صدمة في مختلف الأوساط السياسية والمدنية بالمغرب، تلك التي خلفها الرحيل المفاجئ للقيادي اليساري أحمد الزايدي زوال أمس الأحد، بعد أن غمرت المياه سيارته الرباعية الدفع بإحدى أودية مدينة بوزنيقة قرب العاصمة الرباط.
أحمد الزايدي القيادي بحزب
الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي رحل دون سابق إنذار عن عمر يناهز 61 سنة، نزل خبر وفاته كالصاعقة على الجميع حتى كتب بعضهم "رجاء فليكذب أحد الخبر" لعله يكون شائعة كما يحدث مع أخبار الفنانين والمشهورين أحيانا، غير أن قيادة الحزب الذي يتخذ الوردة البنفسجية شعارا له، وعائلة الفقيد نعته و"الألم والأسى يعتصر قلوبهم".
موت فجائي وغريب
"أنقذوني فقد غمرت المياه سيارتي وأنا أسفل قنطرة"، هذه آخر مكالمة هاتفية أجراها الفقيد قبل أن توافيه المنية وهو يصارع الموت تحت الماء داخل سيارته، حيث اتصل بأحد أصدقائه بمدينة بوزنيقة يطلب النجدة، غير أن عدم تدقيقه في مكان القنطرة جعل البحث عنه يتطلب قرابة ساعة ونصف ليجد مجموعة من المواطنين سيارته تحت جسر يؤدي إلى بيته.
تضاربت الروايات على مواقع التواصل الاجتماعي حول سبب
الوفاة وطريقته، بين متحدث عن مياه جرفت السيارة، وآخر يقول بأنه مات غرقا، ووكالة مثل "أ ف ب" ذكرت أنه مات بفعل الفياضانات، غير أن مقربين من الراحل أكدوا تردد الزايدي وغيره من المارة على تلك الطريق لكونها مختصرة.
غير أن التساقطات المطرية التي شهدتها المدينة أمس الأحد جعلت أسفل الجسر يمتلئ بالماء حتى ارتفاع متر ونصف، وبمجرد مرور الزايدي غمرت المياه سيارته ولم يستطع فتح أبواب السيارة أو كسر الزجاج إلى أن مات اختناقا.
أخلاقه توحد اليسار والإسلاميين في رثائه
"هو شخص يفرض عليك أن تحترمه، ببساطة لأنه يحترم الناس"، هكذا الزايدي في نظر الكثيرين، فقد وحدت رفعة أخلاقه رثاء اليساريين والإسلاميين له.
وقال حسن طارق وهو برلماني اشتراكي مقرب من الفقيد، "وفاته خسارة فادحة"، وتابع لـ "عربي21" والدموع تغالبه "فقدت أخا كبيرا، هو أخي الأكبر في السياسة والحياة".
البرلمانية الإسلامية آمنة ماء العينين قالت لـ "عربي21" وهي تعدد مناقب الفقيد وخصاله، إن وفاته فاجعة، وخسارة للوطن قبل الحزب، وزادت إنه شخص "وقور وكتوم، هادئ لا يتحدث كثيرا، يستمع أكثر ما يتحدث، إذا تكلم يثير انتباهك ويشده ويترك فيك أثرا"، وتختم حديثها بعد صمت "كان رمزا وطنيا رغم الاختلاف".
وهي ذات الشهادة التي عبر عنها للإعلام الوزير الإسلامي مصطفى الخلفي الذي حج إلى منزل الفقيد مقدما واجب العزاء لعائلته الصغيرة والكبيرة، معددا الأدوار العديدة التي أسداها الفقيد للوطن والأمة.
قبل السياسة ولج المحاماة والصحافة
القيادي الاتحادي الراحل، ترك خلفه زوجة وأربعة أبناء، وقد رأت عيناه النور بمدينة بوزنيقة سنة 1953. وتابع دراسته في ثانوية مولاي يوسف بالرباط، ثم جامعة محمد الخامس، وكلية الحقوق بالجزائر العاصمة.
بعد تجربة قصيرة في سلك المحاماة، انتقل لمهنة المتاعب، حيث اشتغل بالإذاعة والتلفزة
المغربية ابتداء من سنة 1974، تخللها تفرغ من أجل استكمال تكوين عال في الصحافة بالمركز الفرنسي لتكوين واستكمال تكوين الصحفيين بباريس، ليعود مجددا لمتابعة المشوار حيث حقق مكاسب مهنية أهلته لتسيير قسم الأخبار، إذ احتكر الشاشة الصغيرة المغربية في ساعة ذروة المشاهدة لمدة 20 سنة كرئيس تحرير مركزي ومقدم للنشرة الإخبارية الرئيسية في التلفزيون العمومي.
وبصفته الصحفية أسس أحمد الزايدي (نادي الصحافة بالمغرب).
وعلى المستوى السياسي، بدأ القيادي الراحل مساره من بوابة الكتابة الإقليمية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالرباط، وخاض غمار الانتخابات الجماعية لسنة 1976 كأصغر مرشح باسم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في إحدى الجماعات القروية ببوزنيقة. ودخل المؤسسة التشريعية سنة 1993، وتولى من تشرين الأول/ أكتوبر 2007 إلى منتصف السنة الجارية مسؤولية رئاسة الفريق الاشتراكي بمجلس النواب.
مؤسس تيار الديمقراطية والانفتاح
منذ المؤتمر الأخير لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوت الشعبية سنة 2012 والذي وجهت فيه اتهامات واضحة لوزارة الداخلية المغربية بالتدخل لدعم المسؤول الحالي عن الحزب إدريس لشكر، ضد منافسه القوي
احمد الزايدي، عرف الحزب أكثر من تصدع حيث أسس الراحل تيار الديمقراطية والانفتاح، الذي أكد على استحالة التعايش مع القيادة الحالية للحزب.
وقد أكد التيار في أكثر من موقف وبيان أن حزب الراحل عبد الرحيم بوعبيد مع القيادة الحالية شهد انحرافات وأخطاء ينبغي تصحيحها، وأن عملية تبديد تتم لما راكمه الحزب وبَنَتهُ الأجيال المتعاقبة عليه.
الزايدي دعا في رسالة مفتوحة وشهيرة مختلف الاتحاديين والاتحاديات إلى تفكير عميق وموسع لإنقاذ الحزب بعد أن اعتبر أنه "أصبح في حكم المستحيل التعايش مع إدريس لشكر وفريقه، أمام ما يحدث يوميا من تلاعب في هياكل الحزب وأجهزته وطنيا وجهويا وإقليميا ومحليا"، وأضاف أن "لاتحاد الاشتراكي يتعرض إلى عملية تشويه، وانه أحرق كل السفن التي يمكن أن تؤدي بالحزب إلى شط النجاة".
بعد عصر اليوم الاثنين سيتم تشييع جثمان الراحل إلى مثواه الأخير بحضور حكومي وازن، وكذا بمشاركة شخصيات وطنية، وفيما لهجت الألسن بقوله عز وجل "إنا لله وإنا إليه راجعون"، تساءل آخرون عمن سيكمل بعد الزايدي مسار إنقاذ حزب الاتحاد قبل أن يشيع بدوره إلى مثواه الأخير.