نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا لمراسلها ومدير مكتبها في القاهرة ديفيد كيركباترك، يقول فيه إن
الإعلام الإخباري
المصري أشاد كثيرا بزيارة
السيسي الأولى للأمم المتحدة، ووصف أداءه هناك بنقطة التحول.
وترى الصحيفة أن السيسي لم يعد ملوثا بصفة الجنرال السابق، الذي أطاح بأول رئيس منتخب ديمقراطيا في مصر. فقد تم الاعتراف بالسيسي أخيرا كرجل دولة وزعيم إقليمي، بحسب المعلقين المصريين، لدرجة أن المذيع عمرو أديب قال إن السيسي غيّر الأسلوب الذي يلقي فيه رؤساء الدول خطاباتهم في الأمم المتحدة، مشيرا إلى إنهاء السيسي خطابه بترديد شعاراته القومية "تحيا مصر"، عندما صفق له الزعماء الحاضرون في القاعة.
ولم يتوقف أديب عند هذا الحد بل وصف الحدث "بالعبقري"، حيث قامت الجمعية العامة بمباركة زواج، حيث "عبدالفتاح السيسي هو العريس ومصر هي العروس"، بحسب الصحيفة.
وتضيف الصحيفة أن الأهم من مكانة السيسي في الخارج، فإن المناسبة أظهرت قوة الهالة التي يقوم السيسي وأتباعه بإحاطته بها، فمثلا لم ير أحد في مصر كيف كان السفراء في الأمم المتحدة يرقبون بصمت واستغراب تصفيق مرافقي السيسي له عندما هتف "تحيا مصر"، ولكن تصفيق الإعلام المصري مستمر ومجمع على جعل السلطة حكرا للسيسي وتهويل دوره وهذا، بحسب المحللين، لم يفعل في مصر منذ حكم محمد علي باشا في القرن التاسع عشر.
ويوضح كيركباترك أن السيسي في أيامه المئة الأولى في الرئاسة بشكل رسمي قام بما لم يتجرأ القيام به من قبله، بمن فيهم حسني مبارك؛ فقد أيدّ على نحو فعال إسرائيل ضد حماس، وسد أذنيه للدعوات الغربية لإطلاق سراح صحافيين دوليين سجنوا بتهم مسيسة، كما أنه رفع الدعم عن الوقود، وهو ما كان يعتبر غير ممكن، والأغرب من هذا أنه فعل ذلك كله دون مواجهة معارضة عامة أو مظاهرات تذكر.
وبحسب أستاذ التاريخ في الجامعة الأميركية البروفيسور خالد فهمي: "لم يشهد تاريخ مصر الحديث أحدا بهذا التمكن من السلطة، فما نشهده اليوم يحطم كل السوابق ولا أظن أننا رأينا نهاية هذا بعد".
ويعتقد كيركباترك أن السيسي استغل الفوضى في البلدان المجاورة، لتبرير ما قام به على مستوى مصر وعلى مستوى العالم، حيث قال في مقابلة مع مجلة "تايم" إنه لولا تحركه العام الماضي لدخلت مصر في "دوامة لا تنتهي من التطرف .. ولشعرت أميركا بالحاجة لتدمير مصر".
وأصبح الناس هنا يرددون عبارة "على الأقل لسنا العراق ولا سوريا"، عبارة يكررها المذيعون على العالم، ويستخدمها المصري العادي في الشارع بشيء من المزاح، لمواجهة الظروف الصعبة التي يعيشها، وفق الصحيفة.
ويشير كيركباترك إلى أن السيسي نجح في طرح نفسه كسد منيع ضد الفوضى، لدرجة فاق فيها جمال عبدالناصر، من حيث تمكنه من كسب ولاء مختلف مؤسسات الحكومة، بحسب البروفيسور فهمي، بما في ذلك الجيش وقوات الأمن والمخابرات والقضاء وبقية المؤسسات البيروقراطية.
