عبرت منظمات دولية عن قلقها من ممارسات الجماعات الشيعية المسلحة ضد القرى السنية التي يخرج منها تنظيم الدولة المعروف بـ"
داعش". وقالت منظمة أمنستي إنترناشونال إن الميليشيات الشيعية في
العراق تتصرف بنوع من الحصانة من المحاكمة، رغم أنها ارتكبت جرائم حرب.
وفي تقرير لصحيفة "الغارديان" قالت فيه "في القرية العراقية، تفاخر محمد، متطوع شيعي، بفرح بالغ بقتل مقاتلين من (داعش) وقال: (ذبحناهم، انظروا كيف فعلنا) قال ذلك وهو يمسك تلفون صاحبه قبل أن يعرض فيلم فيديو بشعا حافلا بالدم، فيه جثث مقطوعة الرؤوس مكدسة على مقدمة عربة همفي أميركية، وكان الدم يسيل من جوانب العربة، فيما سمعت أصوات البهجة والفرح في خلفية الفيديو".
ويقول مراسلا الصحيفة فاضل الحورمي ولوك هاردينغ إن البيوت في بلدة ينكجه كان الدخان منها يتصاعد بعد حرقها وتدميرها، وكلها تعود لعائلات سنية. وأطلق بعضهم الرصاص على المسجد فيها. وتظهر اللقطات، التي حملت على موقع "يويتوب" وقد شطبت الآن منه، رجلين وهما يحرقان جثتي مسلحين سنيين، وبعدها صورة إمام شيعي وهو جالس خلف طاولة.
ويرى التقرير أن ما تقوم به الميليشيات الشيعية هو عمليات انتقامية من تلك التي قام بها المقاتلون التابعون لـ"داعش"، الذين تقدموا بطريقة حاسمة في حزيران/ يونيو في شمال العراق ومحافظة صلاح الدين، حيث قاموا بقتل
الشيعة، وهرب الآلاف منهم.
طوز خورماتو
ويشير التقرير أنه في آب/ أغسطس استطاعت الميليشيات العراقية المكونة من متطوعين، مثل محمد، ومدعومة من
إيران رد "داعش" من عدد من القرى، وانتهت فيما بعد بعمليات انتقامية وارتكاب مذابح طائفية ضد
السنة وحرق ممتلكاتهم.
وتبين الصحيفة أن المناطق المختلطة- من السنة والشيعة- مثل طوز خورماتو، الواقعة جنوب مدينة كركوك، كانت الأكثر معاناة من آثار الهجوم الوحشي. ففي قرية السلام عاث المسلحون الشيعة الفساد فيها، وداروا في شوارعها، وحرقوا بيوت السنة، الذين فروا كلهم الآن.
وينقل التقرير عن محمد، الذي كان يحرس مع رفاقه الشيعة نقطة تفتيش على الطريق الذي يمر عبر قريتين سنيتين باتجاه مدينة تكريت، إنه جاء من العاصمة بغداد لقتال "داعش".
ويلفت التقرير إلى أن الانتباه تركز على الأساليب الوحشية التي تبناها "داعش" في المناطق التي يسيطر عليها، بما فيها مدينة الموصل، مثل القتل الفوري، والفرض على المرأة ارتداء النقاب، لكن لم يلتفت الكثيرون لما ترتكبه الميليشيات الشيعية، التي بدأت تلعب دورا رئيسيا في مواجهة "داعش" بعد انهيار الجيش العراقي بداية الصيف. فمبساعدة من طهران تدفقت هذه الميليشيات المسلحة وملأت الفراغ الأمني وقامت بحشد المتطوعين الشيعة، وتقوم بمساعدة من قوات البيشمركة الكردية باستعادة القرى التي سيطر عليها "داعش".
جرائم حرب
وبحسب منظمة أمنستي قامت الجماعات الشيعية باختطاف وقتل عدد من المدنيين السنة في الأشهر الأخيرة، وتتمتع بحصانة من "جرائم الحرب" التي ترتكبها، وفق التقرير.
وتنقل الصحيفة عن المنظمة الحقوقية الدولية قولها إن الحكومة العراقية، بقيادة حيدر العبادي، قامت بتسليح ودعم هذه الجماعات، ما أدى إلى دوامة عنف جديدة وفوضى طائفية جديدة.
وتبين "الغارديان" أنه تم العثور على أعداد من الجثث المجهولة الهوية في مناطق متعددة من البلاد، وعثر على معظمها مقيد اليدين، وعليها آثار الرصاص على الصدر والرأس.
وتذكر المنظمة الدولية أن عناصر الميليشيات تصل إلى الآلاف، ويرتدون الزي العسكري، ولكنهم يعملون خارج سيطرة القوات المسلحة ولا يتبعون لها قانونيا. وقالت دونتيلا روفيرا المسؤولة البارزة في أمنستي "من خلال الفشل بمحاسبة الميليشيات على جرائمها وانتهاكاتها الصارخة لحقوق الإنسان فقد تركت السلطات العراقية هذه الميليشيات وأعطتها الحرية للقيام والانتقام من السنة"، بحسب الصحيفة.
خراسان
ويذهب التقرير إلى أن المدنيين العاديين وجدوا أنفسهم وسط هذا التصعيد السني- الشيعي، ويقول أبو عمار – 33 عاما- إنه فر المنطقة مع زوجته وولديه، ويعيش الآن في بيت صغير أستأجره في كركوك.
