طُرِحت العديد من علامات الاستفهام مؤخرا حول الاندفاع العالمي بقيادة الولايات المتّحدة لمحاربة
إرهاب يبدو أنّ تعريفه محصور على جماعة معيّنة تحسب نفسها أنها تنتمي إلى المذهب السنّي، فيما تترك مجموعات إرهابية لا تقل خطورة وفتكا وتنتمي إلى كل ما هو خارج إطار الأولى، وتبقى حرةّ طليقة لا تكتفي بقتل الأبرياء والمدنيين بمن فيهم النساء والأطفال والرضّع بمختلف أنواع الأسلحة والأدوات الحادة التي تستخدمها للذبح والطعن والخرق مرورا بالحرق والخنق والتقطيع و"الدريل" ودفن الناس أحياء.
والحقيقة أنّ استهداف المجتمع الدولي للمجموعات التي تحسب نفسها سنيّة وتجاهل تلك الشيعية على سبيل المثال لا يمكن اعتباره صدفة. لا يمكن الجزم بأنّ ما يحصل مجرّد مؤامرة، لا بد من أنّ هناك تفسيرا آخر لذلك، صحيح أنّ القوى الكبرى (لاسيما
الغرب) تعتبر الأقليّات جزءً من استراتيجيتها لمراقبة الأغلبية وإدارتها، إن صح التعبير، وللحفاظ على موازين القوى التي أقامتها، وتتدخل لحمايتها كلما شعر أنّ قدرتها على توظيفها ضد الأغلبية أو الاستفادة منها آخذ في الانحسار، لكن ذلك لا يكفي لوحده لأن يكون السبب.
المدقق بعمق في الحالات المتعلقة بإفلات الميليشيات الشيعية الإرهابية من العقاب الدولي، سيجد أسبابا موضوعية، لعل أهمها برأينا:
أولا: الجماعات الإرهابية الشيعية في غالبيتها الساحقة تتبع عضويا أو وظيفيا لدولة واحدة لديها مشروع قومي إقليمي وتعمل بشكل جدي وبلا كلل وملل لتحقيقه وهي إيران. القضاء كليا على هذه المجموعات قد يتطلب مواجهة إيران نفسها وهذا لا ولن يحصل لأسباب كثيرة ليس هذا المكان المناسب لشرحها. أضف إلى ذلك، تنقل إيران خبراتها الإرهابية كدولة إلى هذه المجموعات وهو ما يكسبها قوّة وعمق وقدرات وخبرات غير متاحة لأي جماعات أخرى تعمل من تلقاء نفسها أو بنفسها لنفسها. كما انّ قادة الإرهاب في إيران لا يمارسون إرهابهم من وراء مكاتبهم وإنما ينزلون إلى الساحة لتوجيه العمليات بأنفسهم حينما يكون حاجة لذلك.
في المقابل، فإن الجماعات التي تنسب تفسها إلى المقلب الآخر جماعات فوضوية، لا تأتي كفعل وإنما كردة فعل، ولا تتبع لأي دولة ولا يوجد سلطان لأحد عليها، وهي متفلته من أي مشروع حقيقي، وهذا يجعلها أخطر بطبيعة الحال على أي طرف آخر لناحية فوضوية مشروعها وانتحارية فكرتها، ولكنه يجعلها في نفس الوقت ضعيفة ويغري الأطراف الأخرى بالهجوم عليها، وهذا ما يفسر تعرضها الدائم للهجمات.
ثانيا:
الجماعات الشيعية بما فيها المتطرفة والمذهبية والإرهابية تتفاعل مع السياسة والمعطيات السياسية وتقرأ موازين القوى والظروف الدولية بما يتوافر لديها من معطيات، أو من خلال ما يأتيها من أوامر وتعليمات، وهذا يتيح لها مرونة في التعامل مع المتطلبات الواقعية ويطيل من عمرها (فن البقاء)، بينما الجماعات في المقلب الآخر لديها جهل مطبق بالسياسة ولا تعترف بوجود قواعد للمصالح ولا تقيم وزنا لموازين القوى او الربح والخسارة وهذا ما يجعل التعامل معها بأي حال من الأحوال مضيعة للوقت في ظل المعادلة الصفرية القائمة ويلغي كل الخيارات الممكنة، مقدّما الخيار العسكري الى الواجهة للقضاء عليها.
