"
الوهراني" للمخرج إلياس سالم،
فيلم جزائري، عرض ضمن فعاليات
مهرجان قرطاج السينمائي في تونس (29 تشرين الثاني/ نوفمبر - 6 كانون الثاني/ ديسمبر 2014)، في إطار المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة من بين تسعة
أفلام عربية وخمسة أفلام افريقية.
"الوهراني" مدته 128 دقيقة، وهو ثاني فيلم روائي طويل للمخرج الجزائري بعد فيلمه "مسخرة" الذي رشح لنيل جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي سنة 2008.
ويشارك في بطولة الفيلم، المخرج إلياس سالم في دور جعفر الوهراني، وخالد بن عيسى الذي أدى دور حميد.
ويجسد فيلم "الوهراني" التاريخي صورة لمجاهدي الثورة الجزائرية (1954) برؤية سينمائية نقدية بعيدة عن الصورة النمطية في كتب التاريخ، ويطرح الفيلم مشكلة الهوية واللغة في الجزائر بعد الاستقلال.
وخلال تقديم الفيلم للجمهور، قال إلياس سالم "راودتني فكرة الفيلم بعد اندلاع الثورة في تونس (2011)، وفكرت في أن أكتب عن ثورة تحرير الجزائر، لقد ألهمتني الثورة التونسية وشرعت في البحث والكتابة لمدة ثلاث سنوات".
وفي بداية الفيلم، يركب حميد برفقة جعفر سيارة ليلتحقا بالمجاهدين في الجبال، ويجتازان كمائن نصبتها قوات الاحتلال الفرنسي، وتظهر فجأة امرأة ترتدي السفساري (لحاف ترتديه النساء في المغرب العربي) أمام السيارة، وتصعد دون أن يدور حديث بينهم.
وقبل اجتياز الكمين، تنزل المرأة وتخلع رداءها، وتنطلق نحو الجبل، وتصيح: "تحيا الثورة"، ويتساءل جعفر: من تكون هذه المرأة؟ فيجيب حميد مبتسما: إنها الثورة.
يقف فريد على ناصية الطريق، ويطلب جعفر من حميد أن يتوقف ليقلّا صديقهما الهارب من كمين للقوات الفرنسية في طريقٍ جبليٍ ناءٍ، لكن حميد لا يتوقف، ويواصل السير بسرعة، وسط استهجان مرافقه الذي كان يردد: توقف حميد إنه فريد؟
فسيارة الثورة ستحمل على متنها حميد وجعفر اللذين سيتقلدان المناصب بعد الثورة، وسيتخلف المجاهد فريد الذي سيتم تصفيته لاحقا.
الفيلم يتحدث عن قصة ثلاثة مجاهدين جزائريين في العشرينيات من عمرهم: فريد الثوري حلم بالحرية وبالديمقراطية، وآمن بأن الثورة هي ثورة هوية وثورة فكرية ضد الفساد والاستبداد، ويجب أن تتواصل.
جعفر (الوهراني) الحالم آمن بأن الثورة ليست سوى خطوة أولى نحو تقدم الجزائر وتطورها الاقتصادي، حلم بأن تصبح الجزائر أكبر مصدر للخشب، وتولى بعد الثورة إدارة مصنع للأخشاب، وآمن بأن عشر سنوات ستكون كفيلة لترسل الجزائر أول مركبة للفضاء.
حميد "الانتهازي" الذي اعتبر أن الثورة غنيمة، وسلم للمناصب والنفوذ، سكن القصور فور رحيل فرنسا، وتزوج بأكاديمية أمريكية جميلة، ودخن السيجار الكوبي الفاخر، وأصبح يركب أضخم السيارات، ويُسيِّر الحزب و البلاد.
فبين الثوري والمتأمل والانتهازي تدور أحداث الفيلم.
لم تمض الأحداث بشكل تصاعدي، بل تمازجت مشاهد الماضي بمشاهد الحاضر، وسار الزمنان الدراميان بشكل موازٍ.
الفيلم يدور في زمنين: الأول زمن الثورة، التي تلاها الانتصار العظيم الذي قضى نهائيا على الجمهورية الرابعة في فرنسا، وأنهى احتلالا جائرا تواصل 132 سنة بالتمام والكمال، واستقلت الجزائر بفضل مجاهدي الثورة الجزائرية الذين أصبحوا لاحقا رجال الحكم والسياسة، فلا شرعية بعد ذلك إلا لقادة الثورة.
والزمن الدرامي الثاني يدور في الثمانينات، أي بعد أكثر من 20 سنة من اندلاع الثورة وتقلد المجاهدين لزمام الحكم، وهو زمن اعتباري تقييمي رصد من خلاله المخرج الخيبة و الصدمة.
يتزوج حميد بأكاديمية أمريكية حسناء، ويقيم حفلا مرموقا حضره الضيوف الأجانب والمجاهدون والصحفيون، ويخطب حميد في الحضور قائلا: الجزائر تحتاج لرجل واحد لكي تنهض.
بينما يرفض جعفر أن يتزوج، بعد أن فقد زوجته عندما كان في الجبل، وأمضى حياته في العمل بمصنع الخشب، وتربية ابنه الأشقر ذي الملامح الفرنسية، الذي يتضح في نهاية الفيلم أن هذا الابن المزيف ليس إلا عنوانا لشرفه المهدور.
أخفى حميد عن جعفر لأغراض سياسية بأن ياسمين زوجته اغتصبها ضابط فرنسي بعد انتصار الثورة، لان جعفر لن يقبل بانتصار مشَوّه.
يواصل حميد التحكم باللعبة، وبتطويع رفاقه في النضال، وسيقنع فريد المعارض الشرس لسياساته وتوجهاته بالتوجه إلى الخارج للدراسة، وبعدها سيقوم بتصفيته جسديا.
الثورة يصنعها الشرفاء، ويرثها ويستغلها الأوغاد، هكذا قال جيفارا، وانتصر الوغد، وصُفِّيَ الشريف، وأزيح الحالم.. هكذا صور الفيلم الثورة الجزائرية التي انتهت بين قبضتي رجل واحد.
ويمثل الفيلم قراءة فنية وسينمائية لتاريخ الجزائر، ففريد وحميد وجعفر ليسوا سوى إسقاطات لشخصيات سياسية جزائرية، كانوا في الماضي رفقاء، ثم تقاتلوا في ما بعد من أجل النفوذ والسلطة.