لم يكن محمود يعلم أنها أيامه الأخيرة في بلده
سوريا عندما خرج من المنزل باكرا كأي يوم من أيامه العادية حين التقى بصديق والده القديم، والموظف في شعبة التجنيد الخاصة بمنطقة محمود، فبعد أن ألقى التحية على صديق والده الذي لم يزرهم منذ زمن، سأله الأخير عن عمره وعن تفاصيل الخدمة الإلزامية التي أنهاها بداية الثورة، وكانت الصدمة التي غيرت مجرى حياة محمود؛ عندما أخبره أن النظام يجهز لحملة يجمع فيها الشباب في سن الاحتياط ليسوقهم إلى الخدمة من جديد، وأن القرار صدر والتنفيذ سيكون خلال أيام قليلة وبدون سابق إنذار.
احتار محمود بأمره وبدأ يفكر بالطريق الجديد الذي سيختاره خلال ساعات هروبا من الالتحاق بصفوف النظام، فالخبر على حد قوله لـ "عربي21"، "كان بمثابة صاعقة فقد كان في طريقه إلى عمله ولم يكن حينها يفكر بشي آخر، وهو الآن أمام قرار مفصلي في حياته، حيث أنه لم يجد إلا السفر حلا لهذه المشكلة، ولكن إلى أين؟".
يقول محمود "لم أجد غير
تركيا تستقبل السوريين دون فيزا، وهي الخيار الوحيد بعد ما تابعناه عن معاناة السوريين في لبنان، علما بأن طريقي إلى تركيا مرورا بلبنان ليس مضمونا؛ فالحدود اللبنانية تعامل السوريين معاملة مهينة جدا، والقليل من السوريين يستطيع عبور الحدود اللبنانية".
يتابع "فعلا خلال يومين كنت في تركيا تاركا خلفي كل شيء خلفي أهلي وعملي، وذلك بعد أن كنت بدأت بمشروعي الخاص منذ تسريحي من الخدمة الإلزامية، واليوم أتركه بعد أن بدأ بالازدهار هروبا من خدمة الاحتياط".
محمود نموذج للكثير من الحالات التي اختارت الهجرة خارج البلاد في الأيام الأخيرة والكثير من هذه الحالات سيكون مشروعها المستقبلي الهجرة إلى أوروبا رغم خطورة الرحلة وتكاليفها الباهظة.
قوات النظام نفذت المخطط بالفعل وبدأت باعتقال الكثير من الشباب المطلوبين لخدمة الاحتياط في صفوف النظام، وطالت حملات مداهمات أقامتها لهذا الهدف بعدة مناطق في دمشق؛ كالمرجة والميدان والزاهرة والتضامن وباب سريجة والقنوات والبرامكة والمرجة، إضافة لانتشار ظاهرة الحواجز المؤقتة التي تعتقل الكثير من الشباب بتهم متعددة أهمها الطلب لخدمة الاحتياط في صفوف الجيش كما تحدث ناشطون.
ولم تسلم بلدات الريف الغربي في دمشق التي يستطيع النظام دخولها من الحملة الأخيرة أيضا، حيث اعتقل الكثير من الشباب من الكسوة وقطنا وجديدة عرطوز، ناهيك عن أعداد المطلوبين التي لم يتمكن النظام من اعتقالهم بعد.
وفي سياق متصل، انتشرت ظاهرة استغلال ضباط النظام وعناصره للأهالي اللذين يحاولون إبعاد شبح الاحتياط عن أبنائهم ممن هم في سن الاحتياط، وخاصة بعد التسريبات بأن النظام قد عمم أسماء 35 ألف شاب مطلوبين للاحتياط.