كتاب عربي 21

غدا يتكلم الصندوق فمن ينصت له؟

1300x600
الانتخابات حقل مفتوح للكتابة ولن تتوقف الأقلام قبلها وبعدها وسيظل الكثيرون يخمنون وينتج الشارع نتيجة ليست في مجال التوقع السليم خاصة في تجارب ديمقراطية جنينية لهذا كتبنا وسنكتب في انتخابات تونس 2014 المصيرية. مصيرية من حيث أنها ستحدد احتمالات استقرار التجربة واتجاهها إلى إعادة بناء الدولة من عدم الديمقراطية. ومن حيث أنها علامة فارقة في تاريخ بلد صغير يحاول منذ حقب كثيرة أن يرتقي بإدارة نفسه إلى مصاف التجارب الناجع ويصطدم بقوة العسف المستقوي على شعبه بالولاء للخارج.

أسبوع فقط يفصلنا عن الفصل الفاصل بين فصلين فإما مسيرة ديمقراطية تنطلق بلا فرامل المستقبل وإما نكسة مجهولة المصدر تؤدي بالتجربة إلى قاع سحيق وبالنسبة لي الاحتمالان قائمان بنفس الدرجة رغم زهو الاجتماعات الانتخابية الصاخبة.

انتخابات رغم أنف العالم

يقال الكثير عن رغبة قوى دولية في إنجاح تجربة واحدة من ضمن بلدان الربيع العربي للقياس عليها لاحقا في ما يمكن أن توجه إليه بقية الأقطار خاصة لجهة التحكم في تيار الإسلام السياسي المنتج للعنف. وهذا الأقوال تجعل كل ما يتم في الداخل نتيجة وازع خارجي لا يتحكم فيها أهل البلد إلا شكلا. وبالتالي فان الانتخابات ستتم وسيتم التحكم أيضا في النتيجة والمآلات بعدها. هذا الخطاب يتجاهل تدخلات سافرة من أتباع الموقف الدولي (بلدان الخليج النفطي) التي بذلت ما بوسعها لإفساد الربيع العربي عامة والربيع التونسي خاصة(وهي بلدان لا تتحكم في قرارها بل توجه لدور وظيفي تخريبي حسب الطلب) لذلك فالتخوف من إفساد العرس الانتخابي يظل قائما بقوة حتى اللحظة الأخيرة في التشريعية كما في الرئاسية. فضلا عن عدم اليأس من قرصنة النتائج باعتماد أطراف داخلية قامت بهذا الدور بلا كلل وهي تتلقى مساعدات مالية وإعلامية ظاهرة وفعالة.

برغم الطموح إذن وبرغم الأمل فان الانتخابات ستجري تحت تهديد عوالم مجهولة حاربت الإصلاح والديمقراطية في الوطن العربي وهذه الانتخابات تجري برغم انفها وستهددها النتائج وهذا مصدر فخر لتونس ولكنه مصدر خوف مشروع لأن التجربة تواجه وسائل خفية وشرسة.

صورة الأحزاب في الحملة الانتخابية 

تتقاسم الصورة اجتماعات النهضة الجماهيرية المستفزة لخصومها والمثيرة لغرور أبنائها. والاجتماعات الباهتة والممحية كلا شيء لخصومها. العدد في الصورة نهضاوي وربما يكون نهضويا في الخلوة أيضا.

بينما تتلاشي بعض الأحزاب في اجتماعات لا تعمر طاولة مقهى والبعض لجأ لتقنية نقل الأنصار بالحافلات حيث لا يمكن أن يوجد أنصار البتة فيكرر الخطاب على نفس المستمعين الذين يتناقصون كلما بعدت المسافة ولذلك يشتغل على الصورة للإيهام بجمهور مختلف.

الصورة مقسومة أيضا بين خط الثورة وفيه أحزاب صغيرة وقائمات مستقلة وخط النظام القديم. الممثل في الأحزاب التجمعية وحزب نداء تونس الذي يخفي تجمعيته. يذهب خطاب أنصار الثورة غالبا إلى طرح بدائل بعضها بعيد عن الواقعية وغير قابل للتنفيذ ولو على مدى بعيد خطاب يدل على فهم ضعيف للواقع اليومي للناس ويغرق في رومانسية الوعود بينما تتركز حملة النظام القديم على تكرار لازمة واحدة هي فشل تجربة الحكم التوافقي (الترويكا) على كل المستويات دون ذكر إيجابية واحدة بما فيها أن الترويكا هي التي خلقت الوضع الانتخابي الراهن المبشر بالدخول السلمي في مرحلة استقرار وبناء.
ماذا سينتج عن هذه الصور المتقابلة ؟ 

نفترض فلاح أجهزة الأمن والدفاع في إبقاء الوضع هادئا وإنجاح التجربة حينها ستكون الإجابة يوم الاثنين القادم أي صبيحة يوم 27 سيكون إعلان النتائج الأولية من داخل المكتب. فقد ولى زمن نقل الصندوق إلى الفرز في وزارة الداخلية وتصنيع نتيجة على القياس. ونعتقد من مؤشرات أولية عبر قراءة الاجتماعات والخطاب الانتخابي أن حزب النهضة فائز بأغلبية مريحة جدا والنقاش هو حول عدد المقاعد.

