كثير من اللاجئين السوريين في مخيم الأزرق يشعرون أنهم في سجن ـ ميدل إيست آي
رصدت ميدل إيست آي في تقرير إنساني لها بمناسبة إعلان الأمم المتحدة عن تعليق توزيع المساعدات الغذائية على ما يقرب من 1.7 مليون لاجئ سوري، صورا لمعاناة اللاجئين وما يعانونه بمخيمات لجوئهم في الأردن.
وقابل الموقع عددا من الأشخاص الذين يقطنون بمخيم الأزرق للاجئين السوريين في الأردن، واستطلع آراءهم حول العديد من القضايا التي تظهر حجم المعاناة والمشقة التي يكابدونها، وكيف سيزيد الشتاء القاسي حياتهم قسوة إلى قسوتها.
وتاليا، نص التقرير:
قليل من السلوى هذا الشتاء في مخيم الأزرق للاجئين السوريين
قال اللاجئ السوري غازي شحاده: "لقد هاجمت قوات النظام بيتي، ونهبوه وأضرموا فيه النيران". وأضاف: "تقع قريتنا في شمال سوريا، ولكننا لم نذهب إلى تركيا، بل غادرنا إلى الأردن نظراً لأننا نشترك مع الناس هناك في نفس العادات القبلية، ولأنهم في الأردن سيفهموننا بشكل أفضل، وظننا أنهم لن يعاملونا كغرباء".
ولكن بعد ثلاثة أعوام بالضبط على وقوع الحدث الذي غير مجرى حياته، يقول شحاده إنه لم يعد متأكداً من أنه اتخذ القرار الصحيح. ففي ظل شح الموارد المالية لدى الأمم المتحدة، وإثر إطلاق المنظمة الدولية يوم الإثنين حملة طارئة غير مسبوقة لجمع 16 مليار دولار لمساعدة الناس الأكثر تضرراً، بما في ذلك الكثير من اللاجئين السوريين، ومع نفاذ صبر الأردنيين بسبب استمرار تدفق اللاجئين السوريين الذين تجاوز عددهم 600 ألف لاجئ، لم يعد ثمة أمل كبير في أن يتمكن هذا الرجل، الذي كان في يوم من الأيام زعيماً قبلياً عزيزاً في قومه، من توفير المتطلبات الأساسية لأفراد عائلته وعشيرته هذا الشتاء.
يبلغ غازي شحاده من العمر 58 عاماً وله من الأبناء أحد عشر، وكان يشغل وظيفة مدنية في مكتب التجنيد العسكري في مدينة حماة إلى أن قيل له في نوفمبر 2011 إن اسمه ورد في تقرير لجهاز المخابرات وأن شكوكاً تحوم حوله بسبب احتمال انتمائه إلى الثوار وتعاونه مع الجيش السوري الحر.
نفي غازي شحاده ذلك في تصريح لميدل إيست آي، وقال إنه فقط لم يعد قادراً على التوجه من قريته "خبر فدا" إلى عمله بسبب الاقتتال الدائر. ولكن لم يكن نفيه للتهمة حينها ليفيده لأنه بمجرد أن يرد اسمه في تقرير استخباراتي فإن حياته وحياة أفراد عائلته ستصبح في خطر شديد. ومع تأزم الأوضاع في سوريا وزيادة الخطر المحدق من كل مكان لم يجد غازي شحاده مفراً من إعداد العدة للرحيل إلى الأردن فرتب لعائلته ولثمانين شخصاً من أفراد عشيرته إجراءات السفر وتأخر هو في قريته من بعدهم إلى حين. ولكن ما أن بدأت نقاط التفتيش بالظهور في الطرق المؤدية حتى إلى القرية حتى قرر الفرار جنوباً والانضمام إلى عائلته.
حينما يعود غازي شحاده بالذاكرة إلى الوراء تجده يهز رأسه في ذهول، إذ لا يكاد يصدق ما آلت إليه الأمور ويجد نفسه غير قادر على فهم أو تفسير التغيرات الهائلة التي وقعت أو التي يمكن أن تقع من بعد، ويقول: "كنت دوماً أعتقد بأنني سأموت وأدفن في أرض آبائي وأجدادي، ولكني الآن لم أعد أدري ما الذي يخبئه المستقبل لي".
