في مقابلة فريدة أجرتها الصحافية البريطانية إيفون ريدلي مع الشيخ
حسان عبود قائد "
أحرار الشام" قبل الانفجار، الذي قضى على قيادة التنظيم بساعات، قال قائد الثوار السوري: "إن عناصر (
داعش) تم تدريبهم علي أيدي الحرس الجمهوري
الإيراني"، وكان القائد الراحل قد قضى 4 ساعات يتحدث إلى ريدلي عن نظرته المستقبلية، في مقابلة غاية في الصراحة.
وفي المقابلة التي نشرها موقع "ميدل إيست آي" (عين الشرق الأوسط) قالت ريدلي "كان الشيخ حسان عبود كعادته متفائلا خلال حواراتنا وحتى في أحلك الظروف خلال حربه ضد جيش النظام، ويحاول في الوقت نفسه صد هجمات خلفية تشنها حركة (داعش)، وكان يعترف خلال حوارتنا أنه من الصعب إحداث تقدم في ظل الاقتتال الداخلي فيما بين الفصائل. ولكن الصعود السريع لـ (داعش) فاجأ الجميع".
وأضافت "في آخر حديث لي معه كان أكثر من متفائل، حيث كشف لي عن اتقاق وحدة مبدئي توصلت إليه معظم مجموعات الثوار، ولم يبق إلا عدد قليل يرفضون الدخول في الاتفاقية وكان تنظيم (داعش) واحدا منهم".
وأشارت إلى أن "من القضايا التي كانت مصدر إزعاج للكثير أن الحرب لأجل إسقاط الأسد كان يفشلها دائما الاقتتال الداخلي، ولذلك كان الاسد متورطا في حرب لا يستطيع الانتصار فيها، وفي نفس الوقت يحارب عدوا لا يستطيع الإطاحة به، وكلا الطرفين مصر على مواقفه، مما يجعل الخاسر الأكبر من هذه المعادلة المواطنين العاديين".
تقول ريدلي"ولكن هذه المرة سيكون الأمر مختلفا، بحسب عبود، فالتغيير قادم، وكشف لي أن هناك حلفا في طور التكوين سيوحد معظم قوى الثورة، ولم يتم تحديد اسم التحالف بعد، ولكن وفي الغالب سيدخل في اسمه المجلس الأعلى، وعندما قلت له إن الاسم يبدو وكأنه إيراني ضحك ضحكة مكتومة".
وعندما سألته كيف تم التوصل إلى هذه الاتفاقية، بعد محاولات فاشلة عديدة، فأجاب بأن ذلك تم بالتنازل والتوافق "فركزنا على ما يوحدنا وتقبلنا الفروق بيننا، وأدركنا أنه لا نستطيع تغيير مبادئ وأولويات بعضنا البعض ولكن بتركيزنا على الأهداف الرئيسية لكل مجموعة استطعنا أن نتوحد".
تغيير استراتيجي
دون تغيير استراتيجي ليس بإمكان الثوار ولا الأسد كسب الحرب "هناك قوى خارجية تريد استثناء الإسلاميين من قوى الثورة، ولكن الجهاد شيء نقوم به جميعا وليست النخبة فقط". بحسب الموقع
وشدد الشيخ عبود على أن الفصائل تعمل معا لإنشاء مجلس متوافق يجمع تحت مظلته أكبر عدد من الفصائل، "فبكل بساطة نحتاج إلى التوحد وان تكون لدينا الأجندة". وإن الفشل في تحقيق ذلك يعني عدم إمكانية إسقاط النظام. وأصر على أن "هذه هي الرسالة الحقيقية للجهاد وليس ما يروج له (داعش)".
وأضاف عبود أنه لا مكان للمجموعات المنطوية "فنحن طورنا مبادرة للوصول إلى الهدف، وقد أعربت عدد من الفصائل عن تأييدها لها، ولكن المشكلة لتلك المجموعات، التي تجند مقاتلين أجانب في صفوفها، أن لديها تخوفا من الإدارة المحلية لها".
الائتلاف الوطني
وعند سؤال عبود عن الائتلاف الوطني السوري؟ كانت إجابته "ما نزال غير مصادقين على الائتلاف؛ لأنه يدار من عدد من الدول التي لها أجندتها الخاصة، والتي لا تخدم مصالح الشعب السوري".
