ثمة حاجة ملحة لاعادة النظر للاعلام كنسق اجتماعي ضمن بقية الأنساق التي يجب البحث في تطويرها في الفترة الحالية التي باتت إعادة النظر للكثير من الأمور و المفاهيم ضرورة حتمية و حاجة ملحة لمواكبة التغيرات المستمرة و الفجائية.
بعد ثورات الربيع العربي منذ حوالي أربع سنوات أصبحت المنابر الاعلامية أو بصورة أدق الدعائية فاعلا أساسيا و مهما في المشهد السياسي و الثوري ، وعنصرا قويا في يد الأطراف المسيطرة عليه ، وهو ما مثل تحديا كبيرا أمام الشعوب الراغبة في الحرية و التحرر من أنظمة إرهابية قمعية سيطرت ولا زالت علي عقول الملايين بوسائل دعاية فجة بعيدة كل البعد عن المهنية و الأخلاق الانسانية.
الثورات المضادة في العالم العربي و بترتيب من أجهزة الاستخبارات المحلية و الاقليمية و العالمية فطنت إلي أن وسائل الاعلام و صناعة صورة مزيفة قد تكون قوة أكبر و أكثر تأثيرا من الواقع علي الأرض خاصة لو كان سلمي ، كما حدث ولا زال يحدث في
مصر ، و التي باتت أكثر النماذج فجاجة في تغول و فحش و بذائة وسائل الداعية و دعمها السافر للتحريض علي جرائم ضد الانسانية و ارتكاب فظائع لم تكن تخطر علي البال ، هذا النموذج أعاد إلينا أولي
نظريات الاعلام وهي " الرصاصة السحرية " التي تفترض في الجمهور المتلقي للرسالة الاعلامية التساو في التأثر بهذه الرسالة ، وعدم تفكيره أو نقده لمحتواها ، وهو ماتبين جليا بمقارنة بسيطة لكيفية تعامل وسائل الاعلام مع القضايا الوهمية في عهد الرئيس محمد
مرسي ، و تعاملها مع نفس القضايا بعد الانقلاب العسكري ، الأمر الذي يؤكد أن هذه الوسائل تدرك جيدا أنها تتعامل مع قطعان لا عقول لها و يسهل تحريكها و السيطرة عليها.
كل هذه الأمور توجب علينا جميعا كداعمين للحرية و الديموقراطية توجيه النقد لوسائل الاعلام التابعة أو المفترض فيها تأييد الثورة و التغيير الاجتماعي ، سواء انتمت هذه الوسائل أو انضوت تحت فكرة " الاسلام السياسي أو الثورة أو الداعم للحرية أو البعيد عن أصحاب المصالح " .
و في هذا الصدد هناك عدة نقاط عامة و تعليقات حول هذا الاعلام تحتاج بالضرورة إلي تفاصيل لا يسع المجال لذكرها :
- يجب الاشارة إلي أن وسائل الاعلام حاليا أصبحت جزءا من الفاعلين السياسيين ، و بات من الصعب ابعاد أي مؤسسة اعلامية عن فكرة التحيز لفكرة أو هدف ما ، و تنشأ المؤسسات للتأثير علي الناس وليس لمجرد نقل أخبار أو تقديم مواد للترفيه .
- الاعلام الذي يمكن وصفه أو وضعه في إطار " الثوري أو الاسلامي أو الداعم للحرية أو البعيد عن أصحاب المصالح " ضعيف و غير مؤثر و أسوأ ما فيه خطابه الانهزامي و فشله في بناء أجندة تقود الرأي العام و تدفع الأخرين للرد عليه و تفنيد خطابه ، و يكتفي بمتابعة و مجاراة وسائل الاعلام الأخري و العمل علي نفس أجندتها الاعلامية ، بدلا من صناعة أجندة خاصة بنفسه تكون خاصة بقطاع من الناس و تضم عليها أخرين وفقا لمهنيتها .
