أكد محند العنصر الأمين العام لحزب الحركة الشعبية -ليبرالي محافظ ضمن الأغلبية الحكومية- في حوار خاص مع صحيفة "عربي21"، أن تفعيل الترسيم الدستوري للغة الأمازيغية سيجعلها تواجه تحدي انتشار اللغة الفرنسية في
المغرب كما هو الشأن بالنسبة للغة العربية مشددا على تقوية اللغتين في الحياة العامة كضمان لاستمرارهما، واعتبر العنصر الأمازيغية ليست قضية حزب معين، أو قضية خاصة بحكومة أو أغلبية، وإنما هي من القضايا الكبرى التي ينبغي بحث سبل تفعيل رسميتها من خلال لجنة ملكية توفر لها القوة والإجماع اللازم.
وعبر العنصر عن رفض حزبه المؤسس سنة 1959 والمتخذ من السنبلة شعارا له، أن تبقى الأمازيغية حكرا على الأمازيغيين المتطرفين، معربا عن اختلافه مع أصحاب الطروحات غير الواقعية في الموضوع، شارحا تصورهم العام لتفعيل رسمية الأمازيغية التي تحظى باهتمام خاص لدى "الحركة الشعبية".
الوزير في حكومة عبد الإله ابن كيران، وفي أكثر من حكومة سابقة، يقيم مقارنة بين هذه الحكومة التي قال إن لها نكهة خاصة، وبين الحكومات السابقة التي شارك فيها حزب "الحركة الشعبية" والتي قال إنهم لم يكونوا مؤثرين في قراراتها، كما يشرح كيف استطاعت أربعة أحزاب بمرجعيات مختلفة (إسلامية، وليبرالية، واشتراكية) أن تستمر في ائتلاف حكومي واحد. معتبرا أن "التقسيم الكلاسيكي الذي كان في الماضي بين اليسار واليمين لم يعد له وجود، فالجميع اليوم يعتبر نفسه حزبا وسطيا".
مشروع مالية الدولة المغربية للسنة المقبلة والتي جرى عرضها مساء الاثنين بالبرلمان اعتبرها العنصر وزير الداخلية السابق، "جريئة وغير تقشفية"، مجريا مقارنة بين مالية 2015 والقوانين المالية للسنوات السابقة، العنصر الذي يشرف حزبه على ست وزارات في الحكومة الحالية، يناقش أيضاً الدخول السياسي الجديد والوضعية الحالية لأحزاب
المعارضة كما يتحدث الفاعل السياسي الذي تولى العديد من المسؤوليات الوطنية والجهوية، عن برامج جديدة للوزارة المحدثة قبل سنة والتي يسهر على تدبير شؤونها.
وفيما يلي نص الحوار:
نبدأ من قانون المالية لسنة 2015 الذي تم اليوم الاثنين عرضه في البرلمان، انطلاقا من تجربتكم، ما الذي يميز القانون المالي الجديد عن سابقيه؟
إذا ما بحثنا عن مميزات القانون المالي لسنة 2015 فيمكننا القول بداية أن فيه جرأة، وفيه بحث عن وسائل في ظرفية صعبة، وحتى نكون واقعيين، فإن المغرب اجتاز بأقل الخسائر الأزمة الاقتصادية العالمية، التي لا تزال تلقي بظلالها على أوروبا، التي تعتبر شريكا اقتصاديا أساسيا للمغرب، وكان من الممكن أن يكون التأثير أقوى، لكن رغم ذلك تمكنا من الحفاظ على حجم الاستثمارات، بل هناك زيادة في حجم الاستثمار العمومي حتى بالمقارنة مع السنة الماضية، وهناك مجهود في ما يتعلق بخلق مناصب الشغل، وهناك إجراءات تحفيزية للمقاولات، وخصوصا في الشق المتعلق بتوظيف الشباب من طرف المقاولات، حيث هناك إعفاءات من تحمل بعض التكاليف الاجتماعية للمقاولات الصغرى. وبإمكاننا القول إنه في الوقت الذي كان الجميع ينتظر أن تكون هناك ميزانية تقشف، أو ميزانية صعبة، فإن القانون المالي سيحافظ على المكاسب الاقتصادية والاجتماعية في ظرف صعب جدا.
هل ترون أن هذه الميزانية غير تقشفية كما وصفها البعض؟
لا، هي ليست ميزانية تقشفية، ولو قارناها حتى مع ميزانية السنة الماضية أو التي قبلها سنجد أن هناك حفاظا على التوازنات الكبرى، وكذا المكتسبات الكبرى، ومنها حجم الاستثمارات الاجتماعية التي ارتفعت عن السابق، ولم يكن هناك نقص في ميزانية الإدارة العمومية، ومع هذا نتوخى أن تكون نسب التضخم والعجز في الميزانية في حدود المتحكم فيه.