فبحسب عبود فهناك اجتماع لعدد من الفصائل لتشكيل مجلس ثوري، حيث سيركزون على الأهداف المشتركة، ويتجنبون الآن الأهداف التي لا يتفقون عليها.
عرضت نفسي رهينة
تروي ريدلي: عندما عرضت على (داعش) أن آخذ مكان أحد رهائنهم الغربيين، قام عبود بالاتصال بي ليقنعني بعدم الاقدام على ذلك وقال لي: "إنهم سيقتلونك دون شك وسيهملون أي سياق إسلامي لهذا العرض، وإن سافرت إلى مناطقهم سنفعل كل ما بوسعنا لنمنعك من ذلك حتى لو اضطررنا لخطفك بأنفسنا". وكان جادا جدا في ذلك، ولكني استغللت الفرصة لأسأله عن "داعش" من أين أتت وما هي نواياها؟
فقام بتقديم تحليل عميق لي يحتوي على تهم مذهلة منها قوله بأن "داعش"
- ليس إسلاميا
- يدعمه نظام الأسد بشكل مباشر أو غير مباشر
- يدربه رئيس الحرس الجمهوري الإيراني
- يستخدم الإسلام مثل حصان طروادة
- مصدر الفكرة والتمويل من مؤيدي الأسد
ولو أتت هذه التعليقات من شخص آخر لكنت رفضتها بوصفها نوعا من المبالغة في الحرب، التي تستخدم فيها الكلمات بقدر الأسلحة لإلحاق أكبر ضرر ممكن، ولكنني في الأشهر التي تعرفت فيها على عبود والذي كان يعرف بأبو عبدالله الحموي لم يبد لي أنه شخص يبالغ في التخمين أو الدعاية المضللة المتعمدة.
لا يمثل الإسلام
تتابع ريدلي: ذكرني أن أول أحاديثنا كانت عن "داعش"، "قلت لك إن (داعش) لا يمثل الإسلام، وتصرفاته تجعلنا جميعا متشككين بسبب الطريقة التي يعمل بها هذا التنظيم. هناك شيء لا يعرفه بقية العالم، ولكن نحن على الأرض نعرف أنه لا يمكنك أن تخرج إلى الوجود وتنمو وتتطور دون الدخول في صراع مع نظام الأسد".
وأشار إلى أن الحكومة السورية استهدفت كل مجموعات الثوار، ولكن يبدو أن "داعش" لم يدخل في أي معركة مع الأسد، ولم تكن مستهدفة من الرئيس.
ويبرهن عبود على صحة كلامه بقوله "مثلا لو كان هناك ثلاث سيارات تسير في الريف ستضربها طائرات الأسد؛ لاعتقادها أنها تشكل قافلة، فهل لك أن تخبريني إن كانت (داعش) تحت المجهر فكيف كان يمكنها استخدام قافلة تضم 200 سيارة من مقاطعة إلى أخرى ثم إلى العراق دون الوقوع تحت هجوم واحد أو مقاومة على حواجز النظام؟"
وقال إنه عندما ظهر "داعش" إلى الوجود في
سوريا قامت قواته بمهاجمة المجموعات الثورية الأخرى، وكانوا كلما سيطروا على منطقة يعلنون فيها نظاما جديدا ومحاكم شرعية.
مشيرا إلى أنهم "رفضوا الدخول في أي صفقات مع مجموعات الثوار الأخرى، ولأنهم لم يكونوا مشغولين بمحاربة قوات الأسد يظهر أنهم يقضون أوقاتا طويلة في الاستجمام ويتمتعون بموارد وتمويل كبيرين".
وقد غير التنظيم استراتيجيته، بحسب قول عبود، حيث دخلت في مرحلة جديدة في شمال سوريا في ريف حلب والمناطق الساحلية، حيث حاول "داعش" السيطرة على المدن الحدودية حول إدلب حيث "حاولت (داعش) خنق المنافذ التي يستخدمها الثوار".
الدكتور حسين ريان
وقد وصل التوتر أوجه في شهر كانون الثاني/ يناير من هذا العام، حيث قام "داعش" باختطاف وقتل د. حسين سليمان (أبو ريان)، والذي كان أحد القادة الكبار الذين يعملون تحت إمرة عبود، والصورة التي وزعت على مواقع التواصل تظهر أنه "تم التمثيل بجسده بطريقة لم تتم رؤيتها من قبل خارج سجون الأسد، ولم ير السوريون أي شيء مثل هذا من قبل. وأؤلئك الذين عذبوه فعلوا أشيأء فظيعة له"، بحسب عبود.
