يواجه التجمع
اليمني للإصلاح (
إخوان اليمن) انتقادات واسعة، لأدائه السياسي الذي وصف بالضعيف، خلال المرحلة الحالية التي تمر بها البلاد، ما ترك حالة من الاستياء والتململ بين أنصاره، الذين ارتفعت أصواتهم بسرعة، مطالبة بمراجعة مواقف الحزب سواء على المستوى السياسي أو الشعبي.
وتعرضت بعض كوادر الحزب للقتل، عقب سقوط صنعاء بيد جماعة "أنصار الله" (
الحوثي) في أواخر أيلول/ سبتمبر الماضي، إلى جانب تعرض مؤسساته للاقتحام والنهب، والتدمير أحيانا.
ويدرك قادة حزب الإصلاح، الحاجة لإعادة رسم الخطط والاستراتيجيات السياسية بناء على المتغيرات الراهنة، وهذا ما يثير أسئلة عدة منها، "متى يُراجع حزب الإصلاح (إخوان اليمن) أداءه السياسي؟"، وفق مراقبين.
ويرى رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الإصلاح، زيد الشامي، أن "الأداء السياسي لأي مكون سياسي متذبذب بين القوة تارة، وبين الضعف تارة أخرى، ويختلف من مرحلة الى أخرى. لكن هذا لا يعفي الحزب من إعادة النظر في حساباته السياسية، وهو مطالب في هذه المرحلة، أكثر من ذي قبل، بإعادة رسم خططه السياسية، ووضع استراتيجيات جديدة، تتعامل مع أسوء الاحتمالات خلال الفترات المقبلة".
ظاهرة صحية
وقال الشامي في حديث خاص لــ"عربي21" إن "مسألة المراجعة لأداء الحزب، أمر مستمر، لولا الظروف الاستثنائية التي تعصف بالبلاد، والتي حالت دون عقد الحزب مؤتمره العام، الذي سيجري عملية تقويم ومراجعة شاملة لمسيرته السياسية، واستيعاب كافة الملاحظات الهادفة لتجاوز مخرجات الأداء السابق للحزب في الفترة الماضية".
وتابع بأن "حالة التململ والاستياء في صفوف المنتمين للحزب ظاهرة صحية، تشير إلى أن الحزب ما يزال ينبض بالحياة، ورقما صعبا في الساحة السياسية اليمنية، ولن يقبل أي توجهات تهدف إلى تحجيم دوره السياسي، فضلا عن إقصائه".
وأشار الشامي إلى أن "الأمور حاليا مهيأة لمراجعة سياسيات الإصلاح، التي لم تكن في مسارها الصحيح، بسبب ضعف القيادات، وليس عبر ممارسات متعمدة"، موضحا أن "ما حدث نتاج طبيعي لمتغيرات سياسية فاقت كل التصورات، ولذلك فضل حزب الإصلاح اليمني تقديم المصلحة العامة، والتضحية بكوادره في مختلف المناطق، من أجل الحفاظ على السلم والأمن الاجتماعيين، غير مكترث بالتعامل غير القانوني الذي تمارسه بعض الأطراف، من خلال انتهاجها خيارات العنف والفوضى، التي نرفضها"، على حد قوله.
وعد البرلماني الشامي، موقف قادة الحزب في جنوب اليمن الداعم للانفصال عن الشمال، مجرد اجتهاد، الأمر الذي يدلل على أن "الحزب ليس لديه مركزية شديدة، حتى يصب الناس في قالب واحد، فمن حقهم أن ينتقدوا، لأن النقد فلسفة سياسية تحظى بمساحة واسعة بداخل الحزب، إلا إذا كان لديهم موقف له أبعاده الخاصة، فإنهم سيبقون في دائرة اللوم من قبل الآخرين".
وكان قادة من حزب الإصلاح في المحافظات الجنوبية، أعلنوا، في وقت سابق، وقوفهم مع خيارات أبناء الجنوب في الانفصال عن الشمال، وتقرير مصيره، فيما التحق العشرات من أنصار الحزب بساحات الاعتصام المقامة في مدينة عدن جنوب اليمن.
امتدادات إقليمية
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي، ياسين التميمي، إن "
التجمع اليمني للإصلاح، يعيش اليوم تجربة إقصاء صعبة، وغير مسبوقة منذ 21 أيلول/ سبتمبر 2014، لحظة سقوط العاصمة صنعاء بيد الحوثيين، والذي بات هدفا لثأر سياسي يتم تنفيذه من قبل أطراف منفلتة، تناغمت أجندتها المكشوفة، لا سيما رأس النظام الانتقالي".