ثالثا: نظريا، تبدو الجماعات الشيعية في حالة هجوم لفظي دائم على الغرب، إلا أنّها عمليا تتفادى الاشتباك الحقيقي معه، وإذا حصل ذلك فإنه يقتصر على بعض الحالات المحدودة جدا والتي تكون مدروسة بعناية وموجّهة ويكون الهدف منها إما إرسال رسائل وإما المساومة، مع التشديد على تشتيت تضامن القوى الكبرى أو تحييد بعضها، وهو ما يؤسس لعلاقة قائمة على الرسائل.
أما الجماعات التي تنتمي إلى المقلب الآخر، فإن غالبيتها يضع محاربة الغرب لفظيا وعمليا، ظاهريا وباطنيا كأولوية غالبا، ودون تفريق بين دولة وأخرى وهو ما يجعلها في مواجهة العالم أجمع، وهذا عمل أخرق في أحسن الاحوال.
رابعا: الجماعات الشيعية لا تقول إنها تسعى إلى دولة شيعية إسلامية ولا تعرف نفسها أو دورها من خلال ذلك عند كل مناسبة كبيرة أو صغيرة رغم معرفتنا وإدراكنا لطبيعة تكوينها وتكوين أعضائها الطائفي ولمركزية الفكر والسلوك والتصرف الطائفي، وبالتالي الهدف النهائي من ذلك، بل تغطي نفسها بالكثير من الشعارات البراقة (الدفاع عن المظلومين، المحرومين، حقوق الأقلية....الخ)، وتتفادى استثارة حفيظة الطرف الذي من الممكن أن يؤذيها إذا لم تكن قادرة على مواجهته (
التقية والكتمان).
في المقابل لا توفر الجماعات في المقلب الآخر أي فرصة لبعث البعبع الإسلامي والدولة الإسلامية (الجوفاء التي لا تمثل على الإطلاق أي شيء اسلامي) والتي يتم إنشاؤها مع توافر أول مجلة الكترونية وعلم والقليل من الأسلحة مع الكثير من أفلام الذبح وربما بعض المغردين!
خامسا: الجماعات الشيعية تحرص على أن تتحالف مع من يمكن التحالف معه داخلا وخارجا، وعلى الاستقواء بالبيئة التي تنبع منها، فتبقي خياراتها مفتوحة إزاء ذلك وتدفع بشكل خاص باتجاه التكتل مع الأقليات الأخرى التي تحظى بموقع هام لدى الغرب، كما تحرص على اختراق الأكثرية (التي تمثّل الآخر) بحيث يكون لديها رجالها فيها، وغالبا ما يكون هؤلاء أكثر العناصر فعالية في إبطال مفعول الأغلبية ونقل المعركة إلى ساحة الآخر وإلى عقر داره.
أمّا الجماعات التي تنتمي إلى المعكسر الآخر، فهي تحارب أول من تحارب الجماعات التي من المفترص أنها حليف محتمل لها، ثم تنتقل للاعتداء على البيئة السنيّة التي من المفترض أنها تدافع عنها لتكسب موافقتها في أن تكون بيئتها الحاضنة! باختصار هذه المجموعات التي تدّعي أنها تدافع عن السنة وحقوقهم هي أول من يعتدي عليهم ويساعد الآخرين على الاعتداء عليهم أيضا من الغرب والشرق، والخارج والداخل.
سادسا: الجماعات الشيعية تقوض الدولة العربية لكن تبقي هيكلها قائمة لتحكم من خلالها، وفي بعض الأحيان تكسر أرجل الدولة ثم تدّعي أنها بمثابة أرجل اصطناعية لها ترتكز عليها، والهدف من كل ذلك هو التحكم بالدولة بشكل كامل مع التهرب من الأعباء المترتبة على ذلك. بمعنى آخر، الاستفادة القصوى من مقدرات الدولة والتحكم بها وذلك بأقل التكاليف الممكنة وأدنى الأعباء المتوقعة. بالإضافة إلى ذلك، يخلق هذا الوضع أيضا صعوبة في استهداف هذه المجموعات الشيعية من قبل الخارج حيث تتخذ الدولة وشعبها كرهينة، وفي كثير من الأحيان يصبح من غير الممكن الفصل عمليا بين حدود الجماعات هذه وحدود الدولة مع بقاء الفارق النظري بينهما.
بينما الجماعات في المقلب الآخر تدمر الدولة وأركانها ومؤسساتها تماما وتحل محلها بشكل كامل ومكشوف مما يجعلها تتحمل أعباء وتكاليف القيام بدور الدولة دون أن تكون حقيقة مؤهلة أو قادرة على القيام بذلك، بالإضافة إلى انّ ذلك يجعلها مكشوفة وسهلة الاستهداف.