قال محرر شؤون الشرق الأوسط في صحيفة "الغارديان" إيان بلاك، إن
الإمارات تعلمت من إسرائيل التي يقال أنها ترتبط معها بعلاقات سرية، وربطت نفسها بالاستراتيجية العسكرية الأمريكية في المنطقة، كما أنها لعبت دورا في محاربة تنظيم الدولة المعروف بـ "
داعش"، وفي ليبيا ومصر، بدافع التنافس مع
قطر، والكراهية للإخوان وتركيا.
وفي تقرير كتبه من مدينة أبو ظبي، عاصمة دولة الإمارات، جاء فيه إن الكابتن مريم المنصوري، والتي لعبت دورا في ضرب مواقع تنظيم الدولة، وأصبحت نجمة على وسائل التواصل الاجتماعي، ففي صورتها وهي بقمرة القيادة وترفع شارة النصر، عبرت عن صورة إمرأة مسلمة قوية وعن المشاركة في مواجهة تنظيم الدولة، وكذلك الشعور بالفخر لدى دولة خليجية صغيرة ولكنها ثرية، وتتباهى بصورتها الحاسمة وهي تقوم بالترويج لأجندتها السياسية في منطقة تعيش حالة من الاضطراب العميق.
ويضيف بلاك "فمن قاعدة الظفرة الجوية في الصحراء جنوب أبو ظبي قامت المنصوري وزملاؤها من الطيارين الإماراتيين بطلعات جوية وغارات في الحملة ضد (داعش) أكثر من أية دولة عربية مشاركة في الحملة الدولية التي أعلن عنها الرئيس باراك أوباما.
رمزية
ويذكر بلاك أن عدد العمليات التي قامت بها الدول العربية في الحملة غير معروف، ولكن البيان الذي صدر عن القيادة المركزية يتحدث عن الدول المشاركة الأولية لكل من السعودية والأردن والإمارات والبحرين وقطر في العملية التي أطلق عليها "العزيمة الأصيلة". ولكن الدبلوماسيين يلمحون إلى أن العمليات، التي قامت بها الدول العربية تعد على الأصابع. وأن عدد المهام يتراجع الآن، حيث تظل المشاركة العربية رمزيتها أهم من أثرها العسكري.
ويرى الكاتب أن دور الإمارات في الحرب على "داعش" هو جزء من طموحات أوسع في الشرق الأوسط الذي غيّره الربيع العربي. فقد ضعفت
مصر بعد الإطاحة بالرئيس حسني مبارك ووصول الرئيس محمد مرسي. ولا تحب دول الخليج المحافظة تركيا؛ نظرا لدعمها للإسلاميين، فيما تعاني سوريا والعراق حروبا أهلية دموية، أما الدول الخليجية الأتوقراطية مثل السعودية فهي بطيئة وحذرة، وتقودها قيادات عاجزة. ومقارنة مع دول الخليج الأخرى، فالإمارات تظل نشطة وواثقة من نفسها، وتضيف لإنجازاتها مثل بناء أطول بناية في العالم وأكبر مزلج داخل القاعات المغلقة في العالم.
وينقل التقرير عن دبلوماسي غربي قوله إن الإماراتيين "يرفعون رؤوسهم خارج الشرفة، ويقومون بإظهار نموذجهم الناجح من أجل مواجهة شعار الإخوان المسلمين (الإسلام هو الحل)".
مع أميركا
ويكشف الكاتب كيف قام الإماراتيون بإدخال أنفسهم داخل نسيج الاستراتيجية الدفاعية الأميركية، حيث خدمت القوات الإماراتية في أفغانستان، وهي الدولة العربية الوحيدة التي فعلت هذا. ولكن الإماراتيين يتصرفون بطريقة فردية، ففي آب/ أغسطس قامت الطائرات العسكرية الإماراتية المرابطة في مصر بقصف مواقع للإسلاميين في ليبيا. ورغم أن الحكومة الإماراتية لم تعلن عن العملية صراحة، وهي سياسة أخذتها الإمارات من الإسرائيليين الذين يقال أنهم يرتبطون معها بعلاقة سرية. بل وتملك الإمارات طائرات "إف- 16 إي فالكون"، أحسن من تلك التي تملكها الولايات المتحدة؛ وذلك لأن الإمارات أنفقت مليارات الدولارات في تحسين أنظمتها.
وينقل بلاك عن إميل هوكايم من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية "أحببنا أم كرهنا فالإمارات لديها سياسة متماسكة أفضل من بقية دول الخليج". مبينا "فهذه الدولة الصغيرة حصلت على مكانة؛ لأنها طورت قدرات عسكرية جدية، ومقارنة مع بقية دول الخليج الأخرى هناك وحدة في النظام الوطني الأمني الإماراتي، وما ساعد على هذا هو حل مسألة الخلافة".
الحرب على الإسلاميين
يجد بلاك أن قتال الإسلاميين في داخل الإمارات وخارجها ودعم الدول الأوتوقراطية يمثل مركز السياسة الإماراتية، التي حدد معالمها ولي العهد محمد بن زايد آل نهيان، وعبر عنها وزير الدولة للشؤون الخارجية انور قرقاش، الذي يقول "بدلا من دفعهم للاعتدال من خلال المشاركة، يندفع من يطلق عليهم المعتدلين الإسلاميين للاصطفاف في صفوف الجماعات الراديكالية"، حيث كان يتحدث في افتتاح معهد أبو ظبي للحوار الاستراتيجي.
