من المفاهيم التي انتهكت في جوهرها وتلاعبت بعض الخطابات والتصريحات بثوابتها وجرى تسميمها في المواقف والسياسات؛ مفهوم الأمن القومي والذي يقع ضمن "الكلمات المظلومة" المنتهكة والمغتصبة التي استبيحت في تكويناتها وفي تضميناتها، واستحقت لقب الكلمة المظلومة بظلم الانقلابيين لها حينما جعلوها مقولة لتبرير سياسات وتمرير خطابات وتزوير حقائق واستراتيجيات، وذلك في ظل خطاب هو أشبه بقنابل دخان تطلق هنا أو هناك للتغطية على مواقف سياسية واهنة تجعل من الثوابت التي تتعلق بالعدو الصهيوني تنهار ولا تقيم لها أي اعتبار.
مارس هؤلاء خطابا ـ خاصة الناصريون منهم ـ محاولين تقديم "المنقلب الرئيس" باعتباره "مُخَلّصا يمثل أبعادا استقلالية رافضا كل تبعية، ويقف في وجه الولايات المتحدة الأمريكية، أبعد من ذلك يروج هؤلاء وقوفه في مواجهة إسرائيل رغم أنه لم ينطق بكلمة واحدة عنها أو الموقف منها، ولكن شهدنا فيضانا في وسائل الإعلام الصهيونية يتضمن خطابا يؤكد على تطور العلاقات الاستراتيجية الصهيونية المصرية عقب الانقلاب العسكري، وأتت كل الأحداث بعد ذلك والتصريحات تنسخ وتنقض تلك الصورة التي حاول البعض اصطناعها، وسوغت خطابا تبعيا بامتياز برز ذلك الخطاب واضحا (سكوتا أو قولا) في أثناء العدوان الصهيوني الأخير على غزة وبعده، وبدت سياسات المنظومة الانقلابية تفعل كل ما من شأنه أن يُؤمن إسرائيل ويتحدث عن تنسيقات أمنية.
إلا أن الأمر الخطير وبعد تلك السياسات أن يرد ذكر إسرائيل ولأول مرة في تصريحات مباشرة لإعلامي القناة الفرنسية "فرانس 24" أو لصحيفة كورييري ديلا سيرا" الإيطالية، نضع هذه التصريحات نصا تحت بصركم حتى لا يتهمنا البعض بالمبالغة أو التقول أو التعسف في تبيان ذلك الخطاب ومضامينه.
ففي تصريحات المنقلب الرئيس لفرانس 24 قال : "لن نسمح أن تستخدم أراضينا لشن هجمات على إسرائيل جارتنا"، وفي حديثه مع الصحيفة الإيطالية، أكد على "استعداده لإرسال قوات مصرية إلى الدولة الفلسطينية بعد قيامها كضامن لأمن إسرائيل ولطمأنتها، وأنه تحدث طويلا مع نتنياهو في هذا الِشأن".
وضمن قراءة متأنية لمحتوى هذين التصريحين وتأثيرهما في تشويه وتزوير "مفهوم الأمن القومي المصري" والتلاعب به وبثوابته يمكن أن نرصد العديد من الملاحظات:
الأولى: الحديث عن إسرائيل بأنها تقع في دائرة الجوار، وهذا وصف حاول البعض تمريره وترويجه في إطار صياغة لمفهوم الشرق الأوسط الكبير، وفي محاولة لإدماج إسرائيل ضمن منظومة الشرق متوسطية والبحرمتوسطية في محاولة تطبيع وجود الكيان الصهيوني، والقبول به والرضا باغتصابه بل السعي للتعامل وتوطيد العلاقات معه، فبدت مقولة "الجوار الجغرافي تبرز في مقدمة المشهد الشرق الأوسطي وتحاول أن تطارد مفهومين من الأهمية بمكان في العلاقات العربية والإسلامية والدولية، وهما مفهوم الجوار الحضاري لدول أركان يمكن أن تكون فاعلة إذا ما أقامت علاقات سوية بين أركانها تتمثل هذه الأركان في مصر وتركيا والسعودية وإيران، وقد حرصت الاستراتيجية الشرق أوسطية الجديدة على أن تمارس كل ما من شأنه أن يؤدي إلى زرع كل صنوف العداوات والانقسامات بين هذه الدول، أما المفهوم الآخر فيتعلق بطبيعة الصراع مع إسرائيل باعتبارها كيانا صهيونيا مصطنعا؛ إنما تعد في حقيقة الأمر عدوا لا جارا، إذ يحمل في صميم عقيدته الاستراتيجية نفيا لأي كيان عربي أو إسلامي متصل أو ممتد، إسرائيل ليست جارا وإنما عدوا.