وقد طالبت جماعة عبود من "داعش" تسليم من قام بتعذيب الدكتور سليمان. وأشارت إلى أن هناك لجانا شرعية في المناطق التي يسيطر عليها الثوار للتعامل مع الخلافات المحلية، ولكن مقتل الدكتور سليمان شكل نقطة تحول لدى عبود، والذي كان يتجنب انتقاد "داعش" علنيا. ولكن خلال المقابلة هاجم "داعش" غاضبا من تصرفات التنظيم.
وقد شجب الائتلاف الوطني السوري قتل أبو ريان بشدة، واتهم "داعش" بالتحالف مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، وقال في بيان له: "يعتقد الائتلاف أن (داعش) يرتبط بالنظام الإرهابي، ويخدم مصالح زمرة بشار الأسد بشكل مباشر أو غير مباشر. إن قتل هذا التنظيم للسوريين لا يدع شكا للنوايا خلف إنشائه وأهدافه والأجندات التي تخدم والتي تثبتها طبيعة أفعاله الإرهابية المعادية للثورة السورية"، بحسب الموقع.
وبحسب عبود فإن اتهام "داعش" بالعمل لصالح الأسد ليس خارجا عن نطاق المحتمل "فلتسألي نفسك: من المستفيد من (داعش)، فالأسد لم يشغل قواته بهم أبدا، ولم يحارب (داعش) على الخطوط الأمامية ضد قوات الحكومة السورية أبدا".
حصان طروادة
كما أنه يعتقد أن حصان طروادة الحقيقي هو الدين الذي يسيء إليه "داعش"، ويوضح "فاستخدم الإسلام للدخول إلى المجتمع السوري ولكن بعد أن رأينا كيف يتصرفون، فلا أحد يمكنه أن يقنعنا أنهم يحملون العقيدة الصحيحة أو التطبيق الصحيح، فبعد قتل "أبو ريان" كانت هناك ثورة مضادة لـ (داعش)، قامت بها كل مجموعات الثوار والمسلمين بشكل عام. وبعدها قامت (داعش) باستخدام الإعلام لنشر الشائعات حول قيام المقاتلين الأجانب باغتصاب النساء السوريات، وبدأوا بغسيل دماغ للمراهقين للانضمام للتنظيم والإيمان بمعتقداته".
ومن الواضح أنه لما قام "داعش" باختطاف الأجانب لم يكن الهدف هو القتل، ولكن لاستخدامهم كرهائن يعودون عليه بالمال "وقد خطف دبلوماسيين أتراكا كرهائن في الموصل، وهناك محادثات لإطلاق سراحهم في تبادل أسرى". بحسب عبود. (يذكر أنه قد تم إطلاق سراح الرهائن الأتراك حديثا دون أذى).
وبحسب عبود فإن "قطع الرؤوس كان إجراء مميزا يستخدم ضد الثوار، وكانت هناك مئات الحالات، ولكن فقط الآن يقوم مجلس الأمن بشجبه لأن القتلى غربيين"، وأضاف أنه يعتقد أن صعود "داعش" في العراق بهذه السرعة أمر "مذهل" جعلته يتساءل عن سبب عدم مقاومة جيش نوري المالكي لـ "داعش"، ويعتقد أن المالكي خسر السيطرة لأن جيشه لا يمتلك عقيدة عسكرية.
قاسم سليماني
وباعترافه بنجاح غزو "داعش"، واحتلال مساحات شاسعة من العراق فيما لا يمكن وصفه بأقل من "التألق العسكري" قام عبود بتوجيه التهم الصادمة.
يقول "أظن أن كل هذا كان من ابتكار قاسم سليماني، القائد السابق للحرس الثوري الإيراني، فهو الوحيد الذي كان بإمكانه تحقيق كل هذا. فلم يكن بإمكانه إيقاف الثورة في سوريا، ولكن عندما وصل "داعش" توقف كل شيء، وكان ظهوره نقطة تحول".
هذا اتهام سيتسبب بالغضب في كل من المحيطين السني والشيعي، ولكن تألق سليمان كاستراتيجي عسكري مشهود له في الشرق والغرب، فمنذ أواخر عام 2012 قاد التدخل الإيراني في سوريا بعد القلق من أن نظام الأسد لا يستطيع محاربة المعارضة، فمن دمشق يقوم بالتنسيق مع حزب الله في لبنان والميليشيات الشيعية في العراق والقوات الإيرانية، كما ذكر عبود.
