نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للصحافي جوناثان ليتل حول الطريقة التي تعاملت بها أميركا وبريطانيا مع موضوع المختطفين، وافتتح مقالته بالحديث عن تقرير استقصائي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" حول سياسيات الدول المختلفة عندما يختطف مواطنوها بالذات من قبل المجموعات الإسلامية.
وأيد المقال الموقف الأميركي البريطاني في عدم دفع
فدية للمختطفين، وقال إن سياسة الدول الأوروبية في دفع فدية سياسة خاطئة ومنحرفة، وقد تكون مجرمة، وكان العنوان الرئيسي للمقال: "عندما تدفع الدول الأوروبية الفدية فإنها تمول إرهاب القاعدة".
ويقول الكاتب إن المقال كان قد كتب قبل مقتل جيمز فولي وستيفين سوتلوف وديفيد هينز وألان هننغ وبيتر كاسنج، الذين قطعت رؤوسهم بعد رفض
بريطانيا والولايات المتحدة التفاوض حولهم مع
تنظيم الدولة الإسلامية، ما استدعى تدخلا عسكريا صخما ضد التنظيم.
ويضيف ليتل أنه قد انضمت إلى هذا التحالف في الحرب على تنظيم الدولة دول مثل فرنسا، التي كانت قد تفاوضت في السابق لإطلاق سراح مختطفين من رعاياها، ونجحت بعد دفع أموال للخاطفين. فمن الواضح أن هذه البلدان على عكس بريطانيا وأميركا تحس أن لديها مسؤولية أخلاقية لحماية رعاياها، وأن هذه القاعدة قد تؤدي أحيانا إلى تنازلات مرة (ويمكن الإضافة هنا إلى أن إسرائيل التي لا أحد يستطيع أن يتهمها بالضعف تلتزم بمبدأ مشابه).
ويستدرك الكاتب بأن سياسة هذه الدول المتعلقة بالرهائن في الغالب لا ترقى إلى السياسة؛ لأن لا أحد يعترف بها ولا أحد يناقشها بشكل بناء، فما يتم هو دفع الفدية للمختطفين، وإنكار الفعل بعد ذلك، مبينا "مع أنني لا أشجع على دفع الفدية إلا أنني أشعر بأن هناك حاجة للنقاش، فالمسائل ليست أسود وأبيض".
ويذهب ليتل إلى أن حجة من يعارض دفع الفدية مقابل إطلاق سراح
الرهائن هي أنها ستشجع على أخذ المزيد من الرهائن، بينما رفض التفاوض يثبط هذه الظاهرة. ويبدو هذا الرأي واضحا جدا في المملكة المتحدة، حيث احتوى قانون مكافحة الإرهاب على تجريم دفع الفدية، بما في ذلك عن طريق شركات التأمين.
لكنه يرى أن هذه الحجة معقولة لو كان المختطفون يخططون مقدما، ويختارون الرهائن حسب الجنسية، ولكن غالبية الناس يعلمون أن هذا غير صحيح وأنه في كل حالات الرهائن الكبيرة (مثل الشيشان بين عامي 1996 و 1999 وأفغانستان والعراق في أواسط العقد الماضي وسوريا منذ عام 2012) فإن من يقوم بالاختطاف عصابات صغيرة أو مجموعات مسلحة تقوم باختطاف من تجد في طريقها بشكل عشوائي، ثم بعد ذلك تفكر كيف ستستفيد منهم، وبعد ذلك قد يشتري تنظيم الدولة أو طالبان الرهينة من تلك المجموعة الصغيرة.
ويشير الكاتب إلى أنه من الواضح أن عدم رضوخ أميركا وبريطانيا لمطالب تنظيم الدولة لم يشكل رادعا له، حيث كان الجهاديون الثلاثة البريطانيون منسقو الاختطافات يعلمون بسياسة البلدين بهذا الخصوص، ولكن لم يمنعهم هذا من السعي للحصول على خمسة رهائن آخرين، بعد فولي وكانتلي، موضحا "كما أخبرني أحد المختطفين الأوروبيين السابقين لدى تنظيم الدولة أن (البيتلز)، وهو الاسم الذي أطلقه المختطفون على الجهاديين البريطانيين الثلاثة كانوا يعلمون أنهم إن لم يستطيعوا التفاوض حول الرهائن البريطانيين والأميركيين فإن بإمكانهم استخدامهم في فيديوهات الدعاية".