بعض المتحمسين يذهبون إلى حد نصف المجلس بينما يذهب البعض الواقعي إلى أقل من ذلك. 
أما البقية فستتوزع على كتل متوسطة ومجموعات صغيرة من الكتل المتوسطة (نصف كتلة النهضة) ترجح قراءات كثيرة كتلة نداء تونس وكتلة حزب المؤتمر وكتلة الدساترة وهم التجمعيون المحافظون من منطقة الساحل والداخل ممن رفض العمل تحت مظلة نداء تونس لأسباب تتعلق بوجود مجموعة يسارية متهمة من قبلهم ومن قبل النهضة بالتغريب والاستئصال المنهجي للإسلاميين. وأغلب التحليلات أسقطت من حسابها كتلة تيار المحبة مفاجأة الانتخابات السابقة لان التجمعيين (أنصار الغرياني الأمين العام السابق للتجمع قد تخلى عن الهامشي الحامدي الذي يتقرب للنهضة زلفى).

المجموعات الصغرى المؤلفة من أقل من خمسة نواب ستكون كثيرة منها مجموعة لحركة الشعب الناصرية والجبهة الشعبية اليسارية التي لم تبدع في غير الدعوة لمقاطعة النهضة وهو ما يؤدي بها. وكذلك حزب التكتل والحزب الجمهوري اللذين يدوران كلاهما خلف زعيميهما بن جعفر والشابي لكن بلا أنصار فعليين. المشهد سيكون مكونا إذن من حزب كبير وحزبيات صغرى ومستقلين سيمر بعضهم على أساس مصداقيته في الجهة التي ترشح فيها.

كيف سيتم تشكيل جهاز حكم من هذه الفسيفساء؟ 

هذه هي المعضلة التي سيواجهها الحزب الأكبر الملزم بتشكيل الحكومة قانونا فالسؤال هو مع من سيؤلف الحكومة القادمة لتكون حكومة مستقرة وفعالة وتخرج من الوضع الانتقالي بسرعة ؟
ندخل وضعا غريبا القوي ضعيف بقوته والضعيف قوي بضعفه. انه وضع ينتج الابتزاز السياسي للأقوى المحتاج إلى تقاسم السلطة مع شركاء فعالين لأسباب كثيرة منها شعوره باحتمالات محاصرة سياسية لذلك فهو محاصر بين احتمالين مرعبين:

احتمال تشكيل حكومة مع الكتل المتوسطة ذات الهوى التجمعي تحت مسمى التوافق وصولا إلى استقرار الوضع العام وهو في هذه معرض للاتهام بموالاة النظام القديم والقسمة معه وخيانة الثورة ومطالبها وهي قائمة اتهام لها أول وليس لها آخر.

احتمال العمل مع المجموعات الصغرى ذات الولاء للثورة وهي مجموعات ليست على قلب رجل واحد ولها مطامع شخصية أكثر مما تعمل على تحقيق أهداف الثورة أو على الأقل إما أن تحققها هي أو لا تعمل مع من يحققها. وهي قوى زئبقية قادرة على ابتزاز حكومة غير مسنودة بأحزاب قوية في الشارع..

ضعف هذه الحزبيات هو سر قوتها لأنها تعرف حاجة الحزب القوي لها لاجتناب الاحتمال الأول والنجاة من خطاب المزايدة.

إنها وضعية مربكة وقد ظهر الشعور بها في حزب النهضة من خلال السعي إلى توليف حكومة ائتلافية فوق حزبية يكون فيها طرفان النقابة العمالية ذات القدرة العالية على خلق الفوضى أو تجميدها ونقابة الأعراف ذات القدرة على تحريك الأموال أو تجميدها.

هذا المخرج يمكن من إدارة مرحلة بأخف الإضرار الاقتصادية والاجتماعية لكنه يضحي بالديمقراطية على مذبح المصالح ويفقد الناس كل ثقة في صندوق الاقتراع الذي كلما ذهبوا إليه فوجؤوا بمن انتخبوا يلغون شرعية الصندوق أي شرعية أصواتهم. 

هذا المال الوحيد ولا يبدو أن يكون هناك غيره. فنحن نرى هذا الفقر السياسي والأخلاقي من الآثار المباشرة لمرحلة الدكتاتورية التي تعطل الآن سير الديمقراطية.وفي حالة التحول يحتاج الحكم إلى قوة إرادة لا إلى حسن الخلق.