الوصول إلى الأردن
لم يكن الوصول إلى الأردن سهلاً، ومع ذلك تمكنت عائلة غازي شحاده من المكوث مع 350 شخصاً من أفراد عشيرة شحاده التي تنتسب إليها، وتمكنوا معاً من إقامة مخيم مؤقت في خربة السوق أحد الأحياء السكنية في ضواحي مدينة عمان، حيث استقروا في مايو 2012 ثم بادروا مباشرة إلى بناء مدرسة لأطفال المخيم.
كانوا يعيشون بشكل رئيسي في خيم، حسبما يتذكر غازي شحاده، ومع ذلك كانت لديهم كهرباء، وكانت لديهم تلفزيونات وثلاجات وتمتعوا بحرية العمل والتحرك بلا قيود في عمان، وكانوا يستعينون في معيشتهم ببطاقات الإعانة التي حصلوا عليها من الأمم المتحدة إضافة إلى التبرعات التي كانت تقدمها لهم الجمعيات الخيرية المحلية. إلا أن بعض أفراد المخيم تمكنوا من إيجاد عمل في مصنع للعبوات في الجوار، مما ساعد على توفير بعض احتياجات المخيم الماسة من الدخل.
ولكن بعد افتتاح مخيم الأزرق للاجئين في الثلاثين من إبريل 2014، وهو ثاني أكبر مخيم تقيمه الأمم المتحدة لإيواء اللاجئين السوريين، أصدرت الحكومة الأردنية أمراً بإغلاق جميع المخيمات غير القانونية في البلاد بما في ذلك المخيم الذي أقامه غازي شحاده هو وأفراد عشيرته في خربة السوق.
يقول غازي شحاده إن قوة ضخمة من أفراد الشرطة وصلت مع ساعات الفجر الأولى إلى مخيمهم في عمان وأمرت العائلة بحزم جميع أمتعتها، ويضيف: "هل توقعوا منا أن نقاوم؟ لقد ساعدتنا الشرطة على حزم أمتعتنا، ولكنا لم نكن نعرف إلى أين سيأخذوننا. والذي حصل أنهم أحصونا وسجلونا في مركز شرطة سرحان ثم أرسلونا إلى مخيم الأزرق للاجئين".
للوهلة الأولى، اعتبر فتح مخيم الأزرق فرصة، وبداية جديدة للاجئين، ولكن بعد مرور ستة شهور على نقلهم إلى المخيم رغماً عنهم يشعر كثير من اللاجئين، مثل غازي شحاده، بأنهم معزولون ومعدمون، وفي غربة ما بعدها غربة.
آلام العزلة والغربة هذه يكتوي بنارها بشكل خاص غازي شحاده الذي لا يتحمل فقط المسؤولية عن أبنائه الأحد عشر وإنما أيضاً عن الخمسمائة فرد من أفراد عشيرته الذين يعيشون معه في نفس المخيم. فنظراً لأنه زعيم العشيرة، تجده يحمل على كاهليه عبء المسؤولية عن ضمان سلامتهم وأمنهم. حينما كانوا في مخيم خربة السوق كان يعتز بأنه تمكن من توفير الموارد الكافية للوفاء بالمتطلبات اليومية لأبناء عشيرته. أما في مخيم الأزرق، فإنه يجد نفسه عاجزاً عن تحقيق ذلك بسبب القيود الكثيرة المفروضة على سكان المخيم.
مرافق سيئة
كان غازي شحاده وأفراد عشيرته يتوقعون أن يشبه مخيم الأزرق من حيث مستوى الخدمات والمرافق مخيم الزعتري للاجئين، وهو المخيم الأول والأكبر الذي أقامته الأمم المتحدة لإيواء اللاجئين السوريين في الأردن، والذي قضت فيه العشيرة بضعة أيام بعد خروجها من سوريا قبل أن تنتقل للإقامة في خربة السوق بالقرب من عمان. إلا أنهم بمجرد وصولهم إلى مخيم الأزرق أصيبوا بالصدمة وخيبة الأمل بسبب تدني مستوى الخدمات والمرافق المتاحة فيه.
يتكون مخيم الأزرق من عدد من المآوي الرديئة والمسقوفة بالحديد الصاج، تمتد على مدى البصر، وتحيط بها الصحراء من كل مكان. لا تتوفر داخل هذه البيوت المؤقتة أي أجهزة كهربائية أو خزانات مياه.
