عنف، تحرش، اغتصاب، دعارة، تجارة أعضاء.. جميعها متلازمات لظاهرة
أطفال الشوارع في
مصر، حيث تواجه البلاد لظاهرة اجتماعية أشبه بالظواهر الكونية التي يأتي بين طياتاها التغيير أو التدمير.
ويقول مختصون إن ظاهرة أطفال الشوارع برزت بسبب السياسات الخاطئة للأنظمة السياسية الاستبدادية المتلاحقة منذ عدة عقود.
ومع تعاقب الأنظمة، استفحل الفساد، وارتفع معدل البطالة، وزاد
الفقر، وتراجع مستوى التعليم، وبمرور الوقت تحولت المشكلة إلى أزمة.
تجاهلت الأنظمة الأزمة، وتغاضت عن وجودها، وزادت عمليات التهميش مع سياسات السوق المفتوح وأصبحت الأزمة قنبلة موقوتة.
لم يدم الأمر طويلا حتى انفجرت القنبلة الاجتماعية الموقوتة في وجه الجميع منذ ثورة يناير، وظهر أطفال الإرهاب، والعنف، والمولوتوف، بحسب قول الدكتور عزة العشماوي أمين عام المجلس القومي للأمومة والطفولة.
وقالت في حديث لـ"عربي 21": "منذ ثورة يناير مرت البلاد بظروف ومتغيرات سياسية وثقافية واقتصادية شديدة التقلب، كان من بين ضحاياها الفئتان الأضعف وهما الأطفال والنساء. وتم استغلال (الأطفال) في أحداث العنف السياسي وهو نمط جديد لم يكن معروفا سابقا".
أعداد أطفال الشوارع يفوق عدد سكان دول عربية
لا توجد قاعدة بيانات دقيقة لعدد أطفال الشوارع، ولكن منظمة اليونسيف قدرت عددهم بنحو مليوني طفل، وهو عدد يفوق عدد سكان بعض دول الخليج، وعواصم دول عالمية أيضا، وبذلك تنفرد مصر دون غيرها من دول المنطقة بهذا الكم العددي والنوعي في تلك الظاهرة.
لا تقدم الدولة المصرية أية حلول ناجعة لتلك الأزمة المستمرة في التشكل والتحور والتطور يوما بعد يوم، بحسب قول المحامية المتخصصة في حقوق الطفل أمل جودة.
وتقول جودة لـ"عربي 21": "تتكفل الدول في العالم الخارجي برعاية مثل هؤلاء الأطفال بشكل يحمي حقوقهم وإنسانيتهم، أما في مصر فليس للدولة دور يذكر يمكن الحديث عنه إلا في أضيق الحدود".
وطالبت جودة الدولة بالقيام بدور حقيقي في حل الأزمة وتوفير دور رعاية بديلة للأطفال. وأشارت إلى أن بعض مؤسسات الدولة يشوبها القصور والفساد وسوء الخدمة، ما يدفع بعض الأطفال إلى الهروب منها حيث يفضلون الشارع بديلا بسبب سوء المعاملة.
مستفيدون من ظاهرة أطفال الشوارع
لم تطبق حتى الآن اللائحة التنفيذية لقانون الطفل الذي تم تعديله في عام 2008، والذي كان نتاج تعاون الدولة مع مؤسسات المجتمع المدني. وبحسب الحقوقية أمل جودة فإن ما تم تفعيله هو الشق الجنائي في القانون فقط.
وأشارت جودة إلى أن مراكز الشرطة تستفيد من ظاهرة أطفال الشوارع من خلال تحميلهم محاضر تحت عدة مسميات مثل
التسول وغيره، من أجل ملء الملف القضايا الشهري، مشيرة إلى تعرضهم للإيذاء البدني والنفسي في أقسام الشرطة.
انتشار الجريمة.. وملاحقة المعارضين
ينضم الائتلاف المصري لحقوق الطفل إلى قائمة المنتقدين للدولة في ملف أطفال الشوارع، ويرى أن على الدولة أن تعيد النظر في سياساتها العامة تجاه الأطفال واقتصاد السوق المفتوح الذي أنتج الفقر والبطالة وظاهرة أطفال الشوارع.
وطالب عضو الائتلاف أحمد عبد العليم في حديث لـ"عربي21"؛ بوجود "استراتيجيات لكل الوزارات لمكافحة الفقر، وإعادة استراتيجية منظومة التعليم الفاشلة، وخلق أماكن صديقة للأطفال، وإعادة تأهيلهم ذهنيا ونفسيا وعمليا ومهنيا وفنيا، وهو أمر بحاجة إلى تضافر جهود وزارات عدة".
ولا يجد عبد العليم ما يدعو للتفاؤل بحل الأزمة بسبب تقاعس الدولة وعرقلتها عمل منظمات المجتمع المدني في هذا المجال، ولا تكتفي فقط بالوقوف موقف المتفرج، مشيرا أيضا إلى أن هناك منظمات مستفيدة من استمرار تلك الظاهرة.
وانتشرت ظاهرة اختطاف الأطفال مؤخرا، وسط اتهامات للأجهزة الأمنية بالتغافل عن هذه القضية والتركيز على قمع المظاهرات التي تخرج ضد النظام تارة، واحتجاجا على تردي الأوضاع المعيشية تارة أخرى.
وتواجه الأجهزة الأمنية اتهامات كثيرة بتقصيرها في تتبع الجريمة والمجرمين، وتركيزها على قمع المعارضين وفض مسيراتهم واعتقال النشطاء، وملاحقتهم وترك الجرائم تنتشر.
جيل ضعيف.. ودولة ضعيفة
خلال السنوات الأخيرة ارتفعت معدلات العنف الجنسي تجاه الأطفال والدعارة والاتجار بالأعضاء البشرية، وارتبط ذلك بحالة الانفلات الأمني التي مرت بها البلاد عقب ثورة يناير واحتجاجات 30 يونيو..
وحذرت أمينة المجلس القومى للطفولة والأمومة من أن خروج الجيل الثالث من أطفال الشوارع ينذر بكارثة حقيقية، ووجود جيل ضعيف ومن ثم دولة ضعيفة، مشيرة إلى عدم وجود خطة قومية حقيقية لمكافحة تلك الظاهرة ومحاصرتها ومعالجتها.
وبحسب المهتمين بهذا المجال، فإن الدولة لا تضع شئون الطفل وقضاياه ضمن الأولويات على الساحة الانتقالية، ومن ثم من المتوقع أن تعبر -إذا قدر لها العبور- إلى المرحلة المقبلة وبين ثناياها ظاهرة تستفحل يوما بعد يوم.