تبدو جماعة
الإخوان المسلمين في أشد محنها على الإطلاق منذ تأسيسها في بدايات القرن العشرين ورغم كل ما مرت به الجماعة من مواجهات مع الأنظمة المختلفة إلا أنها كانت تخرج من كبوتها وتتعافى من الضربات التي وجهت لها وتستأنف انتشارها وتمددها من جديد ، إلا أن العامل المختلف في هذه المواجهة أن الجماعة وصلت للسلطة وجلست على هرمها بكل ما تحمله السلطة من أثقال وتبعات لا يمكن التنصل منها.
على المستوى السياسي تزداد عزلة الإخوان بعد انهيار تحالف دعم الشرعية وانسحاب أغلب مكوناته وكان أخرها حزب الاستقلال الذى كتب رئيسه مجدى أحمد حسين من خلف أسوار معتقله قائلا (إن استمرارنا في هذا التحالف الذي لا يأخذ برأينا في أمور نعتبرها جوهرية وأساسية، بل سبب ضياع الثورة يضعنا في موقف ذيلي للإخوان، كما أن هناك مسألة شخصية لابد من طرحها، فأنا غير مستعد أن أنهي حياتي بالسجن بتهمة التبعية للإخوان، ولطالما كانت لدي آمال كبيرة أن يتغيروا، ولكن القيادة الراهنة لا أمل فيها، وسنظل نحب ونأمل خيراً في القواعد والشباب، مرة أخرى لست مستعدًا أن أنهي حياتي الشخصية، والسياسية بهذه التهمة السخيفة (أنني أعمل تحت راية الإخوان)؛ لأنني أرى أن
مصر والحركة الإسلامية لن يتجاوزا الأزمة الراهنة إلا بتجاوز مدرسة الإخوان التي انتهى دورها التاريخي.
تخبط الرؤى وعشوائية القرارات وغياب منهج استراتيجي واضح في التعامل مع الواقع السياسي الذى أعقب 3 يوليو قاد الجماعة لرهانات خاطئة ساعدت السلطة على استنزافها وإضعاف تأثيرها اعتمادا على إطالة أمد الصراع وتوجيه ضربات مفصلية تتحرك بالتوازي معها ألة إعلامية جبارة نجحت في شيطنة الإخوان على مستوى شعبي واسع مازال الإخوان يرفضون تصديقه ويعتبرونه دعاية مضادة تجاههم رغم أن الواقع اليومي يؤكد ذلك.
أما على المستوى السياسي والثوري فلا أحد يرغب في وضع يده في يد الإخوان مرة أخرى ليس خوفا من النظام ولكن فقدانا للثقة في جماعة الإخوان التي خسرت كل من أحسن بها الظن يوما واعتقد إمكانية اندماج الإخوان في المعسكر المناصر للثورة خلال الفترة الانتقالية الأولى بل وحتى عقب وصول الإخوان للسلطة ، خذل الإخوان الجميع فلم يجدوا بعد ذلك من يتحالف معهم أو يقبل التنسيق رغم الاجتماع على معارضة السلطة الحالية والتضرر من وجودها.
يرى الإخوان الأن أنهم هم الثوار فقط وأن الكل خذلهم وأن التضحيات التي قدموها منذ بداية المواجهة الأخيرة تجعلهم في مقدمة الصف الثوري ويرى الأخرون أن هذه التضحيات لم تكن لأجل الثورة بل لصالح الصراع على السلطة إذ كان المطلب الرئيسي لحراك الإخوان هو عودة مرسى ، ومازالت جميع القوى السياسية في مصر لم تتعلم الدرس وتدرك أنه لا يوجد فصيل واحد يستطيع بمفرده صناعة ثورة ولا تحقيق ضغوط تؤدى لإصلاحات جذرية مهما كان حجمه.
