كتاب عربي 21

هل تآمر كارتر على التحول الديموقراطي في مصر ؟

1300x600
كعادتها قادت الأبواق الإعلامية والحقوقية الموالية للسلطة في مصر حملة هجوم مكثف ضد الرئيس الأمريكي الأسبق (جيمي كارتر) عقب إعلان مركز كارتر غلق مكتبه الميداني في مصر بعد ما يقرب من 3 سنوات، وقال في البيان الصادر بهذا الشأن أنه لن يرسل بعثة متابعة لتقييم انتخابات مصر البرلمانية القادمة التي لم يتحدد لها موعد حتى الآن.

وجاء في البيان أن البيئة السياسية مستقطبة استقطابا حادا، وأن الفضاء السياسي قد ضاق بالنسبة للأحزاب السياسية المصرية، والمجتمع المدني، والإعلام، ونتيجة لذلك ليس من المرجح أن تقدم الانتخابات المقبلة تحولا ديموقراطيا حقيقيا في مصر.

وأكد البيان على أن المجتمع المدني المصري والمنظمات الدولية تواجه بيئة مقيدة بشكل متزايد، تعيق قدرتها على إجراء متابعة ذات مصداقية للانتخابات. وقال كارتر تعقيبا على البيان: "البيئة الحالية في مصر لا تساعد على الانتخابات الديمقراطية الحقيقية والمشاركة المدنية".

من جانبها، أصدرت الخارجية المصرية بيانا حادا انتقدت فيه ما وصفته بازداوجية وتناقض موقف مركز كارتر ووصفته بأنه مغالطات وادعاءات في المواقف وتناقضات فجة مع الواقع تثير الشكوك حول حقيقة توجهات المركز ودوافعه وأهدافه التي قد يزعجها مناخ الاستقرار الذي تتجه إليه البلاد يوما بعد يوم.

أما أحد المراكز الحقوقية المصرية الذي تحول موقفه خلال الفترة الماضية، وأصبح بوقا لتبرير انتهاكات حقوق الإنسان فقد قال أحد المسؤولين به للإعلام: إن كارتر يدعم الإخوان وموقفه الأخير جزء من المؤامرة على مصر والتي تقودها أمريكا لمنع التحول الديموقراطي في مصر !

السؤال الذى يطرح نفسه بعيدا عن هذا العبث، لماذا أغلق مركز كارتر مركزه في مصر، وأعلن مقاطعته لمتابعة الانتخابات البرلمانية القادمة، الحقيقة توجب أن نرصد خلفية المشهد الانتخابي الذي تتم تهيئة البلاد له، ونبدأ بالبيئة القانونية التى ستتم فيها الانتخابات وعلى رأسها يجثم قانون الانتخابات البرلمانية الذي انفردت السلطة بوضعه رغم اعتراض أغلب الأحزاب على محتواه ومطالبتهم بتعديله، ولكن لم يتم تعديله، وبدا أن السلطة تقول لأهل السياسة ستلعبون بقواعدي وحدي ومن لا تعجبه تلك القواعد فلا مكان له في المعادلة الجديدة بالتوازي مع استمرار قانون التظاهر المعيب والمقيد لكل تعبير سلمي عن الرأي.

أما عن نزاهة الانتخابات وضمان حيادية السلطة التنفيذية، فيقابله واقع تتداوله الصحف المصرية عن اجتماعات تتم بوزراة التخطيط -مقر حكومي رسمي- لعدد من المسؤولين السابقين المنتمين لنظام مبارك، وبعض مسؤولي الأجهزة الأمنية، والذين وصفت جريدة الأهرام الحكومية اجتماعاتهم بأن هدفها إعداد قوائم  وأسماء المرشحين في كل الدوائر والاتفاق عليهم، حماية للأمن القومي، طبقا لما قالته الجريدة في خبرها المنشور.