شاركتم في أكثر من حكومة وتحملتم مسؤولية أكثر من حقيبة، مؤخرا عبرتم عن ارتياحكم لتواجدكم ضمن الأغلبية الحكومية الحالية، فما الذي يميز العمل رفقة رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران عن الحكومات السابقة؟
نعتقد أن لكل حكومة نمطها الخاص وطريقة اشتغالها، وما يميز هذه الحكومة هو أنها تجربة جديدة بالفعل، ويمكن القول بأن الجميع كان في الماضي متخوفا منها، وهذا الذي جعل العمل فيها ذا نكهة خاصة، فهناك نوع من التحدي لمعرفة إلى أي مدى يمكن أن تذهب هذه التجربة، فعدد من المراقبين كانوا يراهنون إما على فشل هذه الحكومة أو عدم قدرتها على الاستمرار، والآن الحكومة تكاد تكمل سنتها الثالثة من التدبير، وليس هناك شيء مغاير كثيرا إلا في ما يتعلق بإزالة نوع من الهاجس الذي كان لدى عدد من المراقبين الذين كانوا يتساءلون: كيف ستكون حكومة بمرجعية إسلامية، ويقودها العدالة والتنمية. وبالطبع هنالك إنجازات لهذه الحكومة، كأي حكومة تسير الشأن العام، فهناك أمور مهمة أنجزتها الحكومة، وهناك أمور أخرى يمكن القول أن فيها نوعا من التأخر، ناتج عن الظرفية التي نعيش فيها.
ما هي الأمور التي ترون أن الحكومة اليوم متأخرة في إنجازها؟
هناك عدد من الأمور التي لا تزال تسير ببطء، خصوصا في ما يتعلق بتنزيل الدستور، لأن هناك أمورا ملفات كبرى، مثل القانون التنظيمي للأمازيغية، الذي يعرف تأخيرا، ولكن الجميع يعترف أن هذه القضية ليست قضية حزب معين، وليست قضية خاصة بحكومة أو أغلبية، وإنما يجب أن يكون هناك إجماع حولها، وربما هذا ما جعل الموضوع يأخذ بعض الوقت. وهناك بعض الإصلاحات التي رغم وجود إجماع حولها داخل الأغلبية، ولكن يجب كذلك مراعاة الأطراف الأخرى، بما فيها المعارضة والنقابات والمجتمع المدني، لأنها أمور لا تخضع للأغلبية العددية فقط، فمن السهل مثلا التصويت عليها وتمريرها بالأغلبية العددية كإصلاح صندوق المقاصة مثلا، وصناديق التقاعد لكن الأمر لا يصح.
كيف تنظر إلى توليفة حكومة تضم أربعة أحزاب بمرجعيات مختلفة، محافظة وليبرالية واشتراكية وإسلامية؟
يظهر لي أن ما يجمع بين المكونات الحكومية هو ذلك التوجه الليبرالي، ولا أقول الإيديولوجية الليبرالية، ولكن النمط والطريقة السائدة في تدبير اقتصاد المغرب وشؤونه العامة متفق عليها لدى جميع المكونات، ولا ننسى أن التقسيم الكلاسيكي الذي كان في الماضي بين اليسار واليمين لم يعد له وجود، فالجميع اليوم يعتبر نفسه حزبا وسطيا، وبالفعل هذه الوسطية الموجودة عند الأحزاب الأربعة المشاركة في الحكومة باختلاف مرجعياتها، هي ما جعلت الأمور تسير دون مشاكل، فالتدبير الحكومي هو تدبير للشأن العام، وللجانب الاقتصادي أساسا.
