كتب جوناثان ستيل في موقع "ميدل إيست آي" (عين الشرق الأوسط) عن خيارات حركة
النهضة في ظل غياب مرشح رئاسي لها، وجاء فيه "في الوقت الذي تحضر فيه
تونس للتصويت على الرئيس يوم الأحد المقبل، يواجه داعمو الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالديكتاتورية عام 2011 خيارات قاسية".
ويضيف "هي خيارات مؤلمة أكثر بالنسبة للذين يدافعون عن النهضة، الحزب الإسلامي الذي فاز بانتخابات تشرين الأول/ أكتوبر2011، ولكنه خسر السيطرة على الحكومة في
الانتخابات البرلمانية التي جرت الشهر الماضي".
ويقول ستيل "قبل تلك الهزيمة، كانت النهضة قد قررت عدم ترشيح مرشح رئاسي في الانتخابات. والآن وقد خسرت الحكومة فلا منظور لها لأن تسيطر على الرئاسة أيضا".
مرشحون
ويشير الكاتب إلى أن ما زاد من مصاعب داعميها هو قرار مجلس الحركة التنفيذي في الأسبوع الماضي بعدم دعم مرشح معين من بين أكثر من عشرة مرشحين للرئاسة.
وقال علي العريض، السكرتير العام لحركة النهضة في تصريحات لـ"ميدل إيست آي": "طلبنا من بقية الأحزاب الاتفاق على مرشحين مشتركين وتقليص عددهم إلى ثلاثة أو أربعة، ما يعطي المرشح الرئاسي الحصول على أدنى دعم". مضيفا "لسوء الحظ لم يكن ممكنا، ولدينا الكثير من المرشحين".
وينقل التقرير عن محللين قولهم إن قرار النهضة عدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية، وفتحها الباب أمام مؤيديها لدعم من يريدون دعمه من المرشحين للرئاسة، هو آخر تنازل تقدمه الحركة في الثلاث سنوات الماضية، ويهدف لإظهار أن الحركة لا تطمح بالسيطرة على الحكم.
ويعلق العريض على هذا التحليل بقوله "هذا- التحليل- ليس خطأ بالكامل، مع أن استطلاعات الرأي لم تكن تضعنا في المقدمة في الانتخابات البرلمانية، في الوقت الذي قررنا فيه عدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية، لا نريد تخويف الناس، كما ان بناء الاحترام من أجل الديمقراطية ياخذ وقتا، ونقول إنه يجب علينا تقديم أعلى التنازلات حتى تستمر الديمقراطية".
ويجد ستيل أنه "في عام 2011 أشعلت الانتفاضة التونسية الربيع العربي. وبعد الثورة المضادة في مصر والفوضى في ليبيا والحرب الأهلية في سوريا، تظل تونس البلد الوحيد في الشرق الأوسط الذي لا تزال فيه شعلة الديمقراطية تضيء، وفي مناخ من النقاش السلمي البعيد عن العنف".
الكل ضدنا
ويضيف الكاتب "ومع ذلك يخشى الكثير من التونسيين من تعرض إنجازات الانتفاضة لتهديد بسبب المناخ السياسي المتوتر. وبدلا من سيطرة النهضة على الرئاسة والبرلمان، هناك فرصة من سيطرة (
نداء تونس)، الحزب المعادي للإسلاميين والمدعوم من عناصر في النظام القديم على البلاد، ومرشح الحزب هو الباجي قائد
السبسي".
ويبين الكاتب أن قيادة النهضة لا تزال تحاول النظر في أسباب خسارتها ثلث الدعم الذي حصلت عليه في عام 2011، وحصلت على نسبة 31% من الأصوات مقابل 39% من الأصوات التي حصل عليها "نداء تونس".
ويرى العريض أن الأسباب "كانت اقتصادية واجتماعية، فقد كانت توقعات الناس عالية بعد عام 2011". وأشار العريض إلى أن الحزبين العلمانيين اللذين شاركا النهضة في الحكم حصلا على نتائج أسوأ، فقد حصل حزب الرئيس التونسي المنصف المرزوقي "المؤتمر من أجل الجمهورية"، على أربعة مقاعد فقط مقارنة مع 29 مقعدا حصل عليها في انتخابات عام 2011. فيما خسر حزب التكتل الاشتراكي الديمقراطي كل مقاعده العشرين باستثناء واحد.
ويوضح العريض لـ"ميدل إيست آي": "لم نكن قادرين على إدارة حملة انتخابية جيدة وكان الإعلام ضدنا". فالبرامج الحوارية التي بثت على القنوات الفضائية الخاصة كانت معادية وبشكل شرس للنهضة. واتبعت رواية ما بعد الانتفاضة التونسية، والتي زعمت أن النهضة عملت بشكل قريب مع السلفيين، وأن النهضة لديها أجندة خفية لتطبيق الشريعة الإسلامية وبناء دولة إسلامية. فمعظم مديري تحرير البرامج في القنوات المملوكة من الحكومة تم اختيارهم من صحافيين معظمهم معادون للنهضة.
