل؟".
وتشير الصحيفة إلى أن كثافة مشاعر العداء للعرب تختلف عن تلك التي لوحظت أثناء مواجهات سابقة بين إسرائيل والفلسطينيين.
فقد تم طرد العشرات من العرب الإسرائيليين من وظائفهم بعد أن عبروا عن مواقف معارضة للحرب من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وتعرض لاعب عربي في نادي كرة قدم إسرائيلي للسخرية والصراخ، وقامت الشرطة باعتقال عشرات اليهود الذين اعتدوا في الشوارع على العرب.
وجاء دور التجارة والأعمال التي تراجعت بسبب تجنب اليهود لها ولخوف أصحاب المحلات من الذهاب للأحياء اليهودية حتى من لديهم أصدقاء فيها.
ويقول من دعوا للتعايش بين العرب واليهود، إن العلاقات لم تشهد وضعا كهذا حتى في أثناء الانتفاضتين وأثناء الحربين اللتين شنهما الجيش الإسرائيلي على غزة سابقا.
وينقل التقرير عن راشيل ليل، المديرة التنفيذية "لمؤسسة إسرائيل الجديدة" أن "هناك تدهور خطير في العلاقات، يجعلني قلقة على طبيعة العلاقات بين اليهود والعرب في إسرائيل". ويتساءل البعض عما إذا كانت الجراح التي كشف عنها خلال الشهرين الماضيين يمكن شفاؤها.
وفي الشهر الماضي اضطر الصحافي والكاتب الفلسطيني سيد قشوع للرحيل وعائلته إلى شيكاغو. وفي آخر مقال كتبه لصحيفة "هآرتس" تبين أنه تجادل مع زوجته عندما ناشدها عدم الذهاب للعمل بعد حرق الشاب الفلسطيني محمد أبو خضير من قبل مستوطنين انتقاما لاختطاف ثلاثة مستوطنين في الضفة الغربية. قال: "وصمت، حيث علمت أن محاولتي للعيش معا في هذا البلد مع الآخرين انتهت"، وقال إن "الكذبة التي علمتها لأطفالي عن المستقبل الذي يعيش فيه العرب واليهود في هذا البلد كشف زيفها".
وتربط الصحيفة التوتر بأنه نتاج تراكم سنوات سابقة أصبح فيها العرب أكثر وعيا ومطالبة بحقوقهم. وقامت مجموعة من المثقفين العرب بنشر رؤية عام 2006 طلبوا من ضمن ما طلبوه توقف إسرائيل عن النظر لنفسها كوطن لليهود فقط ولكن لكل مواطنيها.
وتظهر نتائج استطلاعات جرت عبر عقد من الزمان ارتفاع عدد العرب الإسرائيليين الذين ينظرون لأنفسهم كفلسطينيين إسرائيليين وتراجعا في عدد من يدعمون تعريف إسرائيل لنفسها كدولة يهودية. وهو ما رفضه الكثير من اليهود واعتبروه تهديدا وجوديا.
و"تصادمت هذه المشاعر، من بين كل الأماكن، في ملعب كرة قدم، وصرخ مشجعون لفريق كرة قدم عبارات معادية للعرب ضد لاعب وسط عربي وهو مهران راضي يلعب مع مكابي تل أبيب"، بعد مقتل المستوطنين الثلاثة.
وتزايد التوتر بعد حرب غزة التي تعامل معها اليهود، من خلال متابعة الإعلام الإسرائيلي والعرب عبر قناة الجزيرة وشاهدوا صور الأطفال والنساء القتلى.
وتم فصل عرب قاموا بوضع تعبيرات متعاطفة على "فيسبوك" بدون إبداء أسباب حسب المحامية مها شحادة التي تعمل في "خط العمال الساخن" وهي جماعة إسرائيلية للدفاع عن حقوق العمال.
وما وضعوه على وسائل التواصل الاجتماعي يظهر خلافا في الرأي، فقد قام البعض بوضع صور للأطفال القتلى، ووضع شخص آخر صورته وهو يحمل العلم الفلسطيني في تظاهرة احتجاجية واتهم آخرون إسرائيل بارتكاب جرائم حرب. وتعلق شحادة: "كل شيء وضعوه خالف الإجماع ولهذا السبب فصلوا". والإجماع هو دعم عمليات الجيش الإسرائيلي في غزة.
وللرد على هذه المشاعر المتعاطفة، تم فتح العشرات من صفحات الفيسبوك منها واحد يقول: "قاطعوا الشركات الإسرائيلية التي تشغل الخونة". وأعاد الموقع نشر معلومات "11 جنديا آخرون قتلوا!!" وإلى جانب أسماء وصور العرب الإسرائيليين حثت صفحات الفيسبوك المعجبين على القيام بضغوط على
الشركات لفصلهم من عملهم.
وفي تموز/ يوليو دعا وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان الإسرائيليين على مقاطعة الأعمال التجارية التي يملكها العرب إذا هم شاركوا في تظاهرات احتجاجية ضد ما يجري في غزة.
وتقول ليل من مؤسسة إسرائيل الجديدة، "إن دعوة ليبرمان لمقاطعة بعض محلات العرب التجارية تعامل معها اليهود على أنها دعوة لمقاطعة كل المحلات العربية. وقالت إنك ترسل رسالة واضحة للعرب: لم تعودوا جزءا من المجتمع".
وفي هذا الجو المشحون وجد بعض الإسرائيليين أنه من الصعب الابتعاد عن التجار العرب، ولكنهم كما يقول محمد محاجنة من أم الفحم، فإن التجار اليهود لم يعودوا يحضرون البضائع لمحله مباشرة ولكنهم يتصلون أولا ويسألون عن الوضع ويطلبون مرافقين لهم.