عبرتم خلال مداخلتكم في لقاء الأغلبية الأخيرة عن أن حزبكم، الحركة الشعبية، لم يكن مؤثرا في قرارات الحكومة السابقة، هل الأمر مرتبط بأسباب ذاتية أم مرتبطة بأسباب موضوعية؟
الأمر واضح، وهو أنه في جميع الحكومات هناك حقائب لها تأثير أكثر من الحقائب الأخرى، بحكم أن هناك قطاعات وزارية مؤثرة أكثر من قطاعات أخرى، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، حتى عدديا، لا يمكن القول بأن حزب يملك حقيبتين وزاريتين أو ثلاثا يمكن أن يفرض وجهة نظره في التوجهات الحكومية، وهذا ما أشرت إليه في مداخلتي التي ذكرتم، فمثلا في حكومة عباس الفاسي كنت وزير دولة، وكان لدينا كاتب دولة من الحركة الشعبية في الحكومة، ولا يمكن القول بأنه كان لنا تأثير في الحكومة، والوضع في حكومة إدريس جطو كان مختلفا أيضا، لأنه كانت لدينا وزارة الفلاحة المرتبطة أساسا بالعالم القروي، أما اليوم فنتحدث عن حكومة نتحمل فيه مسؤولية ست حقائب وزارية.
ذكرتم موضوع الأمازيغية، في المجمل، ما هو تصور الحركة الشعبية لتفعيل القانون التنظيمي للأمازيغية؟
تصورنا لقضية الأمازيغية عبرنا عنه في المؤتمر الأخير للحزب، وفي عدة مناسبات أخرى، حيث نعتبرها قضية من القضايا الكبرى للبلاد، مثل القضاء والتعليم، ونعتقد أنها حتى لا ينفرد بها طرف دون طرف، ينبغي أن يتم الاشتغال عليها في إطار لجنة مكونة بمبادرة ملكية، ليكون لديها قوة، كما كان الشأن بالنسبة للجهوية ومدونة الأحوال الشخصية وغيرها، وتقوم باستشارة واسعة، ومثل هذه القضايا لا يمكن أن يكون عليها إجماع تام، ولكن لا بد من أن يكون حولها حد أدنى من التوافق، وأول ما يجب الاتفاق حوله هو المجالات ذات الأولوية التي يجب أن تفعل فيها اللغة الأمازيغية، لأن الدستور يتحدث عن هذا، ويذكر أن القانون التنظيمي يحدد المجالات ذات الأولوية، وبالفعل حين نتحدث عن لغة رسمية بصفة مطلقة فإن من المفترض أن تشمل جميع الميادين، ولكن واقعيا يجب الاعتراف بأنه لا يمكننا بين عشية وضحاها فعل ذلك، ولا بد من التدرج، ولا بد قبل ذلك من الاتفاق حول هذا التدرج، ونتفق في التعليم إلى أين سنسير، وفي الإعلام إلى أين، وفي الإدارة وغيرها. وفي الوثائق الرسمية يجب أن يكون هناك نوع من الإشارة إلى أن الأمازيغية أيضا موجودة، لا أقول أننا سنبدأ في كتابة المراسلات من الآن بالأمازيغية، لأننا ما زلنا بحاجة إلى وقت وتعلم، ولكن لا بد من إنجاز بعض الأمور التي تزيح ذاك الإحساس بالتهميش أو بالإقصاء، لأن هذا هو أخطر ما في الأمر.
ألا تخشون من أن يكون مصير اللغة الأمازيغية هو مصير اللغة العربية اليوم في علاقتها بالفرنسية، أليس هناك تحد حقيقي أمام اللغتين الرسميتين؟
صحيح، هناك تحد، ولكن أعتقد أن مواجهة هذا التحدي لا تتم بإغلاق الباب أمام الفرنسية بمنع تدريسها مثلا، ولكن بتقوية لغتينا الرسميتين، أولا بالحفاظ على مكانتها في التعليم وفي الاستعمال العمومي، ولكن لا يجب أن تكون لدينا عقدة من التواصل بلغة أخرى، فليس من يتواصل بلغة أخرى يهمش اللغة الوطنية، فالفرنسيون الحريصون على الفرنكفونية يستعملون اليوم اللغة الإنجليزية. التحدي سيبقى دائما، وإن لم تكن الفرنسية ستكون الإنجليزية أو الصينية أو غيرهما، يجب امتلاك آليات لتطوير اللغتين الرسميتين معا، لتكون في مستوى مواكبة التحديات.
