كتاب عربي 21

أبي جاوز الظالمون المدى.. ما قاله محمد سلطان لوالده

1300x600
ذلك الحنين إلى احتضان ولدك وتقبيله، ذلك الظلم عندما يتطلب سلامك عليه إذنا من نيابة أو محكمة، ذلك الوجع في رؤية فلذة كبدك وقد ذبلت ملامحه ويتحرك على سرير طبي بينما هو في ريعان الشباب، ذلك الظلم الذي يفوق مرتكبه إثما الساكت عليه، ويفوق الساكت عليه حقارة السعيد به والمبرر له.

تلك الصورة التي يهتز لها ضمير الإنسانية والتي تجمع بين القيادي الإخواني صلاح سلطان ونجله محمد المضرب عن الطعام منذ 26 يناير الماضي في جلسة محاكمتهما على ذمة قضية "غرفة عمليات رابعة"، تلك القضية التي ستذكرها كتب التاريخ الحقيقية في صفحة القهر، فصل الفُجر في الخصومة، باب تجاوُز الظالمين المدى، تلك الأيام التي لا تريد أن تمر دون أن تعلق في رقابنا عارها.

بينما كانت الصحف تنشر صور دخول محمد سلطان إلى قاعة المحكمة مقيدا بالكلابشات على نقالة سيارة الإسعاف بعد رفض المحكمة أكثر من مرة إخلاء سبيله على ذمة القضية، كانت صحف أخرى تتحدث عن تكلفة نقل وتأمين مبارك خلال جلسات محاكمته في أكاديمية الشرطة والتي وصلت إلى نصف مليار جنيه ما بين تأجير الطائرة التي تنقله وأجر الفريق الطبي الذي يرافقه ونفقات أكثر من 500 ضابط وفرد شرطة نظير القيام بمهام التأمين.

مبارك المدان بالسجن 4 سنوات في قضية القصور الرئاسية يجري حوارا كاملا مع صحيفة رغم أن ذلك يتطلب إذنا من النيابة باعتباره سجينا، ومحمد الذي ما زالت قضيته قيد النظر لا يهتم الإعلام ولا القضاء ولا الشرطة والنيابة بالتقارير الطبية التي تؤكد أن حالته الصحية في تدهور مستمر وأن الموت أصبح أقرب إليه من أي وقت مضى بسبب إضرابه عن الطعام المرشح ليكون أطول إضراب لسجين في التاريخ.

سيتحدث الجميع الآن عن أن محمد متهم كغيره من المتهمين لا يجب أن يحصل على أي ميزة إضافية، بينما غالبية هؤلاء لا يعرفون شيئا عن قضية "غرفة عمليات رابعة" وأنه متهم فقط بإعداد غرفة عمليات لتوجيه تحركات الإخوان، محمد ليس متهما بالقتل ولا الشروع فيه ولا التفجير ولا التحريض عليه، لكن مادام والده قياديا إخوانيا فدمه وماله وعرضه حلال.

لست في حاجة للتأكيد على اختلافي مع الإخوان كتنظيم وصلاح سلطان كشخص لأن مساندة الحق ومواجهة الباطل لا تحتاج مقدمات، وما نفعله الآن بإغماض أعيننا عن التنكيل بأي إخواني بصرف النظر عن طبيعة تهمته جريمة سيعاقبنا عليها الله والتاريخ وربما القانون إذا دار الزمان دورته مجددا وحقت كلمة الله على الظالمين.

***

شيء ما يجعلك تقف باحترام أمام محمد سلطان، ذلك الشاب الذي نشأ ودرس وعاش في الولايات المتحدة قبل أن يعود إلى مصر نهائيًا في فبراير 2013 لمراعاة والدته المصابة بالسرطان، وقبلها كان يتردد على مصر من وقت لآخر إما للاشتراك في الأنشطة الداعمة للشعب الفلسطيني أو للمشاركة في فعاليات الثورة، حتى أنه هو الذي صمم القميص الموحد لائتلاف شباب الثورة.

كان بوسع محمد أن يتأقلم على حياة السجن مثل آلاف غيره من قيادات وشباب الإخوان، يعتبر السجن محنة مؤقتة، يأكل ويشرب وينتظر زيارة أسرته، يستغل وقته في قراءة الكتب وكتابة المذكرات، يضحك مع القاضي أو يشتبك معه في جلسات المحاكمة، لكن احترامه للحرية جعله يدرك أنها إذا غابت فقدت كل الأشياء طعمها ومعناها.

هكذا قالتها الثورة في وجه مبارك حين خيّر الناس بين الخبز والحرية، وهكذا قالها محمد في وجه سجانيه حين خيرّوه بين قبول الظلم والموت جوعا، تمر الثورة بوعكة كالتي يمر بها محمد، لكن لا الثورة ستموت ولا محمد سيموت، ستذكر الثورة غدا تلك الفترة بكل اعتزاز لأنها كشفت من ثاروا للحرية حقا ومن ثاروا فقط لتحسين شروط العبودية، وسيحكي محمد عن هذه الفترة بفخر لأبنائه لأنها كشفت معدنه واختبرت مبادئه.

أنت من تحتاج للتضامن مع محمد سلطان وأحمد ماهر ومحمد عادل وأحمد دومة وعلاء عبد الفتاح وغيرهم من معتقلي نظام 3 يوليو وليس هم من يحتاجون تضامنك، غالبا لن يغير تضامنك كثيرا في ظل نظام يعتقد بأن معه توكيل شعبي بالقتل والسجن والتنكيل، لكن هذا التضامن هو فرصتك الأخيرة للتأكيد على أنك لم تمت مع من قتلت الرغبة في الانتقام فيهم كل شيء حي.