أما الثانية فأنها ترتبط بالدعوة وبشكل مبالغ فيه إلى "الحفاظ على أمن إسرائيل" ويجعل من أهداف تلك السياسات حماية أمن إسرائيل لا أمن هذه الدول، الأمن القومي المصري وفق هذا التصور يجعل من أولى أولويات اهتمامه حماية الأمن الإسرائيلي في طبعته الصهيونية، وتناسى كل هؤلاء أن هذا كيان مصطنع غاصب للأرض وللحقوق التأسيسية لشعب فلسطين بل ولأراضٍ عربية، تغييب مقولة الاحتلال والعدو المغتصب عمدا، تجعل من قبول سياسات الكيان الصهيوني الأصل والأساس ، مما حدا بالبعض الحديث حول "التصهين العربي".
أما الثالثة فتنصرف إلى ذلك الاهتمام الذي أكد عليه المنقلب الرئيس بشكل مباشر لضمان أمن إسرائيل حماية واطمئنانا، وكأن السياسات المصرية صارت جزءا من مفهوم الأمن الإسرائيلي ومتطلباته، وصارت طمأنة إسرائيل هدفا مصريا في حد ذاته، لاشك أن هذه الصورة تشير ليس فقط إلى تبديل مفهوم العدو ولكن الحديث عن إسرائيل ضمن حلف استراتيجي يهدف لتأمين متطلبات أمنها أهم أهدافه وكذا من أولى أولوياته.
أما الرابعة والأخيرة فمن المؤسف حقا أن يتزامن كل ذلك مع تصريحات تتضمن تصريحا وتلميحا إتهام حماس ووضعها في خانة العدو بوصفها بالإرهاب أو ممن يمارسون عملا سياسيا من منظور إسلامي، محاولا بكل طريق وفى إطار من خلط الأوراق، أن يستجدي عناصر المساندة من الدول الغربية وكذا الكيان الصهيوني. بينما في المقابل يتأكد بإشارات متكررة من الرئيس المنقلب إلى اتصالات متوالية ومتكررة بينه وبين قادة الكيان الصهيوني للتشاور حول أمور عدة والحديث عن مناشدة لرئيس وزراء إسرائيل "نتنياهو" بأن يعطي فرصة لسلام في المنطقة وهو أمر يصل ومن خلال تلك الخطابات والسياسات إلى مسار أبعد مما كان عليه الأمر من كون الرئيس المخلوع "كنزا استراتيجيا لإسرائيل"، تزامن كل ذلك مع اعتداءات إسرائيلية متكررة وعدوان صهيوني على قطاع غزة وسياسات تهويد القدس واستهداف المسجد الأقصى وتدنيسه، سياسات صهيونية لا تُقابَل إلا بصمت رهيب واعتبارات أمنية إسرائيلية تحتل الأولوية الكبرى في سياسات المنظومة الانقلابية.
جملة هذه التصريحات تشوه وتسمم "مفهوم الأمن القومي المصري"، وتهدد ثوابته، فلا يمكن اعتبار إسرائيل جارا بأي حال بل هي العدو الذي يوجب التعامل معه ضمن استراتيجيات تقوم على قاعدة أن الصراع مع الكيان الصهيوني صراع وجودي ومصيري، وأنه ليس صراع معابر وحدود ولكنه في حقيقة أمره صراع على البقاء والوجود، إن هذا يذكرنا بمقولة أستاذنا المرحوم "حامد ربيع" حول "الطبيعة المصيرية والحضارية لهذا الصراع " وامتداد ساحاته ومساحاته وهو ما ينقلب عليه الانقلاب في الاستراتيجيات والثوابت التي تتعلق بأمننا القومي، نقول وبأعلى صوت "أمن الكيان الصهيوني ليس أمننا"، "إسرائيل ليست جارا بل هي عدونا".
