كتبت سمية راشد الغنوشي مقالا في موقع "ذي هافينغتون بوست" ردت فيه على مقال الدبلوماسي الأمريكي السابق "دينيس روس" المعنون بـ
"الإسلاميون ليسوا أصدقاءنا"، وهو المقال الذي أثار جدلا عند نشره بسبب تحريضه المباشر على الإسلاميين بأنواعهم المختلفة، وبسبب دعوته لتقوية التحالف مع الأنظمة التقليدية "الديكتاتورية" في المنطقة العربية.
وقالت الغنوشي في مقال لها بعنوان "وصفة دينيس روس الكارثية للشرق الأوسط" إن السياسيين في واشنطن وغيرها من العواصم العربية تنفسوا الصعداء بعد أن قام السيسي بالدوس على الربيع العربي بدباباته المصنوعة أمريكيا والمدعومة بأموال "مشيخات الخليج"، على حد قولها.
وأضافت الغنوشي إن الغرب تخلص بعد انقلاب السيسي من مصطلحاته التي اضطر لاستخدامها بعد الربيع العربي من قبيل "التغيير، التحول الديمقراطي، الإرادة الشعبية، الاحترام المتبادل"، وعاد للمصطلحات الشائعة منذ الحرب العالمية الثانية مثل "الاستقرار، الأمن، المصالح"، وغيرها من المصطلحات التي يلجأ إليها لإخفاء "الركود السياسي المفروض بالقوة" و"الإعاقة الفعالة للتغيير" و"الأمر الواقع المفروض قهرا"، حسب قولها.
وأشارت الغنوشي إلى بعض الأصوات التي خفتت "بعد الإطاحة بدكتاتوري مصر وتونس، ولكنها عادت من جديد للصياح"، مثل دينيس روس "الذي كتب مقالا في صحيفة نيويورك تايمز مؤخرا حث فيه علانية الإدارة الأمريكية على العودة إلى دعم أصدقائها وشركائها في المنطقة على حد تعبيره"، مضيفة أن روس حدد أصدقاء الغرب بوضوح، وهم "الملكيات التقليدية، والحكومات الاستبدادية، والإصلاحيون العلمانيون الذين قد يكونون قلة من حيث العدد، ولكنهم لم يختفوا تماما من الساحة".
وأضافت الغنوشي إن روس تعامل مع الإسلاميين بصورة ضبابية، وجمع في مقاله بين "حركات إسلامية معتدلة من مثل النهضة التونسية، وآبيم الماليزية، والإصلاحيين في إيران وبين معتوهي القاعدة وداعش"، حسب تعبيرها، منوهة إلى أن هذا التعميم يعتبر مثالا صارخا على "الاختزال والتبسيط وعمى الألوان".
واتهمت الغنوشي روس و"أشباه الليبراليين" بالتناقض بين دعواتهم للديمقراطية التعددية، والحث على "دعم عتاة المستبدين"، واستخدام الديمقراطية والحريات كمجرد "واجهة مضللة تستخدم لإخفاء بشاعة الاستراتيجيات والسياسات المتبعة على الأرض".
واعتبرت الغنوشي أن الغربيين الذين يصرون على التعامل مع الإسلاميين باعتبارهم كتلة واحدة متجانسة هم خارج التاريخ، وهم "إما إنهم يجهلون الحركات والصراعات الفكرية والدينية التي يمور بها المشهد أو يدفنون رؤوسهم في التراب عمدا حتى لا يروها".
واستعرضت الغنوشي التباينات الفكرية والأيدولوجية بين ثلاثة تيارات إسلامية أساسية، وهي-من وجهة نظرها- المدرسة الإصلاحية، والمدرسة التي تتبناها "مشايخ الخليج"، إضافة للحركات العنفية مثل "داعش" والقاعدة.
وأضافت الغنوشي إن المدرسة الإصلاحية بشقيها السني والشيعي لا ترى تناقضا بين الإسلام والديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو الفهم الذي تتبناه حركات مثل حزب النهضة في تونس، وحزب العدالة والتنمية في المغرب وحزب العدالة والتنمية في تركيا.
وفي مقابل هذا الصنف، تقول الغنوشي: "يوجد نمط من الإسلام تتبناه مشيخات الخليج، برجال دينها ووعاظها الرسميين وشرطتها الدينية التي لا تعرف الرحمة، والذين تتلخص مهمتهم جميعا في إضفاء الشرعية على الوضع القائم وشرعنة الاستبداد والقمع باسم الدين والعادات"، مضيفة: "ويبدو أن هذا النمط من الإسلام هو الذي يفضله أصدقاء المستبدين والدكتاتوريين في العالم العربي من أمثال روس، وهو التوجه الذي يرغبون في رؤية الإدارة الأمريكية تدعمه وتشجعه".
وتقول الغنوشي إن أنصار المدرسة الثالثة من الإسلاميين "يشتركون مع منتسبي التفسير الثاني في كثير من الخواص، وبشكل خاص في النزعة السلفية والظاهرية والقطعية، إلا أنهم ينهجون سياسة من نوع مختلف تماماً... إنهم فوضويون وهابيون، أبرز تجلياتهم القاعدة وداعش، التنظيمان اللذان عقدا العزم على الزج بالعالم الإسلامي في حرب عبثية لا تنتهي مع كفار الداخل والخارج.
وتضيف الغنوشي: "هذه هي الخارطة الفكرية للعالم الإسلامي اليوم. وعلى الإدارة الأمريكية أن تقرر ما هو الإسلام الذي تريد: إسلام سلمي ديمقراطي، لا غنى عنه لتحقيق استقرار حقيقي بعيد المدى، أو إسلام فوضوي مدمر هو إسلام القاعدة وداعش بجذوره الوهابية السعودية".
واختتمت الغنوشي مقالها بالتأكيد إن انحسار الموجة الأولى من الربيع العربي بفضل "أصدقاء روس الخليجيين" لا يعني أن أحلام وتطلعات الشعوب التي قامت بالثورات قد انتهت، مضيفة أن "أصدقاء روس الذين رقصوا وصفقوا ابتهاجا بانزلاق مصر نحو هوة دموية من الانقلابات العسكرية، قد يفلحون في تأجيل التغيير، ولكن فقط إلى حين.. عاجلا أم آجلا، سيدركون هم وكفلاؤهم في واشنطن وأوروبا بأن مطالب الجماهير العربية بتقرير المصير من خلال الدساتير الديمقراطية والبرلمانات المنتخبة بحرية والحكومات الممثلة للشعوب والمسؤولة أمامها لن يكون من اليسير وأدها، وذلك لسبب بسيط جدا، وهو أنها مطالب حقيقية ومشروعة بالكامل".