كتاب عربي 21

تركيا.. ماذا بعد تحرير الرهائن؟

1300x600
الاستخبارات التركية نجحت أخيرا في تحرير 46 مواطنا تركيا بينهم القنصل العام وعائلته بالإضافة إلى ثلاثة عراقيين من قبضة تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" المعروف بــ"داعش" في عملية معقدة بدأ التخطيط لها منذ اللحظة الأولى لاحتجازهم واستغرقت مدة طويلة لحساسية الوضع في المنطقة وخوفا على حياة الرهائن. 

القصة بدأت مع اقتحام المئات من عناصر تنظيم "داعش" مبنى القنصلية التركية في الموصل بعد سقوط المدينة بيد التنظيم واختطاف القنصل العام أوزتورك يلماز وعائلته والعاملين في القنصلية، واستمرت 101 يوما. واتهمت المعارضة خلال هذه الفترة الحكومة بالتقصير وتعريض حياة المواطنين للخطر والعجز عن تحريرهم وعدم مبالاة مشاعر أسرهم، في ظل مشاهد قطع الرؤوس التي تأتي من المنطقة وتجعل أقارب الرهائن يموتون كل يوم.

كانت هناك أطراف في تركيا تنتظر بفارغ الصبر أن يذبح تنظيم "داعش" جميع الرهائن الأتراك أو بعضهم لتحمِّل الحكومة مسؤوليته وتحرِّض الشارع عليها، ولكن عودة الرهائن إلى بلادهم سالمين خيَّبت آمالهم ولم يفرحوا بنجاح عملية التحرير.

العملية بهذا الحجم تمت لأول مرة من بدايتها إلى نهايتها بتخطيط الاستخبارات التركية وتنفيذها ولم يشارك فيها أي جهاز آخر من أجهزة الاستخبارات الأجنبية. وتشير المعلومات إلى أن الاستخبارات التركية كانت تراقب عن كثب تحركات الخاطفين من خلال طائرات بدون طيار وعملاءها المنتشرين في الساحة وأن رؤساء العشائر السنية لعبوا دورا في الضغط على التنظيم لإطلاق سراح الرهائن الذين تم نقلهم من العراق إلى سوريا. ولو كان اختطاف هذا العدد من المواطنين تم في السابق لكانت أول خطوة للحكومة التركية أن تستنجد بأجهزة الاستخبارات الأجنبية لتساعدها في تحرير رهائنها. وهذا يدل على حجم التغيير الذي حدث في جهاز الاستخبارات التركية منذ تولي هاكان فيدان رئاسته، كما يدل على أن "الكيان الموازي" لم يعد قادرا على التنصت، لأنه لو كان يعلم تفاصيل عملية تحرير الرهائن لما تردد في إفشال العملية بشكل أو آخر.

تصريحات المسؤولين الأتراك تؤكد أن أنقرة لم تدفع إلى تنظيم "داعش" فدية مقابل إطلاق سراح مواطنيها. وأما الأنباء عن "تبادل الرهائن" - إن صح التعبير - فمتضاربة. وبينما ينفي مسؤولون تسليم أنقرة إلى تنظيم "داعش" بعض عناصره المحتجزين في تركيا ليطلق سراح الرهائن الأتراك، يشير كتاب صحفيون مقربون من الحكومة إلى حدوث عملية تبادل من هذا القبيل، كما أن تصريحات أردوغان التي أكد فيها أن "المهم هو عودة الرهائن إلى بلادهم سالمين حتى لو كانت هناك عملية تبادل"، تفتح الباب أمام التكهنات.

لا غرابة في إفراج تركيا عن بعض عناصر "داعش" - إن حدث ذلك بالفعل - مقابل إطلاق سراح مواطنيها المحتجزين لدى التنظيم، بل يدل ذلك على حرص الحكومة التركية على حياة مواطنيها. وهناك أمثلة كثيرة لمثل هذه العمليات التي قامت بها دول لتحرير مواطنيها، كإفراج واشنطن عن خمسة من قادة حركة طالبان مقابل إطلاق سراح جندي أمريكي كانت الحركة تحتجزه.

وبعد هذه العملية الناجحة، لعل السؤال الذي يشغل بال كل متابع للشأن التركي هو: "هل ستشارك تركيا في الحرب ضد تنظيم "داعش" بعد تحرير رهائنها؟". الجواب ليس "لا" ولا "نعم"، بل الموضوع بحاجة إلى التفصيل.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال في أول تعليق له على الغارات التي نظمتها القوات الأمريكية بالتعاون مع قوات عربية ضد تنظيم "داعش"، إن "تركيا تنظر بإيجابية حيال ضرب تلك الأهداف باعتباره عملا موجها ضد التنظيمات الإرهابية في المنطقة على وجه الخصوص". وأضاف أن "تركيا ستتخذ إجراءات بالشكل الذي يقتضيه ما يترتب عليها في إطار مكافحة الإرهاب في المنطقة"، وأن "المعلومات التي حصلوا عليها بشأن ضرب "داعش" والمناطق التي استهدفت وكيفية ضربها، لم تتضح بعد بصورة كبيرة"، لافتا أنه سيلتقي بأركان الدولة عقب عودته من الولايات المتحدة الأمريكية لتحديد موقف تركيا النهائي بهذا الشأن.

تصريحات أردوغان هذه بالإضافة إلى بعض التسريبات توحي بأن هناك مفاوضات تجري مع واشنطن بشأن مشاركة تركيا في الحرب على "داعش" وأن أنقرة تصر على تبني استراتيجية شاملة تشمل إسقاط النظام السوري وبناء سوريا ما بعد الأسد. والمفهوم من هذه التصريحات واستعداد الحكومة للحصول على التفويض من البرلمان لإرسال الجيش إلى خارج الحدود التركية أن تركيا إن قررت المشاركة في هذه الحرب فستشارك فيها بقواتها البرية والجوية لإقامة "مناطق آمنة" داخل الأراضي السورية بهدف إسقاط النظام السوري. ولكن يبقى هناك سؤال يجب أن يسأل أردوغان والقادة الأتراك أنفسهم: "إلى أي مدى يمكن الوثوق بوعود واشنطن؟".