مارس هؤلاء خطابا ـ خاصة الناصريون منهم ـ محاولين تقديم "المنقلب الرئيس" باعتباره "مُخَلّصا يمثل أبعادا استقلالية رافضا كل تبعية، ويقف في وجه الولايات المتحدة الأمريكية، أبعد من ذلك يروج هؤلاء وقوفه في مواجهة إسرائيل رغم أنه لم ينطق بكلمة واحدة عنها أو الموقف منها، ولكن شهدنا فيضانا في وسائل الإعلام الصهيونية يتضمن خطابا يؤكد على تطور العلاقات الاستراتيجية الصهيونية المصرية عقب الانقلاب العسكري، وأتت كل الأحداث بعد ذلك والتصريحات تنسخ وتنقض تلك الصورة التي حاول البعض اصطناعها، وسوغت خطابا تبعيا بامتياز برز ذلك الخطاب واضحا (سكوتا أو قولا) في أثناء العدوان الصهيوني الأخير على غزة وبعده، وبدت سياسات المنظومة الانقلابية تفعل كل ما من شأنه أن يُؤمن إسرائيل ويتحدث عن تنسيقات أمنية.
إلا أن الأمر الخطير وبعد تلك السياسات أن يرد ذكر إسرائيل ولأول مرة في تصريحات مباشرة لإعلامي القناة الفرنسية "فرانس 24" أو لصحيفة كورييري ديلا سيرا" الإيطالية، نضع هذه التصريحات نصا تحت بصركم حتى لا يتهمنا البعض بالمبالغة أو التقول أو التعسف في تبيان ذلك الخطاب ومضامينه.
ففي تصريحات المنقلب الرئيس لفرانس 24 قال : "لن نسمح أن تستخدم أراضينا لشن هجمات على إسرائيل جارتنا"، وفي حديثه مع الصحيفة الإيطالية، أكد على "استعداده لإرسال قوات مصرية إلى الدولة الفلسطينية بعد قيامها كضامن لأمن إسرائيل ولطمأنتها، وأنه تحدث طويلا مع نتنياهو في هذا الِشأن".
وضمن قراءة متأنية لمحتوى هذين التصريحين وتأثيرهما في تشويه وتزوير "مفهوم الأمن القومي المصري" والتلاعب به وبثوابته يمكن أن نرصد العديد من الملاحظات:
الأولى: الحديث عن إسرائيل بأنها تقع في دائرة الجوار، وهذا وصف حاول البعض تمريره وترويجه في إطار صياغة لمفهوم الشرق الأوسط الكبير، وفي محاولة لإدماج إسرائيل ضمن منظومة الشرق متوسطية والبحرمتوسطية في محاولة تطبيع وجود الكيان الصهيوني، والقبول به والرضا باغتصابه بل السعي للتعامل وتوطيد العلاقات معه، فبدت مقولة "الجوار الجغرافي تبرز في مقدمة المشهد الشرق الأوسطي وتحاول أن تطارد مفهومين من الأهمية بمكان في العلاقات العربية والإسلامية والدولية، وهما مفهوم الجوار الحضاري لدول أركان يمكن أن تكون فاعلة إذا ما أقامت علاقات سوية بين أركانها تتمثل هذه الأركان في مصر وتركيا والسعودية وإيران، وقد حرصت الاستراتيجية الشرق أوسطية الجديدة على أن تمارس كل ما من شأنه أن يؤدي إلى زرع كل صنوف العداوات والانقسامات بين هذه الدول، أما المفهوم الآخر فيتعلق بطبيعة الصراع مع إسرائيل باعتبارها كيانا صهيونيا مصطنعا؛ إنما تعد في حقيقة الأمر عدوا لا جارا، إذ يحمل في صميم عقيدته الاستراتيجية نفيا لأي كيان عربي أو إسلامي متصل أو ممتد، إسرائيل ليست جارا وإنما عدوا.
