لا مؤشر قوي على قرب حسم المعارك في
بنغازي برغم القوة العددية والعتاد الذي يتدفق بوفرة لصالح عملية الكرامة، حيث نجحت
حكومة الثني في تخطي أزمة السيولة، مؤقتا، بحصولها على قرضي بنصف مليار دينار من أحد المصارف التجارية وبضمان من المصرف المركزي (البيضاء)، كما نُقل عن مصدر مقرب من الحكومة، أيضا تمثل القاعدة الشعبية مخزن للتجنيد وقد التحقت أعداد كبيرة باللواء
حفتر ما بعد 15 أكتوبر الماضي.
فالحسم ليس قريباً، وربما سيطول عمر المعركة إلى أشهر وتشتد شراستها، مما يعني أن المدينة قد تشهد دمارا كبيرا لم تشهده في تاريخها.
وتقديرا لما يمكن أن يسفر عنه القتال يمكن القول أن هناك سيناريوهان:
السيناريو الأول، والأرجح في نظري، هو استمرار المعارك دون قدرة أي من الطرفين على كسر العمود الفقري للثاني، والدخول في حرب استنزاف تمتد فترة، ويعزز هذا السيناريو ما يلي:
- أن السيطرة على بنغازي خيار استراتيجي بالنسبة للبرلمان ورئاسة الأركان واللواء حفتر، فبنغازي تمثل ما يزيد عن 50% من الاهمية الاستراتيجية لـ "برقة"، ولا قيمة لأي وجود عسكري لعملية الكرامة إن لم تكن بنغازي تحت السيطرة، فهي تتوسط المنطقة الشرقية، وتجعل من الحضور العسكري والسياسي محدود القيمة سواء على الصعيد الداخلي أو كورقة تفاوضية أمام الخصوم وأمام الأطراف الدولية المعنية بالشأن الليبي والتي تضغط بحثا عن حل لاحتواء الصراع الدائر.
- معظم من التحق بالكرامة بعد 15 اكتوبر ليسوا مقاتلين، وخبرتهم في المواجهات محدودة ويمكن أن يشكلوا عبئا في حال نجح مجلس الثوار في إدارة المعركة لصالحه وشن هجمات متتابعة ومركزة على قوات حفتر.
- صمود مقاتلي مجلس شورى الثوار وقدرتهم على التماسك خصوصا بعد العودة لوضعية الدفاع كما كان الوضع في 16 مايو، وهو تاريخ إطلاق عملية الكرامة، مما يعني وقوع خسائر كبيرة في قوات حفتر في حال استمر في هجومه، أو تركيزه على القصف الجوي والمدفعي بغرض هدم المباني على رؤوس المتمرسين بها مما سيؤدي إلى تغيير خارطة المدينة وتهجير أعداد كبيرة من سكانها.
- وصول الدعم من بعض المدن في شرق وغرب البلاد، وعودة القادة الميدانيين من رحلات العلاج مثل وسام بن حميد وجلال مخزوم، وأيضا مشاركة عشرات المقاتلين من الثوار الذين آثروا أن يكونوا على الحياد في البداية وحفزتهم الاعتداء على حرمات البيوت وهدمها وحرقها، ثم اقتناعهم بأن هناك ثورة مضادة وذلك بعد تصريحات كبار رجال النظام السابق والتي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي والذين باركوا عملية الكرامة وفي مقدمتهم احمد قذاف الدم ومصطفى الزايدي، وكانت تصريحات موسى إبراهيم مستفزة للعديد منهم حيث اعتبر إبراهيم هجوم قوات حفتر القادمة من شرق بنغازي استمرارا واستكمالا لمهمة رتل القذافي في مارس 2011.
- حرص قيادة عملية فجر
ليبيا على منع سيطرة اللواء حفتر على مدينة بنغازي، لأن ذلك يعني، في نظرهم، السيطرة على منابع النفط ومواني تصديره، وبسيطرة البرلمان على النفط تكتمل مقومات إدارة "الدولة" ولو على رقعة محدودة من البلاد. وبرغم عدم ملائمة الظروف الحالية لاتخاذ قرار بتحرك فجر ليبيا إلى الشرق، فإن الظرف يسمح بتوفير الدعم الكافي لعرقلة خطة السيطرة على بنغازي.
السيناريو الثاني، وهي الذي ترجح فيه كفة قوات الكرامة، ومع احتمال وقوعه فلن يكون قريبا، ويقوم على الفرضيات التالية:
- استمرار تدفق العتاد والدعم الجوي بتعاون مع دولة مصر، مما يعني تفوق قوات حفتر بفارق كبير مقارنة بمجلس شورى الثوار الذي لا يتحصل إلا على كم محدود من الدعم العسكري.
- استنزاف قوة وطاقة مجلس الثوار حتى مع مشاركة من وقفوا على الحياد وذلك بسبب الفجوة في العدد والعتاد وأيضا بسبب اتساع ساحات المواجهات بالشكل الذي يشتت تركيز قوات مجلس شورى بنغازي.
- حرمان مجلس الثوار من الحاضنة الاجتماعية، والذي من المرجح أن يزداد أثرها مع تطور المعارك لصالح قوات حفتر.
ولا يعني انتصار قوات الكرامة في المعارك وسيطرتها الفعلية على أهم وأغلب احياء المدينة انتهاء المواجهات واستقرار الوضع، إذ من المتوقع أن يتحول خيار مجلس الشورى إلى العمليات النوعية، عبر هجمات مركزة وخاطفة، أو العمليات الانتحارية التي تستهدف تجمعات ومقرات الجيش وقوات الكرامة، وهو ما يرجح استمرار حالة الحرب ومضاعفة خسائرها وأثارها على المدنين وعلى العمران، وبشكل خطير.