وأصر عبود على أن سليماني هو الوحيد القادر على ابتكار مثل هذه المغامرة العسكرية، وقال إن هذا ممكن أن يفسر كيف هزمت قوات المالكي دون مقاومة عندما هاجمت "داعش" العراق، وأخذت تحتل مساحات شاسعة منه بسرعة لم تستطع الولايات المتحدة، المحتل السابق للعراق، تخيلها.
وأضاف قائد أحرار الشام أن بعض اللوم لظهور "داعش" يقع على دول الخليج، وقال إن هناك اعتقادا بأن التمويل الأولي لـ "داعش" في البداية كان من الإمارات العربية المتحدة.
ويؤكد عبود "نحن نعرف أن جبهة النصرة مدعومة من الخليج، ولكن قبل أن تسيطر على النفط والغاز، كان "داعش" ينفق أموالا طائلة في سوق السلاح، وكانوا يدفعون كل ما يطلب ثمنا لذلك السلاح، ولم يحاولوا حتى التفاوض على السعر فكانت لديهم أموالا طائلة".
وبحسب عبود فإن "داعش" كان في ترسانته العسكرية صاروخ (سكود)، "وقامت قياداته بإطلاع مجموعات الثوار الأخرى على الصاروخ، لإقناعنهم بالانضمام إليهم. لا أدري من أين حصلوا على صاروخ الـ (سكود) ولكنهم لم يملكوا التكنولوجيا أو ألمعدات لإطلاقه فكان للعرض فقط".
أسئلة كثيرة
واعترف عبود بأن هناك تساؤلات كثيرة غير مجاب عليها حول "داعش"، مؤكدا "أن هناك علاقة حقيقية بين "داعش" والنظام السوري، والآن لا يستطيع أيهما أن يبقى موجودا دون مساعدة الآخر".
وتذكر ريدلي: كنت أتطلع إلى سماع المزيد من التحليل، ولكن للأسف فإنه لم يكتب للشيخ حسان عبود أن يرى تحالف المعارضة يتحقق. فبعد نقاشنا الأخير بساعات قتل هو وعشرات القادة من تنظيمه في تفجير ضخم في بيت للاجتماعات في إدلب في 9 أيلول/ سبتمبر، ومع أن هناك الكثير من نظريات المؤامرة عن سبب التفجير، إلا أن الأكيد هو أن التوقيت كان من أسوأ ما يمكن أن يكون للمعارضة، حيث كان عبود على أعتاب التوصل إلى صيغة اتفاق بين مختلف مجموعات الثوار، مما كان من الممكن أن يغير مجرى الحرب.
ويقع إرثه الآن بين يدي القائد الجديد الذي يقود حوالي 20000 مقاتل، والذين يشكلون القوة الرئيسية في الجبهة الإسلامية التي أوجدت لمحاربة "داعش" ولتحارب القوات التي ما تزال موالية لبشار الأسد.
أهداف أحرار الشام
ويشير التقرير إلى أن جماعة أحرار الشام تسعى لإقامة دولة على المبادئ الإسلامية، وتحمي حقوق المرأة والأقليات الدينية والإثنية، وتختلف جذريا مع أسلوب "داعش".
ويأتي مقتل عبود في وقت تسعى فيه الحكومة الأميركية لتوحيد قوى المعارضة السورية، وإنشاء تحالف خاص بها لمحاربة "تنظيم الدولة المارق"، بحسب الموقع.
وتختم ريدلي "لست متأكدة أن عبود كان سينضم إلى التحالف الأميركي؛ لأنه كان ينتقد بشدة ما أسماه "كيل الغرب بمكيالين". وكان هدفه النهائي هو إقامة الحكم الإسلامي في سوريا، وهذا لا يصطدم فقط بالغرب الديمقراطي، بل أيضا بزعامات الأنظمة في المنطقة".
وتضيف "وبعد تصفح ما كتبته خلال اللقاء بعثت برسالة نصية للشيخ عبود، وسألته إن كان متأكدا أنني استطيع استخدام كل ما قاله في المقابلة، وفي اليوم التالي وجدت ردا يقول: "تستطيعين نسب تحليلاتي لي، فأنا أعلنها".
ويبقى أن نرى إن كانت رؤيته وإرثه سيتحققان أم لا.