أعاد قرار حركة
النهضة التونسية عدم تقديم مرشح من داخلها للانتخابات الرئاسية القادمة التي ستجرى خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر القادم ودعم
مرشح توافقي،
خلط الأوراق من جديد في المشهد السياسي في تونس. القرار جاء إثر اجتماع مجلس شورى الحزب وإثر إعلان عديد الأحزاب رفضها التخلي عن مرشحيها ودعم فكرة المرشح التوافقي.
وتعددت قراءات المحللين لخفايا القرار وأبعاده بينما أجمعوا على كونه "يمثل مكسبا للنهضة داخليا وخارجيا إذ سيمكنها من كسب ود الأحزاب الأخرى وتجنب احتكار الحكم في انتظار نتائج الانتخابات التشريعية وما قد تحدثه من تغييرات على اختيارات الجميع".
ووصف أستاذ التاريخ السياسي المعاصر بالجامعة التونسية عبد اللطيف الحناشي في تصريح لـ"عربي 21" خيار النهضة دعم شخصية من خارج الحزب للرئاسة بـ"الطبيعي" موضحا أن النهضة عبرت منذ فترة عن عدم رغبتها أو ربما عدم استعدادها لترشيح شخصية من داخلها "لحسابات دقيقة تهمّ الحزب ولطبيعة المرحلة التي تمر بها البلاد ورغبة منها في عدم احتكار جميع السلطات".
وتتمثل صلاحيات رئيس الجمهورية الجديد حسب ما ينص عليه الدستور على تمثيل الدولة وضبط السياسات العامة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي إضافة إلى توليه القيادة العامة للقوات المسلحة وترؤس مجالس الوزراء عند حضوره.
وقالت حركة النهضة في بلاغ مجلس الشورى الذي يمثل أعلى سلطة قرار صلب الحركة إنها ستعمل على "دعم ترشح شخصية وطنية توافقية تخدم أهداف الثورة وتحفظ التجربة الديمقراطية وتساهم في إنجاح مسارها".
وشدد رئيس الحركة راشد الغنوشي في تصريح لوسائل الإعلام على هامش اجتماع الشورى نهاية الأسبوع الماضي أن "تونس لن تحكم خلال الفترة القادمة إلا بالتوافق"، داعيا إلى تكوين حكومة وحدة وطنية.
لكن الإعلامي والمحلل السياسي نصر الدين بن حديد في اتصال هاتفي مع "عربي 21" قال إن "مقترح النهضة صعب التنفيذ إن لم نقل مستحيلا".
وأوضح أن "فكرة الرئيس التوافقي فكرة للاستهلاك الخارجي تريد من خلالها النهضة أن تثبت للدول المجاورة والعالم أنها تريد أن تتقاسم الحكم ولا تحتكره لنفسها".
أما أستاذ التاريخ السياسي المعاصر عبد اللطيف الحناشي فيرى أن "اختيار المرشح لرئاسة الجمهورية لا يخضع فقط لمقاييس تحددها أطراف أو توازنات سياسية داخلية بل تلعب أطراف إقليمية ودولية دورا في اختيار هذه الشخصية".
وأوضح الحناشي أن "عديد الأسماء الوازنة سياسيا ونضاليا وعلميا تتوفر فيها المواصفات التي حددتها حركة النهضة لذلك يمكن القول أن الأمور نسبية ومتحركة وتخضع لمقاييس إضافية غير التي طرحتها الحركة".
وكانت قيادات النهضة قد أعلنت إجراءها خلال الفترة القادمة اتصالات مع مختلف الشخصيات المرشحة للرئاسة في تونس وعرضهم نتائج المباحثات في ما بعد على مجلس شورى الحركة وأعلى سلطة قرار فيها.
وأضاف نصر الدين بن حديد لـ"عربي 21" أن عديد الأحزاب ستبحث عن ود النهضة في الفترة القادمة إثر قرار مجلس شورى الحركة الأخير لما يعتبره "قدرة النهضة في حال دعمها مرشحا بعينه المساهمة في نجاحه أو على الأقل بلوغه الدور الثاني وتكون بذلك الحركة قد ربحت جولة في الحرب قبل انطلاق المعركة".
وعلّق بن حديد على ربط النهضة مرشحها الوفاقي بخدمة أهداف الثورة "بأن الحركة أعلنت سابقا رغبتها معاقبة تمجيد النظام السابق لكنها تتعاطى اليوم مع قياداته وبالتالي لا يعدو الأمر تلاعبا بالكلمات". ويستبعد عبد اللطيف الحناشي دعم الحركة مرشحا من النظام السابق لكنه يرى أنه "خيار ممكن إذا فرضته ظروف معينة".
وقدم رئيس حركة نداء تونس ورئيس الوزراء الأسبق الباجي قائد السبسي، الذي يعتبره أنصار حركة النهضة من رموز النظام السابق في تونس، ترشحه رسميا لهيئة الانتخابات اليوم الثلاثاء ليضع حدا للجدل بشأن ترشحه من عدمه وسط بروز خلافات صلب حزبه.
ومن المنتظر أن يتقدم كل من رئيس الجمهورية الحالي منصف المرزوقي ورئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر وزعيم الحزب الجمهوري نجيب الشابي وزعيم الجبهة الشعبية حمة الهمامي بترشحاتهم للانتخابات الرئاسية خلال الأسبوعين المقبلين.
وعن إمكانية دعم حركة النهضة لحليفها في الترويكا الحاكمة سابقا منصف المرزوقي، يرى الحناشي أن قواعد حركة النهضة ومناضليها "غير منسجمين الأن حول اسم واحد لرئاسة الجمهورية بما في ذلك الرئيس الحالي محمد منصف المرزوقي". ويؤكد بن حديد في ذات السياق أن الأحزاب في تونس "تنقض وتراجع اتفاقاتها حسب المستجدات لذا يصعب تأكيد دعم النهضة المرزوقي أو غيره".
ويعتبر بن حديد أن خيار النهضة سيتحدد بعد صدور نتائج الانتخابات التشريعية "لأنها ستظهر بوضوح حجم كل حزب ويمكن للنهضة تحديد خيارها النهائي على ضوء ذلك".
وتتواصل عملية تقديم الترشحات للانتخابات الرئاسية في تونس إلى غاية 22 سبتمبر الجاري.