أما البيئة الإعلامية وفرص التكافؤ بها بين المتنافسين المحتملين، فيلخصها المشهد الأحادي الذي سيطر على الإعلام المصري -الحكومي والخاص- عقب مذبحة رابعة، حيث تم منع كل المعارضين للنظام، والذين أدانوا ما حدث في رابعة وما أعقبها من تعديلات على الدستور وترشح وزير الدفاع للرئاسة وانتهاكات حقوق الانسان بشكل عام، أصبح هؤلاء محظورون من مخاطبة الجماهير عبر الفضائيات ولم يتم الاكتفاء بذلك بل تم تدشين برامج تليفزيونية خاصة اقتصرت مهمتها على التشويه والاغتيال المعنوى وتخوين كل المعارضين وشيطنتهم، ومازال بعضها مستمرا حتى الان بجانب حالة التعبئة الإعلامية العامة التي تصف المعارضين بالخونة والطابور الخامس إلى آخره من الاتهامات المعلبة التي أدمنتها أبواق السلطة ولا تمل من تكرارها.

أما المجتمع المدني وخاصة الحقوقي -الفاعل وليس الموالي للسلطة والمزيف للحقائق- فيواجه حربا شرسة تهدف لتقييد حركته وتشويه سمعته، وتشير التعديلات التشريعية الأخيرة التي ينتظرها المجتمع المدني إلى أن السلطة قررت تأميم العمل الأهلي عبر قانون تفرضه من جانبها وعبر تشريعات متوازية تجعل الدفاع عن حقوق الانسان جريمة يعاقب عليها القانون !

كل من انتقدوا بيان مركز كارتر يتجاهلون هذه الحقائق التي لم تنجح حملات التلميع الإعلامي ولى الحقائق في إخفاءها، وبدلا من مواجهة الواقع ومحاولة إصلاحه إذا بهم يجاملون السلطة بالهجوم على بيان كارتر دون مناقشة ما احتواه البيان من أسباب توجب التأمل، هذه الأبواق لا تدرك أن ما تفعله يزيد من حرج مصر الدولى سياسيا وإعلاميا ولعل فضيحة افتتاحية النيويورك تايمز التى تم تحريف ترجمتها ونشرها بصحيفة الأهرام ورد النيويورك تايمز على ما فعله الاعلام المصرى لم يكن رادعا ليتوقف هؤلاء عن نشر الاكاذيب ولذلك أعقب الهجوم الاعلامى المصرى على كارتر افتتاحية نارية أخرى فى النيويورك تايمز هاجمت فيه النظام المصرى واستدلت بموقف الرئيس الامريكى الأسبق ومركزه على أن الديموقراطية تتآكل فى مصر ولا مستقبل لها.

بالطبع بعد الجريمة الإرهابية الكبرى التى شهدتها سيناء خلال الأيام الماضية سيصبح الحديث عن الإصلاحات المطلوبة من السلطة لفتح مسار إصلاحى للتحول الديموقراطى نوعا من الخيانة كما سيصفه إعلام السلطة وذيولها – وقد بدأ بالفعل - وستعلو نغمة الهستيريا لتغطى على ما سواها ليزداد الاحتقان السياسى فى مصر وتزداد القطيعة بين السلطة الحاكمة ومعارضيها بما يضر المصلحة العامة للبلاد.

ما يحدث فى الساحة السياسية المصرية هو تأجيل مواجهة المشاكل الحقيقية التى لن تعرف البلاد طريقا للإستقرار دون حلها ، وعلى رأسها الموقف من الإخوان وتطبيق العدالة الانتقالية ووقف انتهاكات حقوق الانسان وإنهاء ملف المعتقلين السياسيين ووقف استهداف المعارضين وضبط الخطاب الإعلامى الذى يكرس الكراهية ويزرع الشقاق وتحقيق المصالحة مع الشباب والطلاب الذين صاروا فى حالة عداء متصاعد تجاه ممارسات السلطة ضدهم وغيرها من الخطوات التى قد يعنى البدء فيها وجود نية حقيقة لدى السلطة للخروج بالبلاد من النفق المظلم الذى دخلت فيه خلال الفترة الماضية.

لم يتآمر كارتر على التحول الديموقراطى فى مصر بل تآمر عليه من يهدمون كل أسس الديموقراطية ويدعمون الانحراف عنها ويبررونه، من يريد المستقبل سيسلك طريقه ومن يريد الماضى سيبقى فيه ولن ينفعه مثلما لم ينفع من أصروا عليه قبل ذلك ..