ويذكر ليتل أن جون كانتلي كان أخبره بأن أحد عناصر التنظيم قال له: "نحن نعرف أنكم لا تعنون شيئا بالنسبة لحكوماتكم، ولكن أنتظر حتى يتجمع لدينا المزيد منكم".
ويجد الكاتب أن هذه الحقائق لم تمنع إصرار إدارة أوباما على تبرير موقفها بالزعم بأن عدد الرهائن البريطانيين والأميركيين أقل من الأوروبيين، أو أن القاعدة توقفت عن السعي لاختطاف أميركيين.
وقد تدعم الأرقام المجردة هذا الادعاء، كما يقول، إلا أنه لا يمكن النظر إلى الأرقام دون اعتبار لعدد البريطانيين والأميركيين الذين كان يمكن لتلك المجموعات اختطافهم، فبالرغم من وجود أعداد كبيرة من البريطانيين والأميركيين في العراق وأفغانستان (عدا الجنود)، إلا أن معظمهم موظفون حكوميون يعيشون في مناطق عليها حراسة مشددة، ويتنقلون تحت حراسة مشددة، ففرصة اختطافهم ضئيلة.
ويعتقد الكاتب أن هذه السياسة لا تحمي الصحافيين وعاملي الإغاثة الذين يرغبون في العادة بالعمل باستقلالية، مع أن أميركا نجحت في تحديث آلة الدعاية العسكرية عن طريق ضمها لصحافيين للعمل مع الجيش.
ويتهم ليتل إدارة أوباما بالنفاق، حيث كانت على استعداد لإطلاق سراح خمسة سجناء مهمين من طالبان مقابل جندي أميركي، بينما رفضت التفاوض بشأن فولي وكاسنج، بالإضافة للمرأة الأميركية التي لا تزال بأيدي تنظيم الدولة، ولا تستطيع الإدارة تبرير هذا التناقض.
ويفيد المقال بأن هناك طرقا أخرى غير تبادل السجناء أو دفع الملايين لتحرير الرهائن، ففي عام 1998 دفع المليونير الروسي بيرزوسكي مليونا ونصف دولار لإطلاق سراح رهينتين بريطانيتين في الشيشان، وقالت بريطانيا في وقتها إنها لم تدفع شيئا، ولجأ بيرزوسكي إلى لندن عندما اختلف مع بوتن.
ويتابع بأنه تم حديثا إطلاق سراح بيتر كيرتس من يد جبهة النصرة بوساطة قطرية، وقيل إنه لم يتم دفع أي فدية، وسواء دفع شيء أم لم يدفع فإنه تم إطلاق سراح رهينة، ولم تتنازل أميركا عن مبادئ تعاملها.
ويلفت الكاتب إلى أن النقطة الأخيرة هي أنه عندما تم قتل رهينة روسي بعد رفض روسيا دفع فدية لم تكن هناك ضجة إعلامية، ولكن عندما قتل جيمس فولي تم جر بريطانيا وأميركا إلى حرب ثالثة في الشرق الأوسط خلال ثلاث عشرة سنة، وهما الدولتان اللتان رفضتا التدخل عندما استخدم الأسد الأسلحة الكيماوية ضد شعبه بالرغم من كل التحذيرات والخطوط الحمر.
ويوضح الكاتب أنه "ليس هنا المجال للحديث عن إيجابيات وسلبيات الحرب، ولكن أريد القول بأن حكومتينا اتخذتا القرار بعد تردد؛ بسبب الرأي العام. وكان تنظيم الدولة يعرف جيدا ما كان يفعله عندما قتل فولي والآخرين، ربما لأنه توقع أن ضرب التحالف له يكسبه قبولا أكبر ويساعده في تجنيد المزيد من الشباب".
ويختم ليتل مقاله بالإشارة إلى أنه بالنسبة لباراك أوباما وديفيد كاميرون فإن الثمن السياسي لموت رعاياهما رهائن، أثبت أنه أعلى بكثير من أي حل تفاوضي. فعندما تسمح سياساتك لعدوك بإملاء القرارات عليك، خاصة في مسائل مصيرية مثل الحرب، فهذا يعني أن تلك السياسات بحاجة لمراجعة.