كتاب عربي 21

لماذا يجب علينا أن نتوقع من هو أسوأ من داعش مسقبلا؟!

1300x600
عند قراءة عنوان المقال قد يعتقد البعض أن الكاتب مغرق في التشاؤم أو أنّه فاقد للأمل فيما يتعلّق بمستقبل المنطقة، لكنه في الحقيقة يحاول أن يقرأ المؤشرات الموضوعيّة التي تقول بأنّ أي خيار للتعامل مع هذه الظاهرة يكون قائم على القوّة فقط، ويتجاهل الأسباب الأساسيّة والجوهريّة التي أدّت إلى ولادة مثل هذه الظواهر وتكاثرها وتضخمها ككرة الثلج سيكون مصيره الفشل على المدى البعيد.

ما يحصل حقيقة هو انّ الفاعلين الرئيسيين في المنطقة والعالم قد أعفوا أنفسهم من مواجهة المشاكل الحقيقية التي أدّت الى ولادة القاعدة وداعش وغيرها من المجموعات الراديكالية المسلحة، وتتجه دوما الى ما تعتقد انّه الخيار الأفضل والأسرع ربما وهو مواجهتا بالقوّة لتفكيكها.

بمعنى آخر، يعتقد الكاتب أنّ هؤلاء يتعاملون مع ظاهرة تكاثر الجماعات الراديكالية المسلّحة بشكل مبسّط وسطحي مما سيؤدي الى تفاقم المشكلة مستقبلا في وقت تفترض فيه مثل هذه الظواهر ان يتم التعامل معها بشكل عميق وتفكيكي كي نستطيع مواجهتها بشكل ناجح.

وعلى عكس ما يعتقده أو يقولوه كثيرون، فان ما نشهده اليوم من تكاثر لهذه المجموعات وأيديولوجيتها المتطرفة لا يعود بالدرجة الاولى الى سبب ديني -بالرغم من محاولات تفسير هذه الظاهرة من خلال هذا المنظور- بقدر ما يعود الى أسباب سياسيّة تراكم عقود طويلة من الفشل في مهمّة الانظمة في بناء الدول العربية و/أو ادارتها.

وكلما تم تجاهل هذا العامل الاساسي كلّما ازدادت هذه الظاهرة عنفا وتطرفا، ويبدو أنّ الانظمة لم و/او لا تريد أن تفهم ذلك، وهو الامر الذي ينسحب أيضا على الدول الفاعلة في المجتمع الدولي الذي يتعامل مع هذه الظاهرة بطريقة سطحيّة للغاية.

قبل داعش كان هناك القاعدة التي تبدو الآن مجرّد حمامة أمامها، كيف تم التعامل مع ظاهرة القاعدة؟ انه نفس الاسلوب السطحي الأمني والعسكري والي يقوم على:

• الحشد الاعلامي والدعائي ضد هذه الجماعات.

• ادانة ما تقوم به وادراجها على قوائم الارهاب وزيادة الضغط الأمني والمالي عليها (ما يؤدي الى زيادة عزلتها وبالتالي تطرفها).

• العمل على حشد تحالف دولي لاستخدام القوة العسكرية ضدها (علما انّها ليست جيشا نظاميا ومواجهتها معقّدة).

• الاستعانة بوكلاء على الأرض للمواجهة المباشرة جيثما تطلّب الأمر.

• توجيه ضربات لقادتها الميدانيين والبارزين (بالملاحقة او القتل او الاغتيال).

• ومتابعة هذه الخطوات حتى يتم التأكيد أنّ المنظّمة أو المجموعة المعنيّة أصبحت شبه مفككة ولم تعد قادرة على التمدد وفي بيئة لا تمكنها من العمل.

بنفس هذا المنطق تمّ مواجهة القاعدة لسنوات طويلة، وفي الوقت الذي اعتقدوا فيه أنّهم قضوا عليها، تشكّلت مجموعات أكثر تطرفا منها وأقل مركزيّة واكثر عدائيّة (في العراق واليمن وافغانستان والصومال ولبنان....الخ) وان بقيت توصف بالقاعدة أو المجموعات التابعة للقاعدة، لكن يبدو أنّ الدرس لم يُفهم فاستمروا في نفس النهج وعادوا الى أسلوب الطائرات بدون طيار، والعمل الامني الاستخباراتي والعمليات العسكرية المحدودة؛ لكن هذه المرّة مع منسوب أشد من القهر الاجتماعي والاقتصادي والأمني والظلم  والتعذيب الجسدي والنفسي والتهميش والعزل والاقصاء السياسي (سياسات نظام المالكي والأسد نموذجا)، فكانت النتيجة ولادة من هو أكثر تطرفا وفتكا من هذه المجموعات، داعش.

نفس هذه الخطوات يتم التحضير لها الآن، لكن ما يغفله هؤلاء هو أنّهم إن لم يعالجوا الأسباب الحقيقيّة التي أدّت الى ظهور هذه الجماعات بالدرجة الاولى. فأنت إن لم تكن تفهم ظاهرة ما فسيكون من الصعب ان لم يكن من المستحيل عليك تفكيكها ومواجهتها.

القوّة لوحدها قد تنفع تكتيكيا ولكن ليس استراتيجيا، فهي في هذه الحالة بمثابة ترحيل المشكلة وزيادة حجمها، وما يحصل فعليا هو انّ المنظمة أو المجموعة المستهدفة تكون قد تفككت من تلقاء نفسها لتعيد تجميع اجزاءها مرّة أخرى بعد فترة من الزمن بشكل آخر وطريقة عمل أخرى مع فارق انّ الأفراد المكوّنين لها هذه المرّة أكثر غضبا واكثر تطرفا واكثر شعورا بالظلم والقهر وبالتالي اكثر اجراما كما أنّها أكثر خبرة وقادرة على التكيّف مع المعطيات بشكل أفضل من سابقتها، بهذا المعنى نكون قد اعدنا انتاج الوحش من جديد ولكن بشكل أفظع.