- يجب الاشارة أيضا إلي أنه لا توجد وسيلة اعلام علي وجه الأرض محايدة و انما وجدت أصلا للانحياز لفكرة و مفهوم و تهدف التأثير علي الرأي العام و دفع الجمهور لتأييد ما تطرحه من أفكار
- فكرة توجيه خطاب يشمل الجميع مقبولة نظريا ، لكن صدق الوسيلة و تدقيق الأخبار و تحري المهنية في تناول الخبر و معالجته هي من تجذب القطاعات الواعية من القراء الباحثين عن الحقيقة ، بينما محاولة ارضاء الجميع أو مجرد عرض أخبار دون سياسة مهنية و خطاب اعلامي قوي سيؤدي لتمييع الرسالة و اضعافها و عدم الحصول علي تأثير مرجو من الرسالة الاعلامية.
- تجدر الاشارة أيضا إلي أن التيار المنضوي تحت مسميات " الاسلام السياسي أو الثوري أو الداعم للحرية أو الراغب بصدق في بناء أمة محترمة " لم يلتفت إلي قوة وتأثير وسائل الاعلام التي أعادتنا خلال عامين فقط إلي أولي النظريات التي ظهرت في الاتصال الجماهيري وهي نظرية الرصاصة السحرية.
- التيارات الأخري خاصة الكارهة للاسلام و المعادية للحرية و الداعمة للصهيونية و أصحاب المصالح ، فهموا جيدا دور وسائل الاعلام و ضخوا لها المليارات و بالفعل جاءت نتيجة ذلك قوية حتي ولو لم يكن له أساس جماهيري أو مجرد حدث وقتي ، الا أنهم لا زالوا يسيطرون علي العقول رغم التردي اليومي في الأوضاع داخل مصر.
- وسائل الاعلام الثورية أو المناهضة للحكم العسكري ، خطابها سيئ جدا – باستثناء الجزيرة مباشر مصر – نظرا لاعتمادها سياسة تحريرية قوية و مهنية ولها أجندة خاصة بها.
- وسائل الاعلام المناهضة للحكم العسكري ، تسهم ودون قصد في اضعاف القضية بالاعتماد علي عدد محدود من الضيوف خاصة ممن أفرزتهم قناة الجزيرة ، وهو أمر يوحي بأن المناهضين للانقلاب قلة و نفس الوجوه في نفس القنوات و المصادر لا تختلف ، وهو أمر يجب أن يتغير تماما لصناعة مصادر متعددة ورافضة للانقلاب و قادرة علي الوصول للناس و ليس الاقتصار علي ما بنته وسيلة اعلام قوية.
- علي وسائل الاعلام بناء مصادر جديدة وخاصة بها و تبني حركات شبابية ودعمها للايحاء بالغضب الشعبي و التركيز علي القضايا الخدمية التي تجد صدي لدي قطاعات الشعب.
- وسائل الاعلام الجديدة يجب أن تكون مكانا لانتاج جيل جديد من الاعلاميين و الصحفيين الذين سيقودون فيما بعد معركة الوعي و التفسير للناس ، و يجب أن يكون الاختيار فيها جيدا ومن الرافضين لأحداث 30 يونيو ، وتبنيهم وتدريبهم ، اذ أن الاستعانة بأي اعلامي أيد في السابق جريمة 30 يونيو سيكون طعنة فيما بعد للمؤسسة خاصة و أن المهنة تقوم أساسا علي الشرف و المبادئ ، و يجب تطهيرها من أصحاب المصالح أو ممن لهم علاقات بأجهزة الأمن أو أي تصرف مشبوه.
- وسيلة الاعلام الجديدة يجب أن تكون مفسرة و معالجة لخلفيات الخبر و ليست مقتصرة علي نقله فقط حتي تؤدي رسالة في الوعي الجماهيري الذي تستهدفه.
- الاهتمام بالشباب و القراء و التفاعل بمختلف المواد هو من سيجعل الوسيلة مكانا تفاعليا يجد الباحثين عن الحقيقة فيه ضالتهم.