في ظل انعدام الطاقة أو الكهرباء، وزعت على أفراد عشيرة محمود وحدات للطاقة الشمسية ومصابيح. صار بإمكانهم استخدام وحدات الطاقة الشمسية لشحن هواتفهم النقالة واستخدام المصابيح لإضاءة غرف الاستراحة إذا ما حل بمنزلهم ضيوف. في العادة تحتاج وحدة الطاقة الشمسية إلى يوم كامل لكي تشحن، وبإمكانها توفير الإضاءة لمدة ثلاث ساعات فقط. تتفاقم المشاكل في الشتاء بشكل خاص حينما يصبح النهار قصيراً وتطول ساعات الليل، وتضيف الأحوال الجوية السيئة إلى العسر عسراً.
تحصل كل عائلة على مستلزمات للنوم وتشمل الزرابي والفرشات والبطانيات والملاءات، إضافة إلى مستلزمات طهي، وتشمل أنبوبة غاز، وموقد غاز، وجردل، وإناء سعة 10 ليترات، وكذلك مستلزمات صحية، بما في ذلك معجون أسنان، وفراشي أسنان، وقطع صابون، وسوائل تنظيف وتعقيم، وحوض غسيل بلاستيكي، وتختلف الكمية باختلاف حجم العائلة.
يقول أبو فاضل، وهو لاجئ آخر يقيم في مخيم الأزرق، قد رسم الغبار على وجهه خطوطاً يبدو بسببها أكبر سناً مما هو في الواقع: "من المفروض أن تكفينا أنبوبة الغاز 45 يوماً، وإذا ما فرغت قبل اكتمال الأيام الخمسة والأربعين فإن على العائلة أن تنتظر. والحقيقة أن أنبوبة غاز واحدة لا تكفي العائلة شهراً واحداً، وخاصة إذا ما كانت العائلة كبيرة نوعاً ما".
نشأ نظام منذ ذلك الوقت تقوم بموجبه العائلات التي باتت قادرة على مغادرة المخيم ببيع أنبوبة الغاز المخصصة لها، ضمن حاجيات أخرى، بينما تعمد العائلات التي تفرغ أنبوبة الغاز الموجودة لديها إلى استعارة أنبوبة من عائلات أخرى.
يزود المخيم بالماء العذب من خلال وحدة صنابير مياه تفتح ما بين السابعة صباحاً والثانية عشرة من منتصف النهار ثم من الثالثة عصراً وحتى السابعة مساء. تستخدم المياه للشرب والطهي والتنظيف والاستحمام، إلا أن الساعات التي تفتح فيها صنابير المياه تعتبر غير كافية للوفاء باحتياجات اللاجئين.
يقول غازي شحاده: "لو أن المراحيض كانت مزودة بخزانات مياه خاصة بها لكان ذلك أيسر بكثير بالنسبة لنا".
أطلقت الأمم المتحدة عدداً من الحملات لتمويل المخيم، إلا أن أعداد اللاجئين الذين يحتاجون للمساعدة في تزايد مستمر، ويوشك الصراع على الدخول في عامه الخامس. ما من شك في أن ثمة حد لما يمكن لمنظمات الإغاثة أن تفعله.
يقول أمين عوض، مدير مكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة: "أتمنى لو كان بإمكاننا مساعدة الجميع وأتمنى لو كان بإمكاننا منح المزيد لكل محتاج. ولكن الواقع هو أن تعداد سكان المخيم خلال عام 2014 ظل يتزايد بشكل مستمر وسريع بينما لايزال التمويل قليلاً ويتقاطر ببطء".
من المتوقع أن يبقى ما يقرب من 1.7 مليون لاجئ سوري بلا مساعدة غذائية طوال شهر ديسمبر بسبب نقص التمويل. إلا أن من يعيش منهم داخل المخيمين الرئيسين في الأردن سيستمر في تلقي بعض الدعم، وهو ما يقدره هؤلاء اللاجئون عالياً رغم صعوبة الحصول على المنتجات داخل المخيمات.
المكان الوحيد الذي يتمكن فيه اللاجئون من شراء البضائع هو سوق سامح، وهو جزء من شبكة محلات بقالة مملوكة للقطاع الخاص في الأردن. إلا أن الكثير من الحاجيات غير متوفرة فيه. يقول أبو فاضل: "نشتري فقط ما هو متوفر. أنا بحاجة إلى حذاء ولكنه غير متوفر في المحل حالياً. ويتوجب علينا أن ندفع نقداً لشراء السجائر، فهم لا يقبلون الكوبونات ثمناً لكل الأشياء".