قاتلنا السلفيين
ويلفت ستيل إلى أن المؤيدين لحزب "نداء تونس" يتهمون النهضة بأنها غضت النظر على سيطرة الجماعة السلفية على عدد من المساجد في فوضى الأيام التي تبعت الإطاحة ببن علي. فقد تم عزل أئمة هذه المساجد وعين بدلا منهم أئمة من الجماعة السلفية.
وتولى العريض وزارة الداخلية في الحكومة التي تولت الحكم في كانون الأول/ ديسمبر 2011، ويقول "عندما وصلنا للحكم كان قد مضى عام على رحيل بن علي، فلماذا لم يتحرك الوزير السابق ويتخذ إجراءات ضد هؤلاء الأئمة، وقد اتخذت إجراءات عندما توليت المنصب، وفي الوقت الذي غادرت فيه الوزارة عام في آذار/ مارس 2013 لم يبق في يد السلفيين سوى 200 مسجد".
ويعلق فابيو ميرون، المقيم في تونس منذ وقت طويل والأكاديمي المستقل والذي أجرى أبحاثا حول السلفية "موقف النهضة الأولي كان القول إن هؤلاء الشبان السلفيين لا يعرفون الإسلام، ولكننا لن نعود للزمن الماضي ونلاحقهم بالقمع، ولكن عندما ظهر أبو عياض، زعيم حركة أنصار الشريعة في عام2011 وتحدث عن تشكيل جبهة مشتركة مع النهضة، إلا أن الاخيرة لم تقع في الشرك"، بحسب الموقع.
ويفيد التقرير أنه بعد اغتيال زعيمين علمانيين عام 2013 قامت الشرطة باعتقال عدد من أتباع أنصار الشريعة، حيث قالت إن لهم علاقة بالاغتيال، مع أن المحكمة لم تستمع بعد للأدلة. وفي هذه الفترة كان العريض رئيس وزراء، وقام بمنع أنصار الشريعة التي صنفت منظمة إرهابية.
ويرى الكاتب بأنها كانت لحظة مهمة في المرحلة الانتقالية في تونس نحو الديمقراطية، وأظهرت، كما يقول ميرون، أن النهضة ملتزمة باللاعنف والدستور.
وبحسب رأي ميرون فمنع أنصار الشريعة يفسر الملامح المتناقضة ظاهريا في الحملة التي يقوم بها التنظيم المعروف باسم تنظيم الدولة. فهناك 3.000 شاب تونسي يقاتلون في سوريا، وهو عدد أكبر من الشبان القادمين من السعودية والأردن ودول أخرى، ومعظم هؤلاء الشباب التونسيين انضموا لـ"داعش". ومعظهم كانوا عاطلين عن العامل وعاشوا في أحياء فقيرة، ولكن منظور حياتهم ودوافعهم للبحث عن مغامرة ليست واضحة بما فيه الكفاية لشرح أسباب سفرهم، حسب ميرون.
ويتابع للموقع "إن حظر أنصار الشريعة كان الحافز، فإن كان البقاء في تونس يعني الذهاب للسجن فمن الأولى إذا الذهاب إلى سوريا".
ويذهب ستيل إلى أن حركة النهضة، أعضاء وقيادة، تجد نفسها موزعة الآن بعد خسارتها قيادة الحكومة الشهر الماضي في الانتخابات، قبول دعوة محتملة لتشكيل حكومة مع المعارضة. ويقول حزب "نداء تونس" إنه سينتظر حتى يتم اختيار الرئيس الجديد قبل تشكيل الحكومة.
في المعارضة
ويقول ستيل إن قاعدة النهضة تميل نحو التخلي عن القيادة فيما تفضل القيادة دعم حكومة ائتلاف من أجل الاستقرار، وهو نفس الخط التي اتخذته النهضة خلال السنوات الثلاث الماضية.
وينقل التقرير عن محرزية العبيدي، نائب رئيس البرلمان المنتهية ولايته، وهي واحدة من السياسيات البارزات في حكومة النهضة، وفي البرلمان الجديد انخفض عدد النساء من حزب النهضة للثلث او 27 من بين 69 مقعدا. وتدعم العبيدي عمل النهضة في المعارضة، حتى لا تحمل مسؤولية المشاكل الاقتصادية التي ستواجهها الحكومة القادمة. وترى هذا أيضا واجبا ديمقراطيا قولها "أنا متحمسة لأن أكون في المعارضة، فقد اختارنا الناس كي نكون في المعارضة" حيث تحدثت إلى ميدل إيست آي، وأضافت "الأمر ليس بيدنا فالكرة في ملعب (نداء تونس)، ففي حالة دعونا للمشاركة في الحكومة فسنناقش الأمر في مجلسنا التنفيذي، ولكن سؤالي هو (ما هو البرنامج المشترك؟) تعزيز الحريات وتقدم الديمقراطية وضمان وتطبيق العدالة الانتقالية- فهذه أمور لا يمكن التفاوض حولهاـ ولكن ماذا ستكون أولويات الحكومة الاقتصادية" هي ترى أن على النهضة ألا ترتبط ببرنامج اقتصادي لحزب آخر.