وأضاف لـ"عربي21" أن "حزب الإصلاح يدفع ثمن مساندته وتبنيه لثورة الـ11 من شباط/ فبراير 2011، ويدفع كذلك ثمن نفوذه وحضوره على الساحة اليمنية، ولكونه أيضا امتدادا إقليميا للإسلام السياسي، فقد دخل في صراع وجودي مع امتدادات إقليمية أخرى للتيارات السياسية القومية واليسارية، لم تستطع الحالة الديمقراطية التي شهدتها اليمن وبعض الدول العربية تهذيبها".
موضحا أن ذلك يرجع لطبيعة الصراع بين هذه التيارات، التي أصبحت جزءا من التزام فكري وسياسي، سيطر على ذهنية منتسبيها من مختلف المستويات التنظيمية، على حد تعبيره.
وقال التميمي إن "إصلاحيي اليمن لا يواجهون التحديات ذات الطابع الخارجي فقط، بل يعيشون تحديات خطيرة داخلية، فهم للأسف لم يبذلوا جهدا كافيا لتحديث بنيته التنظيمية، وتأسيس تقاليد ديناميكية لتدوير السلطة في إطار التنظيم، ولم يتخذوا خطوات جريئة باتجاه تمكين الجيل الشاب من أعضائه، الذي نشأ في ظل بيئة سياسية منفتحة، وتلقى تعليماً عصريا".
وأضاف أن "حماسة الشباب ظهرت بشكل أكبر على صعيد الممارسة السياسية على عكس الجيل القديم الذي نشأ في ظل بيئة مختلفة، وبقي متأثرا بالأداء الدعوي، ما أبقى التربية التنظيمية صارمة، ولا يحتملها العقل المنفتح والأكثر تحررا لشباب الإصلاح".
ودعا التميمي قادة الحزب، إلى إعادة النظر في استراتيجيته السياسية الحالية، من خلال الاستفادة من تجربة الحزب الحاكم في تركيا ــالعدالة والتنميةــ التي تولد في رحمه تجارب عديدة في بيئة سياسية غير مواتية، ولكنه أفرز في نهاية المطاف تنظيما شابا استطاع أن يفرض وجوده في دولة علمانية متشددة، وكانت وسيلته في ذلك العمل بروح العصر والالتزام بقيم الدين في خدمة الناس وإدارة شؤون الدولة.
منوها أن الحزب يحتاج إلى قراءة التجربة التونسية لحركة النهضة الإسلامية، والاستفادة منها.
خلل في قيادة الحزب
وقال نائب رئيس الدائرة السياسية لحزب الرشاد اليمني، هاني الجبلي، إن "انتكاسة حزب الإصلاح بدأت من خلال ممارساته في ثورة 2011، والتي حملها على عاتقه، عندما غلّب الحزب العاطفة والانجرار وراء الوضع العربي العام على القراءة الواقعية لخصوصية الوضع اليمني، واستشراف مستقبل الثورة بشكل علمي وواقعي".
وأضاف أن رفض الحلول المطروحة التي عاد إليها حزب الإصلاح في نهاية المطاف فتح المجال إلى تدخل خارجي أجهض الثورة التي دفع الحزب ثمن مشاركته فيها غاليا، على حد قوله.
وقال الجبلي لـ"عربي21" إن "هناك تحديات ماثلة أمام حزب الإصلاح، أولاها الخلل الموجود في قيادته الحالية، وثانيها حالة الانتقام المعلنة من الرئيس السابق علي صالح، حينما تهيأت له ظروف لذلك، وثالثها المؤامرة الدولية على حركة الإخوان المسلمين عموما، وهو ما وقف الحزب أمامه عاجزا وخائفا بشكل أكبر".
وأشار إلى أن المؤامرة على الإخوان أوجدت نوعا من عدم الثقة داخل صفوف الحزب، وهو ما جعل الكثير من قادته في مختلف المستويات تطالب بمراجعة وتقييم أداء الحزب سياسيا، وإعادة النظر في شبكة تحالفاته.
ولفت الجبلي إلى أن "استغناء الإصلاح عن قيادات جناحيه الديني والعسكري بسهولة دون أخذه للاحتياطات اللازمة، والعزوف عن مواجهة محاولة الحوثيين السيطرة على العاصمة صنعاء، والاكتفاء بسياسة امتصاص الأزمة بحجة حقن الدماء وحفظ البلاد، أظهر خللا استراتيجيا يعاني منه الحزب".
وأضاف أن ذلك جعل قيادات الحزب هدفا سهلا للتمدد الحوثي في كل المحافظات اليمنية.
وحول موقف اصلاحيي جنوب البلاد الداعم للانفصال، قال الجبلي إن "الحزب يعتمد على سياسية الأخذ بالبدائل، ومن باب الاحتياط في التصرف السياسي لمواجهة احتمالات الخروج على مقررات مؤتمر الحوار الوطني، وهو موقف ليس بالجديد، وقد يكون من باب السباحة مع التيار، تجنبا لأي خسارة في الجنوب، والإبقاء على حضور الحزب -ولو بمسمى آخر- أولى من عدمه"، وفق تعبيره.