أما الثانية فأنها ترتبط بالدعوة وبشكل مبالغ فيه إلى "الحفاظ على أمن إسرائيل" ويجعل من أهداف تلك السياسات حماية أمن إسرائيل لا أمن هذه الدول، الأمن القومي المصري وفق هذا التصور يجعل من أولى أولويات اهتمامه حماية الأمن الإسرائيلي في طبعته الصهيونية، وتناسى كل هؤلاء أن هذا كيان مصطنع غاصب للأرض وللحقوق التأسيسية لشعب فلسطين بل ولأراضٍ عربية، تغييب مقولة الاحتلال والعدو المغتصب عمدا، تجعل من قبول سياسات الكيان الصهيوني الأصل والأساس ، مما حدا بالبعض الحديث حول "التصهين العربي".
أما الثالثة فتنصرف إلى ذلك الاهتمام الذي أكد عليه المنقلب الرئيس بشكل مباشر لضمان أمن إسرائيل حماية واطمئنانا، وكأن السياسات المصرية صارت جزءا من مفهوم الأمن الإسرائيلي ومتطلباته، وصارت طمأنة إسرائيل هدفا مصريا في حد ذاته، لاشك أن هذه الصورة تشير ليس فقط إلى تبديل مفهوم العدو ولكن الحديث عن إسرائيل ضمن حلف استراتيجي يهدف لتأمين متطلبات أمنها أهم أهدافه وكذا من أولى أولوياته.
أما الرابعة والأخيرة فمن المؤسف حقا أن يتزامن كل ذلك مع تصريحات تتضمن تصريحا وتلميحا إتهام حماس ووضعها في خانة العدو بوصفها بالإرهاب أو ممن يمارسون عملا سياسيا من منظور إسلامي، محاولا بكل طريق وفى إطار من خلط الأوراق، أن يستجدي عناصر المساندة من الدول الغربية وكذا الكيان الصهيوني. بينما في المقابل يتأكد بإشارات متكررة من الرئيس المنقلب إلى اتصالات متوالية ومتكررة بينه وبين قادة الكيان الصهيوني للتشاور حول أمور عدة والحديث عن مناشدة لرئيس وزراء إسرائيل "نتنياهو" بأن يعطي فرصة لسلام في المنطقة وهو أمر يصل ومن خلال تلك الخطابات والسياسات إلى مسار أبعد مما كان عليه الأمر من كون الرئيس المخلوع "كنزا استراتيجيا لإسرائيل"، تزامن كل ذلك مع اعتداءات إسرائيلية متكررة وعدوان صهيوني على قطاع غزة وسياسات تهويد القدس واستهداف المسجد الأقصى وتدنيسه، سياسات صهيونية لا تُقابَل إلا بصمت رهيب واعتبارات أمنية إسرائيلية تحتل الأولوية الكبرى في سياسات المنظومة الانقلابية.
جملة هذه التصريحات تشوه وتسمم "مفهوم الأمن القومي المصري"، وتهدد ثوابته، فلا يمكن اعتبار إسرائيل جارا بأي حال بل هي العدو الذي يوجب التعامل معه ضمن استراتيجيات تقوم على قاعدة أن الصراع مع الكيان الصهيوني صراع وجودي ومصيري، وأنه ليس صراع معابر وحدود ولكنه في حقيقة أمره صراع على البقاء والوجود، إن هذا يذكرنا بمقولة أستاذنا المرحوم "حامد ربيع" حول "الطبيعة المصيرية والحضارية لهذا الصراع " وامتداد ساحاته ومساحاته وهو ما ينقلب عليه الانقلاب في الاستراتيجيات والثوابت التي تتعلق بأمننا القومي، نقول وبأعلى صوت "أمن الكيان الصهيوني ليس أمننا"، "إسرائيل ليست جارا بل هي عدونا".
شارك
المزيد من هذا الكاتب