البرنامج الاقتصادي
ويقول محللون مستقلون إنه لا يوجد فرق في البرنامج الاقتصادي لكل من النهضة وحزب "نداء تونس". وكما يقول شفيق بن روين، من المرصد التونسي للاقتصاد فكلاهما يتبع النيو- ليبرالية السياسية المفروضة على تونس ومصر وبقية العالم العربي من قبل البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي. وكما تعرف بشراكة دوفيل، فالبرنامج الذي قبله الحزبان يدعو لتخفيض النفقات الحكومية على الخدمات العامة، العمالة والضربية وغيرها من التنازلات للمستثمرين الأجانب. وقد تم الإعلان عن البرنامج في أيار/ مايو 2011 في قمة الدول الثماني في مدينة ديفويال، قبل أن تبدأ تونس وغيرها من الدول العربية مناقشة الخيارات الاستراتيجية حول النمو الاقتصادي، وفق الموقع.
ويذكر الكاتب أنه لم ينتقد حزب السبسي "نداء تونس" ولا النهضة شراكة دوفيل، حسب بن روين، الذي يقود جماعة من الاقتصاديين الشباب، والذين يطالبون بالرقابة والشفافية حول المنافع التي تحصل عليها تونس من التنازلات المقدمة للمستثمرين، وبينها الشركات الراغبة بالاستفادة من الزيت الصخري واستخراجه. ويقول بن روين "حزب (نداء تونس) والنهضة يتميزان بالبراغماتية، فهما يتبعان مطالب الاتحاد الأوروبي والمؤسسات المالية الدولية".
فرئيس الوزراء الذي كان في الحكم عندما تم تبني شراكة دوفيل هو نفس المرشح للرئاسة السبسي، ولكن النهضة هي التي تولت الحكم في تشرين الأول/ أكتوبر بعد التزام البلد بالشراكة وبرنامج القروض والشروط التي عوقبت عليها النهضة الشهر الماضي في الانتخابات. وفي تلميح لفشل البرنامج يقول بن روين إن "السبسي زرع عددا من القنابل الموقوتة التي انفجرت في وجه النهضة".
ويعتقد ستيل أنه مع ذلك فالنمو الذي حققته تونس يظل محترما بمعايير بريطانيا ومحور اليورو. فبعد انخفاضه بنسبة 1.9% عام 2011، ارتفع في عام 2012 إلى 3.6% إلى 2.6% العام الماضي. ولكن هذا النمو ليس كافيا لاستيعاب مئات الآلاف من الشباب الذين يدخلون سوق العمل كل عام، وهو ما أدى لتخلي قطاع كبير عن السياسة.
خطأ تسليم السلطة
ونقل ستيل عن إسلامي مستقل رفض ذكر اسمه، قوله إن الاقتصاد لم يكن العامل الوحيد الذي أدى لتراجع شعبية حركة النهضة في انتخابات الشهر الماضي. وقال "كان موقفهم ضعيفا عندما سلموا الحكم لرئيس وزراء وحكومة من التكنوقراط في كانون الثاني/ يناير، فقلة تعاملت مع التحرك على أنه محاولة لإظهار أن الإسلاميين لا يريدون التحكم بالسلطة، أما الناخبون العاديون فقد شعروا بـ(لقد انتخبناهم فلماذا تخلوا عن السلطة، لقد تخلوا عنا)".
ويشير التقرير إلى أن هذا الضعف ترافق مع تخبط النهضة في موضوع منع قادة التجمع الدستوري الديمقراطي البارزين، وهو الحزب الحاكم القديم من الترشح للانتخابات لمدة عشرة أعوام، ولكن عندما وضع المشروع للتصويت أمام البرلمان صوتوا- النهضة- ضد القانون، ويقول "كما كان هناك فشل في توضيح استراتيجيتهم العامة، فقد كانت صورة قديمة عن عقود العمل السري عندما حظر عليهم العمل العام، فلم تكن لديهم تجربة أو ممارسة في السياسة الديمقراطية".
ويتساءل الكاتب عن الكيفية التي سيصوت فيها أتباع النهضة يوم الأحد في ظل غياب مرشح رئاسي خاص بالنهضة ودون توجيه من القيادة.
وفي هذا السياق تتوقع محرزية العبيدي تصويت أعداد كبيرة منهم للمرزوقي. وهو المعارض ذو التجربة الطويلة ضد نظام زين العابدين بن علي، ولكنه علماني التوجه. وكان المرزوقي جزءا من الترويكا التي شكلتها النهضة عام 2011. وربما دعم البعض مصطفى بن جعفر، رئيس حزب التكتل، الحزب الثالث في الترويكا.
ويختم ستيل تقريره بالإشارة لقيام جماعة المرزوقي بعقد جماعات بحث، حيث توقعوا الحصول على أصوات كثيرة من حركة النهضة مع أن طارق الكحلاوي، أحد كبار المسؤولين في حملة المرزوقي قال لـ"ميدل إيست آي" إن هناك سببا آخر لعدم إعطاء الإشارة لأعضائها بدعم المرزوقي "طلبنا من النهضة عدم دعم مرشحنا ولا نريد أن نوصم بكوننا حزبا مؤيدا للنهضة".