كتب عطاء الله مهاجراني: قرأنا وسمعنا مرارا وجود ازدواجية معايير في النظام العالمي، فما هي ازدواجية المعايير؟ يقال إنها تطبيق قاعدة أو مبدأ على نحو غير منصف وبصورة مختلفة على أفراد أو مجموعات متباينة.
ويضم الفولكلور الإيراني مقولة شائعة تحمل قدرا كبيرا من الدعابة: «حبا في الله، أعطونا سقفا واحدا بمناخين مختلفين!».
وتدور قصة هذه المقولة حول امرأة متقدمة في العمر تتخذ موقفين متباينين تماما كأم وكحماة، تبعا للمواقف التي تواجهها. في الصيف، كانت هي وابنها وزوجة ابنها ينامون على أحد جوانب سقف المنزل، بينما كانت ابنتها وزوجها ينامان على جانب آخر من السقف. ورأت زوج ابنتها يعانق زوجته بحنان، فصاحت قائلة: «يا أنت! الطقس شديد الحرارة، هل تريد قتل ابنتي؟!».
في المقابل، كان ابنها يغط في نوم عميق، بينما تجلس زوجته على طرف الفراش تطالع كتابا، فقالت لها: «أترين كيف أن الطقس بارد؟ لماذا لا تضمين زوجك إليك؟!».
ودعوني أطرح عليكم بعض الأمثلة الأخرى عن ازدواجية المعايير.
داخل إيران، ينطوي الدستور على معايير مزدوجة وتمييز بين السنة والشيعة، بين الرجال والنساء، والمسلمين وغير المسلمين. مثلا، يجب أن يكون أي مرشح لمنصب الرئاسة رجلا وشيعيا، ما يعني أن جميع سنة ونساء إيران محرومون من الترشح للرئاسة.
كما أن هناك معايير مزدوجة في السياسة الأميركية تجاه البرنامج النووي الإيراني، حيث تهدد الولايات المتحدة إيران، مؤكدة أن جميع الخيارات مطروحة، نظرا لإمكانية أن تصنع طهران قنبلة نووية في المستقبل. في المقابل، عندما يتعلق الأمر بالرؤوس الحربية النووية الإسرائيلية، نجد واشنطن تتعامل مع القضية في صمت شديد، ولا نسمع كلمة من مسؤول منها حيال الأمر.
وخلال هذا المقال، أود التركيز على نمط آخر من ازدواجية المعايير، ويتعلق بقتل
الأكراد بمدينة
كوباني السورية على أيدي «داعش»، وقتل المسلمين في
ميانمار.
لا شك أن تركيز وسائل
الإعلام على كوباني، ودعمها للأكراد وتنديدها بـ«داعش» كان من المواقف العظيمة، بيد أن هناك قضية أخرى مشابهة تتجاهلها وسائل الإعلام، وتتعلق بقرابة مليون من
الروهينغا يعيشون في بورما، تبعا لإحصاءات الأمم المتحدة، ويعتبرون حاليا إحدى أكثر الأقليات المضطهدة في العالم، حيث اضطر الكثيرون منهم إلى الفرار إلى «غيتوهات» ومعسكرات لاجئين في بنغلاديش المجاورة ولمناطق على الحدود بين تايلاند وبورما.
وما يزال أكثر من 100 ألف من الروهينغا يعيشون في بورما داخل معسكرات مخصصة للمشردين، وتمنعهم السلطات من مغادرتها. بينما يعيش المسلمون الآخرون، الذين تتراوح أعدادهم بين 8 و10 ملايين نسمة، في رعب بالغ داخل ميانمار. ويعيش الكثير من المسلمين داخل معسكرات احتجاز. وكل أسبوع، ترد إلينا أنباء عن تعرضهم لمذبحة. وللأسف تدعم حكومة بورما هذا القتل الوحشي للمسلمين.
وتكشف النتائج التي توصلت إليها الأمم المتحدة عن تفاقم العنف ضد الروهينغا في ميانمار، والذين تقدر أعدادهم بـ1.3 مليون نسمة، وحرموا من المواطنة في ظل القوانين الوطنية.
وتأتي أعمال القتل بمثابة اختبار لحكومة ميانمار، التي لم تفعل شيئا يذكر لكبح جماح البوذيين الراديكاليين، رغم سعيها لإقرار إصلاحات اقتصادية وسياسية واسعة للتغلب على ما فعله القادة العسكريون الذين سبقوها في الحكم. وقد أيدت الحكومة قيودا صارمة فرضتها السلطات المحلية على حرية المسلمين في التنقل وحرمتهم من الخدمات الأساسية داخل ولاية راخين، التي يتركز بها أغلب أبناء الروهينغا.
منذ 2012، تم حشد الكثير من الروهينغا، وهم مجموعة تتعرض منذ أمد بعيد داخل ميانمار ذات الأغلبية البوذية، داخل معسكرات بائسة لا يسمح لهم بمغادرتها، ولو للعمل. أما من سمح لهم بالبقاء داخل القرى فيعيشون تحت رحمة السلطات المحلية، التي يستوحي الكثير من مسؤوليها سياساتهم من جماعة بوذية متطرفة استغل رهبانها الحريات الجديدة في البلاد للتنقل بمختلف أرجاء ميانمار للتحريض على كراهية المسلمين.
اللافت أن أون سا سو تشي، الحاصلة على جائزة نوبل وزعيمة المعارضة، نادرا ما تتعرض داخل بلادها لسؤال حول التمييز ضد الروهينغا، لأن هذا الأمر مقبول على نطاق واسع هناك. والصادم أن الزعيمة السياسية التي عانت من الإقامة الجبرية على امتداد قرابة عقدين وتترأس الآن الاتحاد الوطني للديمقراطية في بورما، تلتزم الصمت التام حيال ما يجري للروهينغا.
بمرور الوقت، تنتقل أعمال التطهير العرقي في بورما من سيئ لأسوأ. وفي تلك الأثناء، التزمت سا سو تشي والقيادات البوذية الأخرى الصمت التام وامتنعوا عن التعليق على هذه الكارثة.
والغريب أن أعمال القتل تلك تحدث على أيدي بوذيين، بينما التعاليم البوذية تحرم قتل الحيوان. وتحرم مبادئ البوذية على أتباعها إلحاق إصابة أو أذى بأي حيوان أو إنسان. وتلتزم التعاليم البوذية بنبذ العنف في التعامل مع جميع الكائنات الحية، باعتبار أنهم يحملون بداخلهم نفحة من طاقة روحانية مقدسة. وبالتالي فإن إيذاء كائن آخر يعني إيذاء الإنسان لنفسه.
أتذكر أنني في أعقاب تدمير تماثيل بوذا في باميان، ذهبت لكيوتو في اليابان، وكان الراهب موريموتو هو مضيفي. وأخبرني أنه بعد تدمير التماثيل دخل في فترة صيام طويلة، وصلى من أجل من دمروا التماثيل، وكان يهمس لنفسه أنهم لا يعرفون من هو بوذا.
اليوم وبعد المذابح التي تعرض لها المسلمون من دون أن يأبه لهم العالم، أستطيع القول إن البوذيين في بورما للأسف بدلوا صورة بوذا والبوذيين في العالم. ولك أن تتخيل بوذيا يقتل طفلا بساطور. إن هذا أسوأ مما فعله «داعش» في كوباني.
(عن صحيفة الشرق الأوسط السعودية 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014)