على رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي القيام بأمور عدة لإقناع المكوِّن السنّي من شعبه أنه ليس نوري المالكي المؤذي جداً. إلا أن أبرزها اثنين ملحّين في المرحلة الراهنة. الأول استكماله تأليف حكومته بتعيين وزير لكل من حقيبتي الداخلية والدفاع اللتين يشغلهما بالوكالة.
فهاتان الوزارتان أقصتا الزعماء السنّة في صورة منظَّمة وتعمَّدتا اضطهادهم. كان عبادي على أهبة تعيين سنّي على رأس إحدى الوزارتين، لكنه لم يفعل. وتردِّد مصادر أميركية مطّلعة أنه مُنِع من تسمية سنّة لهما بسبب ضغوط طهران عليه. أما الأمر الثاني فهو "الحرس الوطني" الذي بدأ الحديث عنه بعد انهيار الجيش العراقي، ونجاح "
داعش" في السيطرة على نحو ثلث العراق وفي تهديد كردستان العراق جدياً. والمشكلة هنا هي أي نوع من "الحرس الوطني" تريد بغداد؟ وقد بدأ الترويج لهذا المكوِّن العسكري الجديد في العراق لأنه يسمح لسنّته بتنظيم أنفسهم وبالحصول على دعم منتظم من بغداد بغية حماية المناطق التي يشكِّلون فيها غالبية كبيرة. وحتى الآن يبدو، استناداً إلى مصدر مطّلع جداً، أن إنجاز تشكيل "الحرس" ينتظر جواباً عن سؤال هو الآتي: هل سيٌسمح لـ"الحرس الوطني" بالعمل بوصفه أكثر من شرطة محلية أو إقليمية؟
في أي حال، يقول المتابعون الأميركيون أنفسهم لإدارتهم وطريقة تعاطيها مع ملف الإرهاب، أن الأمرين العراقيين المفصّلين أعلاه يصبحان باهتين جداً على رغم خطورتهما وأهميتهما إذا ما قورنا بالتحديات في سوريا. إذ ليست فيها قوة ذات صدقية لمواجهة "داعش" وسائر المجموعات السنّية الجهادية، طبعاً باستثناء الأسد وقواته. وفي الحقيقة حصلت نقاشات طويلة ومستفيضة داخل إدارة الرئيس أوباما، توصل المشاركون في نتيجتها إلى خلاصة تفيد أنه في وضع سوري بائس كالمذكور، لماذا على الولايات المتحدة أن تتدخّل في الحرب الأهلية السورية؟ وعلى رغم ذلك ومع الانتصارات الأولية الساحقة لـ"داعش" بدا واضحاً للإدارة المشار إليها أن الوضع يستحق المخاطرة، وتالياً مساعدة نظام الأسد في صورة غير مباشرة وذلك باستهداف قواعد أعدائه المرعبين ومواردهم الأساسية. وقد أجرت دول الخليج العربية ومعها الأردن حسابات مماثلة. ولهذا السبب فإنهم كلهم يشتركون في الهجمات الجوية على "داعش". والمفاجئ هنا وخصوصاً من الأعضاء العرب في "التحالف الدولي لمكافحة
الإرهاب" هو إعلانهم ذلك رسمياً من دون أي تردد. وقد دفع ذلك محلِّلين مهمين إلى التساؤل الآتي: "ألم تُصدموا كلكم بإعلان الأردنيين أنهم أصحاب دور في الحرب الجوية بعدما كانوا يتعمّدون إخفاء اشتراكهم في تدريب الثائرين على بشار الأسد ونظامه"؟
هذا الجهر بالخروج إلى العلن بعد سرية تامة (وإن مكشوفة عملياً) هو واحدة من الفوائد التي ولّدها الاجتياح "الداعشي" لمناطق عراقية واسعة، يقول المتابعون أنفسهم. والحصيلة الأهم هي عودة القوة العسكرية الأميركية إلى البروز في المنطقة ومعها ربما شيء من الاحترام لإدارة أوباما في أوساط أصدقاء أميركا. وقد سرّ ذلك وزارة الخارجية التي ناقش عبثاً عدد من المسؤولين فيها كثيراً من أجل ردّ فعل قوي وحازم على الحرب الأهلية الرهيبة في سوريا، وذلك بسبب تهميش البيت الأبيض لهم. وعلى رغم رفض هؤلاء إظهار الترحيب بالعمل الأميركي (مكافحة الإرهاب) فإنهم يبدون منشّطين جداً بعد تبنِّي البيت الأبيض مواقفهم وخبرتهم.
لكن تردد الأوروبيين حتى الآن على الأقل في الانخراط ضد "داعش" في سوريا يجعل المشكلات القائمة تُرهِب حتى أكثر مسؤولي الخارجية في واشنطن تفاؤلاً. وحتى بالنسبة إلى الدول العربية المشاركة في "التحالف" يبدو أن هناك مجموعة من الأهداف المتنوعة. فقطر التي وقعت تحت ضغط كبير للانضمام إلى "التحالف" لا تزال تعتبر أن هناك مستقبلاً زاهياً لـ"الإخوان المسلمين" الذين يكرههم السعوديون والإماراتيون. وتركيا الداعم الآخر لـ"الإخوان" رفضت الانضمام إليه قبل تحرير مواطنيها الـ41 من قبضة "داعش". وبعد انضمامها فإن أحداً لا يعرف مدى التعاون المتوقَّع منها.
طبعاً تتوقع أميركا أن يمنع الأتراك المقاتلين والجهاديين من دخول سوريا عبر حدودها الطويلة معها. وتتمنى أن تستطيع استعمال قاعدتها العسكرية في أنجرليك، علماً أن استعمالها أو عدمه لن يقصِّر مدة عمل "التحالف" ولن يسهِّلها.
(النهار اللبنانية)