كتب طلعت رميح: نهاية
الفيلم التسجيلي: سقوط
صنعاء، لم تكتب بعد، والقادم سيكون أشد درامية ويمكن القول مأساوية، ويخطئ كل من يعتقد أن ما تصوره المخرج للنهاية كان صحيحا أو هو النهاية الحقيقية، وقد سبق أن أخرج الأمريكيون فيلم سقوط بغداد في ساحة الفردوس، وظهر للجميع من بعد، أن نهاية الفيلم كما تصورها الأمريكان، كانت نهاية ساذجة، وأن ما تصوروه نهاية لفيلم سقوط بغداد، لم يكن إلا بداية لأحداث أشد مأساوية لهم على يد المقاومة وللعراق وسلطة الاحتلال التي عينوها، وهاهم يعودون الآن بعد مرور 11 عاما على نهاية الفيلم، للقتال والقتل في العراق.
لقد تميز مخرج فيلم سقوط صنعاء بالقدرة الفائقة على متابعة سير الأحداث الحية المحددة، وفي ذلك كان يفترض أن يقدم نموذجا من تلفزيون الواقع، إلا أنه حقق سبقا حقيقيا حين تمكن من تحويل تلفزيون الواقع إلى فيلم تسجيلي.
كان السيناريو محددا ومعروفا سلفا- إذ كان المحللون والمتابعون يقولون قبل بداية الأحداث أن الحوثيين ذاهبون للسيطرة على مقدرات الحكم في صنعاء - وما يقال عن المفاجأة والمباغتة والانهيار غير المتوقع للجيش والأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة
اليمنية ليس إلا نمطا من التشويق الذي أدخله المخرج على الدعاية الإعلانية للفيلم، ذلك أن كل من تابع معارك عمران وحجة، ومن رأى ردود الفعل الرسمية – العسكرية والأمنية-على حصار صنعاء وإغلاق مداخلها وانتشار المسلحين الحوثيين حول مقرات الحكم في العاصمة -وكأنهم في مزرعة صحراوية -كان يعلم أن الحوثيين قد سيطروا على العاصمة وأن الدولة لن تتحرك، بل هي تركتهم حتى يتمكنوا مكتفية بمتابعة حركتهم، وكان هناك من كانت لديه الخطة التي يسير عليها
الحوثيون خطوة بخطوة ويكتفي بمراجعة مراحل الحركة ومدى التزامهم بما اتفق عليه دون خروج عن النص.
رصد الفيلم وتابع معركة سيطرة إيران على عاصمة دولة عربية جديدة، لحظة بلحظة، وظهر البطل الحوثي على طريقة الأفلام الأمريكية – منقذا وبطلا منتصرا للخير لا يستطيع أحد أن يواجهه – وهكذا كانت له الكلمة الأخيرة على الأرض خلال أحداث الفيلم وفي بيانه السياسي الذي اختار أن يعلنه بعد أن تحدث الرئيس اليمني، ليظهر الحوثي في موقع الأعلى من الرئيس.
وكان لافتا أن حرص المخرج على قيام الممثل الأممي جمال بن عمر -ممثل الوصاية الدولية على اليمن –بدور الشاهد على كل ما كان يجري من أعمال عسكرية للحوثيين الذين زحفوا 250 كيلومترا من صعدة إلى صنعاء ليحاصروها ويقتحموها.
ظهر ابن عمر مشاركا في الأزمة وتداعياتها، وحين كان يمر من خلال نقاط السيطرة الحوثية التي أطبقت على العاصمة وفي داخلها، بدا وكأنه مجرد فاعل خير كان مارا بصنعاء فوجد الناس في أزمة مع بعضهم البعض، فتوسط بينهم. لم يتحرك لا ابن عمر ولا مجلس الأمن الذي سبق أن فرض الوصاية الدولية على اليمن ووضعه تحت البند السابع الذي يجيز الفعل العسكري ضد من يخرج على مقررات الحوار أو يحمل السلاح خارج نطاق الدولة. أما الرئيس اليمني فقد حرص المخرج على أن يبدو في وضع المغلوب على أمره طوال أيام الأحداث وأن آخر ما يمكنه فعله هو التوقيع على إعلان انهيار الدولة وانتصار الحوثيين.
لكن النهاية لم تكتب بعد. والنهاية التي اختارها مخرجو الحدث الكبير، ليست إلا نهاية حدث من أحداث الفيلم. إذ يمكن القول، بأن معركة تحديد مصير اليمن قد بدأت لتوها، وأن ما رواه الفيلم لم يكن إلا الجانب الأبسط، إذ القادم مأساوي. ويمكن القول بأن الحوثيين قد صنعوا توسعا وحققوا هزيمة لخصومهم بنفس الإستراتيجية التي اعتمدتها إسرائيل حين أنزلت الهزيمة بخصومها في عام 67، لكنها –ومثلها الحوثيون- قد توسعت على الأرض بأقصى مما تستطيع المحافظة عليه، فبدأت نهايتها بأيديها. وكذلك الحوثيون.
سار كل شيء وكأننا في فيلم تسجيلي. أنهت الوصاية الدولية مهمتها وسلمت صنعاء للحوثيين، الذين حملوا غنائمهم من السلاح - الذي سرقوه من مقرات الجيش وأرسلوه إلى مقره الأصلي في صعدة. الجيش لم يقاوم أو يواجه واكتفى بالمشاهدة وكان ما يجري هو مجرد لعبة كرة قدم.
لكن الحوثيين سيجدون أنفسهم في مواجهة المجتمع اليمني. وتلك بداية نهاية الحوثيين.
وسنرى.
(عن صحيفة بوابة الشرق القطرية 27 أيلول/ سبتمبر 2014)