تنظيميا هناك ثلاثة أنماط من السلوك بين أعضاء تنظيم الإخوان ، الأول تيار يتمسك بالتشدد ويرفض فكرة المصالحة السياسية مع النظام الذى تورط في الدماء ويرى كل القوى السياسية الأخرى خونة وانقلابيين ويعتقد أنه لا بد أن يكمل بنفس الطريقة الصفرية التي يحصل فيها على كل شيء أو يفقد كل شيء.
أما التيار الثاني فهو الصوت الرافض لممارسات قيادة التنظيم والكافر بقدرتهم على القيادة والذى يُحّمل هؤلاء القادة مسئولية ما آلت إليه الأوضاع ويرى أنه لا أمل في تغير الأوضاع قبل تغير هذه القيادة واستبدالها بقيادة جديدة تتعامل مع الواقع وتنقذ الجماعة من الهاوية التي آلت إليها ، وهذا الصوت يعلو يوما بعد يوم في كتابات وتدشينات وبيانات تنبئ عن حراك داخلي تأخر كثيرا.
التيار الثالث هو التيار الدعوى الذى يرى أن التورط والانغماس في السياسة بهذا الشكل قد قضى على العمل الدعوى وقلص مساحاته وهذا التيار يرى ضرورة الابتعاد عن السياسة كلية وأخذ هدنة لترتيب الأوراق والعودة للمجتمع من خلال العمل الدعوى والاجتماعي.
تتوارد أنباء غير مؤكدة عن نية التنظيم في إزاحة وجوه قيادية تقليدية مثل الدكتور محمود حسين وغيره من الذين صاروا محل انتقاد وهجوم شديد من شباب الإخوان ، وفى حال حدوث ذلك فإن هذا يعنى سعى الجماعة لإنقاذ التنظيم وامتصاص الغضب الداخلي والاحتقان الذى صنعه خلق هذه المواجهة المفتوحة مع النظام دون أي استعداد لعواقبها واستمرار التضليل القيادي للصف كما وصفه أحد الشباب في مقاله الذى يعبر عن حالة حقيقية داخل التنظيم تحمل المسئولية للقيادة الشائخة ، لقراءة المقال الهام ( حلوها يرحمكم الله ) يمكن الدخول على الرابط :
https://www.sasapost.com/opinion/the-muslim-brotherhood/
خسر الإخوان معركة السياسة لا شك لكن معركة التنظيم لديهم هي الأهم وهى المعركة الأصعب التي تحتاج لجرأة وإحساس بالمسئولية سواء من القيادة أو من الصف الذى إن لم يزداد حراكه وضغطه ستبقى الأمور على ما هي عليه ليستمر مسلسل الانهيار والتراجع يوما بعد يوم ، ما تدفعه جماعة الإخوان المسلمين اليوم هو نتاج الترهل الداخلي وعدم تجدد الأفكار لدى القيادة ذات الأفكار الشائخة وأسيرة التجارب التاريخية الأليمة التي أصر هؤلاء على تكرارها بمستويات أشد من الصراع وبمزيد من التضحيات التي لا مقابل لها ولا أفق يبرر بذلها.
لو يعيد الإخوان الأن ترتيب أولوياتهم سيدركون أن معركتهم الأولى داخل تنظيمهم وأنهم لن يستطيعوا مواجهة أي نظام قبل أن يتحرروا من أسر هذه القيادة والعقلية التي أوردتهم المهالك بسوء تدبيرها وبسذاجتها ، لن يفيد الإخوان تخوين القوى السياسية الأخرى والمزايدة عليها ولن يفيدهم زيادة عدد المعتقلين ولا سقوط مزيد من الشهداء بل سينقذهم حراك داخلي ومراجعات جذرية تنتشل الجماعة من بئر السقوط وتوقف النزيف والثمن الذى يُدفع بلا مقابل ولا نفع يرتجى ، هل يحمل الأفق القريب إشارات لبدء التغيير أم تهدر الجماعة الفرصة وتكمل مسلسل الانتحار ؟ الكرة في ملعب الصف الإخوانى وسنرى اختياراته.