ويقول أبو عمار للصحيفة "عاش السنة والشيعة جنبا إلى جنب في القرية، ولكن عندما سيطر (داعش) عليها قام بحرق بيوت جيراننا الشيعة، وعندما أجبرت الميليشيات الشيعية (داعش) على الخروج من القرية قام أفرادها بحرق بيوت السنة".
وتعلق "الغارديان" أنه مع زيادة قوة الميليشيات الشيعية ظهرت معها بصمات إيران العسكرية والدينية، فمن بين الميليشيات البارزة كتيبة خراسان، التي تقسم الولاء علنا لآية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران.
ويفيد التقرير بأن الجماعة تهدف لإنشاء دولة إسلامية مثل الموجودة في إيران، وتستخدم على رايتها الصفراء شعارا يشبه ذلك الذي يستخدمه الحرس الثوري الجمهوري وحزب الله في لبنان، أي يد تقبض بقوة على بندقية إي كي- 47.
ويشرف القائد الميداني جواد الحسناوي على منطقة طوز خورماتو.
ويقول الحسناوي للصحيفة إن لديه 800 مقاتل وإنه قاتل في سوريا والعراق إلى جانب قاسم سليماني، الجنرال الذي يقود فيلق القدس، التابع للحرس الثوري الإيراني. وتذكر الحسناوي حادثا عندما اتصل به سليماني شخصيا أثناء معركة وطلب منه الصمود حتى تصله التعزيزات "وجاء في اليوم التالي إلى الجبهة، وقبلني على كتفي، وشكرني على الصمود".
ويصف الحسناوي سليماني بأنه "يتناول الطعام مع الآخرين، ويختلط بمقاتليه، ونعرفه جيدا ونثق به"، بحسب "الغارديان".
بين الخير والشر
ويضيف حسناوي بأنه ينتمي لعائلة قاومت حكم صدام حسين، وعائلته هي عراقية من أصول إيرانية، حيث درس هو نفسه في مدرسة إيرانية. وكان والده ناشطا في المعارضة ضد صدام حسين، حيث دعمت طهران الجماعات الشيعية المعارضة للنظام العراقي.
ويورد التقرير أن الحسناوي ينظر للمعركة الجارية في العراق ليس من أجل هزيمة "داعش"، بل هي معركة بين الخير والشر، أي بين إيران وأعدائها. وعندما سئل من هم أعداء إيران قال: أميركا، إسرائيل، السلفية في السعودية، والجهاديون السنة. ويقول إن الهدف الرئيسي لجماعة خراسان هو تحرير فلسطين وتدمير إسرائيل.
وتجد الصحيفة أن الميليشيات الشيعية تمارس الوحشية، وصارت لها سمعة سيئة، ويقول سائق كردي ينقل الركاب من أربيل إلى بغداد إنه يخشى الميليشيات الشيعية أكثر من "داعش".
ويوضح التقرير أنه في الوقت الذي تدعم فيه إيران الأكراد والشيعة، إلا أن العلاقات بين الطرفين غير مريحة، ويتواصل الحسناوي والقائد الميداني في المنطقة عبر لغة الإشارات.
وفي اليوم الذي زارت فيه "الغارديان" بلدة السلام وقعت مشاجدة بين المقاتلين الأكراد والشيعة، قتل فيها عنصر من مجموعة خراسان، التي ردت واحتجزت تسعة من مقاتلي البيشمركة.
ويشير التقرير للمفارقة الساخرة عن تلاقي مصالح إيران والولايات المتحدة في العراق، حيث تقوم الميليشيات الشيعية والحرس الثوري الإيراني بعمليات عسكرية، وقامت بفك حصار "داعش" عن بلدة إيمرلي التركمانية قبل ثلاثة أشهر وتحت قيادة سليماني.
طيارون إيرانيون
وتخوض الميليشيات الشيعية معارك ضد "داعش"، وتنسق مع القوات الجوية العراقية، حسب مصادر نقلت عنها الصحيفة.
وبحسب طيار عراقي، يقوم الطيارون الإيرانيون بقيادة الطائرات العراقية، ويقول إن الطائرات تنطلق من قاعدة الرشيد الجوية قرب بغداد وفيها طيار عراقي شيعي، وإلى جانبه طيار إيراني.
ويضيف للصحيفة "شاهدت بأم عيني طيارين إيرانيين يقودون طائرات سوخوي الروسية،. وفي بعض الوحدات كل عسكري يبدو إيرانيا، الطيار والميكانيكي، ويستخدمون طائرات انتونوف وهيوي لرمي البراميل المتفجرة على المناطق السنية".
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أنه في بلدة السلام يقول عناصر الميليشيات الشيعية إنهم قاتلوا في سوريا إلى جانب الحكومة السورية. ويقول حسناوي إنه كان واحدا من عدد من المتطوعين الشيعة من العراق وإيران ولبنان، مضيفا "رفضت خطيبتي سفري إلى سوريا، وأرادت بقائي في العراق، فطلقتها قبل سفري". وفي رحلته الثانية جرح حسناوي في جنوب دمشق، ويقول إنه كان يتعافى من جراحه عندما سيطر "داعش" على الموصل.