بعض النشطاء الأمازيغيين يعتقدون أن طروحات حزب الحركة الشعبية في المسألة الأمازيغية هي طروحات محافظة، ما ردكم على ذلك؟
لا بد من التذكير بشيء أساس، ربما يتم نسيانه، وهو إيجابي بالنسبة للحركة الشعبية، وهو أن الحركة التي كانت منذ سنة 1958 في أول قانون أساسي لها تضع قضية الدفاع عن الأمازيغية من أولوياتها، رفضت أن تسيس هذه المسألة، وتركتها دائما في الجانب الثقافي، حتى لا يقال بأن الحركة تتخذ هذه القضية الوطنية، التي نعتبرها قضية الهوية المغربية، قضية سياسية، ولم نبدأ بإدراجها ضمن برامج الحركة إلا حينما وجدنا أن البعد الثقافي سيبقى محدودا، ولا زلنا إلى يومنا هذا ندفع في اتجاه ألا يكون هناك تطرف من بعض الجمعيات الأمازيغية، لأن التطرف موجود في جميع القضايا، ونحن نقول أن هذه قضية مشروعة ويؤمن بها اليوم نسبة عالية من الفعاليات المجتمعية، فلا يجب أن تبقى حكرا على المتطرفين وهذا ما نحاول أن نقوم بها، وربما هذا هو سبب اعتبار البعض أننا محافظين، أو غير هجوميين في الدفاع عن الأمازيغية. عندما نقول بأن تحديد مجالات الاستعمال هو أهم شيء، وأن التنزيل يجب أن يتم بالتدرج، هناك من يطالب بأن يتم استعمال اللغة الأمازيغية في جميع الميادين الآن وحينا، وطبعا نحن نختلف مع هذا، لأنه غير واقعي، والأهم بالنسبة إلينا أن نعرف ما سيتم إنجازه في الموضوع وفق أجندة زمنية محددة.
هناك أجندة حافلة وضاغطة للدخول السياسي الحالي، كيف تتوقعون هذا الدخول، على ضوء م تعرفه المعارضة من صراعات وانقسامات؟
أولا أتمنى أن تستعيد المعارضة عافيتها، لأن الديمقراطية بدون أغلبية ومعارضة لا يمكن أن تنجح، ولذا نحن في الحركة الشعبية لا نريد للمعارضة أن تضعف، ثانيا، وهذا قلته في اللقاء الأخير للأغلبية، وهو أنني أهنئ المعارضة على اللقاء التنسيقي بين مكوناتها، فحتى بالنسبة للأغلبية ستستفيد من أن يكون المخاطب بالنسبة إليها موحد الخطاب. صحيح أن هذه السنة تعرف ضغطا زمنيا، وعددا كبيرا من القوانين، ولا يجب أن ننسى أننا مقبلون على انتخابات بعد ستة أو سبعة أشهر، وهناك عدد من القوانين التي يجب أن تمر، وهناك أيضا القانون المالي، بمعنى أنه يجب على السياسي أن يتحلى بروح عالية من المسؤولية، وأن يبقى الخطاب الملكي في افتتاح الدورة البرلمانية دائما نصب أعيننا. صحيح أن هناك الآن تحد، لأننا في الأغلبية لا نريد استعمال الأغلبية العددية لتمرير القوانين، ولكن في نفس الوقت لا يجب أن نسقط في فخ جزء من المعارضة الذي يريد أن يعرقل، وأن لا يكون هناك نوع من التوافق على بعض القوانين، فنحن نرى أنه يجب أن تكون هناك استشارة، وأن يتم التعامل مع المعارضة والمجتمع المدني والنقابات، ولكن إذا كان هناك إحساس بأن هناك نية لتأخير القوانين وعرقلتها يجب أن نعود إلى النظام البرلماني المبني على أغلبية ومعارضة.
موقع لوزارة الحديثة التي تحملون مسؤوليتها، (التعمير وإعداد التراب الوطني) من هذا الدخول، ما هي المشاريع الموضوعة على الطاولة حاليا؟
أعتقد أن إنشاء وزارة التعمير وإعداد التراب الوطني خطوة إيجابية جدا، لأنه مع الأسف كان هناك نوع من إهمال إعداد التراب الوطني، في الوقت الذي لا يمكن أن يكون هناك نمو حقيقي لأي دولة واستعمال رصين لموارد الدولة إذا لم يكن هناك مخطط ورؤية لإعداد التراب الوطني، ونحن تأخرنا شيئا ما في هذا الصدد، وإنشاء هذه الوزارة يعيد هذا الطرح إلى الواجهة، وجميع الدول اليوم واعية بأهمية ذلك، وهذا لا يعني أن الوزارة ستحل محل القطاعات الأخرى وتقوم بكل شيء، لكنها تؤطر كيفية استعمال المجالات الحضرية والقروية، وهذا يجعل الوزارية مؤطرة لباقي القطاعات لتشتغل وفق رؤية واضحة، ونحن اليوم نتوفر على مخطط وطني، وعدد من المخططات الجهوية لإعداد التراب، والعمل مستمر عليها، وسيكون هناك اجتماع قريب لهذه المجالس تحت رئاسة السيد رئيس الحكومة.