بعض اللاجئين يبعد السوق عن مقر سكنهم مسافة لا تقل عن اثنين كيلومتر مشياً على الأقدام، وهي مسافة يصعب قطعها على المسنين، وخاصة في مناخ الأزرق الصحراوي القاسي، حيث يكون الجو معظم أيام السنة إما شديد الحرارة أو شديد البرودة.
تتوفر فرص قليلة للتوظيف، ومعظم الوظائف المتاحة هي تلك التي توفرها إدارة المخيم. والشواغر الموجودة حالياً هي فراش وعامل في المدرسة فقط، والأجرة دينار واحد في الساعة (أي ما يعادل 1.4 دولار أمريكي). وإذا قبض على أي من اللاجئين متلبساً بالعمل خارج المخيم فإنه يغرم 500 دينار أردني (أي ما يعادل 700 دولار أمريكي).
في البداية لم يكن سهلاً على الأطفال التكيف مع الأوضاع في المخيم، فقد تعودوا على مشاهدة التلفزيون حينما كانوا في مخيم خربة السوق، وهم الآن يفتقدون أصدقاءهم الأردنيين في عمان. كان الأردنيون من حين لآخر يأتونهم بالهدايا وبالحلوى، أما الآن فهم في عزلة تامة. كما أن الأطفال بدأوا يعانون من مجموعة من الأمراض التي يسببها الحر والجفاف والغبار، وبدأت تظهر عليهم أعراض مثل جفاف الجلد والطفح الجلدي.
ولكن، على النقيض من حال الكبار، يبدو أن الأطفال تكيفوا إلى حد كبير مع الأوضاع، فمخيم الأزرق فيه ساحة كبيرة للعب، والأطفال يذهبون إلى المدرسة، وهو الأمر الذي لم يكن متاحاً للجميع من قبل حينما كان أولياء أمورهم يدفعونهم باتجاه العمل في عمان لكسب المال.
ويحاول بعض اللاجئين الآن غرس الأشجار وزراعة النباتات، فهم يرغبون في تخضير المنطقة وإنتاج بعض احتياجاتهم من الخضروات والفواكه، تماماً كما كانوا يفعلون حينما كانوا يعيشون في بيوتهم داخل سوريا. تقول أم محمد، وهي لاجئة أخرى في منتصف الأربعينيات من عمرها: "نتمنى القيام بكل ذلك، لو أن المنظمات غير الحكومية فقط تزودنا بالبذور والمياه، وتمنحنا الفرصة لتربية الدواجن".
ورغم الأحوال الصعبة والقاسية إلا أن بعض العائلات تمكنت من زراعة العدس والملوخية والجرجير.
حبيسو الظروف
يرغب معظم اللاجئين السوريين في مخيم الأزرق بالمغادرة، ولكن لابد حتى يتسنى لهم ذلك من أن يمروا بإجراءات قانونية تعرف باسم "برنامج الكفالة".
وهذه تتطلب وجود مواطن أردني يرتبط باللاجئ بقرابة الدم أو من خلال الزواج يقوم بكفالته. يقول شحاده: "في بعض الأوقات يدفع اللاجئ مبلغاً قدره ألف دينار أردني (أي ما يعادل 1400 دولار أمريكي) ليحصل على كفيل أردني، وإذا رفض طلب الكفالة فإن المبلغ المدفوع لا يسترجع".
ويضيف شحاده إن الأردني قد يطلب في بعض الحالات الزواج من ابنة اللاجئ أو من أخته مقابل القيام بكفالة عائلته.
يحاط المخيم بسياج يراقب على مدى الساعة من قبل دوريات عسكرية، وكأنما يراد للاجئين أن يتعمق شعورهم بالبؤس والعزلة. أما المرافق داخل المخيم فيقوم على حراستها أفراد من الشرطة ومن شركات أمن خاصة، وليس بمقدور أحد القدوم إلى الداخل أو المغادرة إلى الخارج دون تصريح.
يقول شحاده: "لقد عشقت العيش في خربة السوق في عمان. نتمنى أن يساعدنا الأردنيون في المغادرة، وحلمي هو أن أعود ثانية إلى عمان، وقد نظمت في ذلك قصيدة، أنهيها بالمقطع التالي: أفتقد عمان، ولا يطفئ ظمأى سوى ماء عمان".
ويضيف: "لقد مضى على وجودي في مخيم الأزرق ستة شهور، وأشعر كما لو أنني في سجن. أبذل قصارى جهدي في إيجاد سبيل للمغادرة، ولكني أريد أن أغادر بشكل قانوني. كل همي الآن هو أن أخرج من هذا المستنقع".