ويبين الكاتب إن الإمارات، التي تعتبر ثاني شريك تجاري في المنطقة، لعبت دورا مهما في دفع وإقناع الحكومة البريطانية للتحقيق في نشاطات الإخوان المسلمين، وهو التحقيق المثير للجدل، حيث كانت تأمل أن يؤدي التحقيق لحظر الجماعة.
ويرفض الإماراتيون النقاش الذي يقول إن حظر الإسلاميين الذين يؤمنون بالعملية البرلمانية والديمقراطية وينبذون العنف سيترك فراغا يشغره الجهاديون مثل "داعش" والقاعدة، بحسب التقرير.
ويورد التقرير قول محمد العتيبي، محرر صحيفة "ناشونال" الإماراتية الناطقة بالإنجليزية "صحيح أن الإخوان المسلمين ليسوا كـ (داعش)، لكن المشكلة هي أنه في حالة وصول الإخوان للسلطة فستحصل على عنصر (داعشي)، وفي النهاية لم يقدم الإخوان إنجازات، والشعب الإماراتي راض عن الأمور كما هي".
ويشير التقرير إلى وضع الإماراتيين، الذين يشكلون 18% من مجمل عدد السكان الذين يقطفون ثمار النمو الاقتصادي، تعليم مجاني، ومنح تعليمية كريمة ورعاية صحية. رغم كل هذا فالأحزاب السياسية ممنوعة، وتم تطهير البلاد من الإخوان المسلمين في بداية التسعينيات من القرن الماضي. وسجنت الإمارات 69 ناشطا إسلاميا، اتهمتهم السلطات بمحاولة قلب نظام الحكم، وقد انتقدت منظمات حقوق الإنسان الأحكام، لكن ليس حلفاء الإمارات الغربيون. وتفرض الدولة الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي، ويتم اعتقال المعارضين السياسيين بشكل منتظم، كما وتنتقد المنظمات غير الحكومية طريقة معاملة المهاجرين.
ويقول مشعل جرجاوي من معهد ديلما إن السياسة الإماراتية الحاسمة نابعة من مشاركتها في الشؤون الدولية والإقليمية.
بعبع قطر
ويواصل بلاك: أما العنصر الثاني فنابع من تنافسها مع دولة قطر، الدولة التي تغرد دائما خارج سرب الدولة الجارة لها، والتي عملت الكثير من أجل الدفاع عن الإخوان المسلمين. ورغم أن الدولتين ساعدتا المقاتلين الليبيين للإطاحة بنظام معمر القذافي عام 2011، إلا أن قطر دعمت المقاتلين الإسلاميين، فيما دعمت الإمارات العناصر المعارضة لهم.
ويعتقد الكاتب أن تدخل الإمارات في مصر نبع من التنافس مع قطر، التي تحولت قناة الجزيرة فيها إلى داعمة للثورة ولمحمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، وتواصل نشر عمليات القمع التي يقوم بها عبد الفتاح السيسي، الذي يحظى بالثناء في الإمارات العربية المتحدة.
ويلفت بلاك إلى تركيز الإعلام في الإمارات وشركات العلاقات العامة على الكشف ومواجهة تأثير الدوحة، وقد أدى التنافس "القبيح" بين البلدين لمعاداة بقية دول مجلس التعاون الخليجي لقطر، ورغم أن الخلاف قد خف إلا أنه لم ينته بعد.
ويفيد التقرير أن الإماراتيين قدموا، بالتعاون مع السعوديين، مليارات الدولارات لمصر؛ لدعم اقتصادها وتعزيز الإصلاحات. ويقول الجرجاوي إن "الوظائف والنمو يعتبران وسيلة مهمة لحماية البلد من الأيديولوجيات الراديكالية والحقد الطائفي". ويضيف "لو نجحت الإمارات بإصلاح وضع مصر فالآثار ستكون كبيرة وهذا هو الرهان، ونحاول تحقيقه".
ويؤكد التقرير أن كراهية الإمارات للإسلاميين تعني أنها اتبعت سياسة مختلفة تجاه سوريا من تلك التي اتبعتها الدول الجارة. فقد أنفقت السعودية وقطر، حكومة وأفرادا، كميات كبيرة من الأموال على الجماعات الإسلامية، والتي تحول بعضها إلى جماعات متشددة. خلافا لهذا يرغب الإماراتيون برحيل الأسد، ولكن ليس بأي ثمن، ومن هنا دعموا الجماعات السورية المعتدلة، التي صادقت عليها الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى.
ويخلص بلاك إلى أن الإماراتيين يثقون بالأميركيين أكثر من السعوديين. ولكن هناك قلق من مدى التزام الرئيس أوباما ومحدودية استراتيجيته ومخاطر سياسته على السنة وتقاربه من إيران. ويعلق جرجاوي "تنظر للأميركيين وتتساءل عن خطوتهم القادمة، 200.000 شخص قتلوا في سوريا حتى الآن، وقطعت رؤوس أربعة غربيين، وبعدها بدأوا الحرب ضد (داعش). والفرق بين بشار الأسد و(داعش) هو أنه لا يضع أشرطة فيديوعلى يوتيوب، إنه من المثير لغضب الإمارات أن تقوم بضرب دولة عربية أخرى، ولكن ماذا نفعل؟".