ويقول المؤرخون بالرغم من أن انقلاب عبدالناصر العسكري عام 1952 كان المثال الذي يحتذى عربيا للأوتوقراطية، ولكنه لم يكن مسيطرا تماما على الجيش، بينما ترى كل المؤسسات القديمة والنخبة في السيسي منقذا، فقد أحبط تحدي النظام القائم الذي تسببت به المظاهرات التي أطاحت بمبارك عام 2011، وكسب الإخوان بعدها الانتخابات، وقام السيسي بإغلاق وسائل الإعلام الإسلامية في وقت الاستيلاء على السلطة، أما ما تبقى من الإعلام الخاص، والذي يملكه في الغالب أقلية من التجار الأثرياء فيتغنى بمدحه أيضا، وفق "نيويورك تايمز".
وتذكر الصحيفة أن السيسي قام بتحطيم المعارضة الإسلامية الرئيسية، عن طريق القتل الجماعي بالرصاص والاعتقالات، متجاوزا ما فعله عبد الناصر الذي جاء قمعه للحركة عندما كانت صغيرة وغير ناضجة، ولم تكن الحزب المنتخب بالأغلبية.
ويعتقد كيركباترك أن نجاح السيسي في رفع الدعم عن المحروقات دون ردة فعل شعبية قوية يعتبر دليلا على نفوذه، وبالإضافة إلى ذلك فهو على غير عجلة في إجراء انتخابات تشريعية، مع أن خارطة الطريق التي طرحها في 3 تموز/ يوليو 2013 دعت لإجراء انتخابات تشريعية قبل اختيار الرئيس، ولكن السيسي حرّفها وأجرى الانتخابات الرئاسية في حزيران/ يونيو، والتي فاز فيها بنسبة 98%، ومنذ ذلك الحين يقوم بالدورين التنفيذي والتشريعي في آن. وهذا أزعج الأحزاب غير الإسلامية الصغيرة التي دعمت استيلاء السيسي على الحكم.
وتنقل الصحيفة عن خالد داوود المتحدث باسم الحزب الدستوري قوله "هذه الحكومة لا تستمع للأحزاب السياسية .. ونستطيع أن نرى بوضوح أن هناك تراجعا في مصر للحريات السياسية وتضييقا لمساحة الحوار السياسي"، ويضيف أنه كداعم لاستيلاء السيسي على الحكم "يشعر بالألم"؛ لأنه يرى توجها معاكسا تماما لما كانوا يأملون "فلم نكن نريد جنرالا عسكريا".
ويلفت الكاتب إلى أن حملة التملق للسيسي بدأت بالانحسار، فلم تعد ترى كعك السيسي معروضا في نوافذ المتاجر، وحتى الصحف لم تعد تنشر المديح لأناقته وقوته، كما كانت تفعل قبل عام. ويشير استطلاع قام به مركز بيو للأبحاث أن 54% ينظرون بإيجابية للسيسي، بينما ينظر 45% منهم له بسلبية، وهي نتيجة مشابهة لما حصلت عليه نفس المؤسسة للرئيس محمد
مرسي قبل عام من ذلك تقريبا.
وتخلص الصحيفة إلى أن السيسي عانى، وهو يحاول إحكام قبضته، من الانتقادات الغربية ووقف المساعدات العسكرية، ولكن المسؤولين الأميركان قالوا إن المساعدات العسكرية في طريقها للعودة، كما أن السيسي حصل على لقاء مع
أوباما، وهو ما لم يحققه مرسي. ويصف جمال عبد الجواد من مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية هذا اللقاء بـ "الرمزي والمهم"، ويقول إنه لم يعد ينظر للسيسي "كقائد عسكري قام بانقلاب وأصبح رئيسا"، حيث أنه (السيسي) أثبت أنه "رجل دولة مسؤول لديه فهم ونظرة لما تحتاجه بلده ومنطقته، أو كما ظهر عنوان صحيفة الأهرام غداة اجتماع الجمعية العمومية: "تحيا مصر تهز الجمعية العمومية".