في اللحظات الأولى لبدء الادعاء العام تحقيقات واسعة مع بعض الصحفيين، تعالت الأصوات التي تنادي "بعدم تقويض
حرية التعبير"، هذه الأصوات أرادت أن تخلق من الأمر أزمة اجتماعية.
ولكن لم يحدث في أي من التحقيقات التي استمرت في الأعوام الماضية، ولا أي من قرارات الاعتقال الصادرة، ولا في أي جلسات المحاكمات، مثل ما يحدث اليوم من تهييج الرأي العام.
فقد شكلت الأحداث الأخيرة هذه، دليلاً مهماً لمن لم يعرفوا بوجود كياناً موازياً داخل الدولة، أو من لديهم بعض الشكوك في ذلك. فهناك سلطة أو قوة داخل الدولة على علم كامل بما يحدث داخل أروقة القضاء قبل علم الجميع. وقبل أن تصدر أي إجراءات قانونية، يبدأ
الكيان الموازي في خلق الجو المناسب للترويج بـ "حملة
الاعتقالات" ،بدءا من مواقع التواصل الاجتماعي، وصولاً إلى جميع الصحف. وبعد ذلك خرجت علينا الأبواق الإعلامية منذ عدة أيام، لتسويف هذه الحملات ووصفها بغير القانونية، وأنها تعد بمثابة "قمع لحرية الرأي والتعبير". ونجحت إلى حد ما في خلق جو توقع حدوث حالة من الرعب داخل البلاد، انعكست بدورها على
الصحافة العالمية.
وعندما تم تجاوز مرحلة "الإدلاء بالأقوال" التي تشكل المراحل الأولى للتحقيقات، وضعوا الرأي العام في مناخ العتاب واللوم قائلين "ألم نخبركم بحدوث ذلك".
وكان لهذا الجو الذي خلقه الكيان الموازي داخل أروقة الاتحاد الأوروبي نتائج ناجحة، وكان لتصريحات المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي المزعجة للغاية، والتي وصفت الوضع في المراحل الأولى للتحقيقات بالخطير، مما أدى إلى تعزيز الصورة التي يريد الكيان الموازي خلقها في
تركيا. ولم يمضِ 24 ساعة على مبادرة المسؤولين في الاتحاد الأوروبي لمكتب المدعي العام، الذي فتح سير التحقيقات في تركيا، إلا وقد خرجت تصريحات شديدة اللهجة تندد باعتقال صحافيين أتراك.
ولعل عملية التحقيقات، تعد بمثابة إجراء "محايد" قانونيا. وفي إطار مفهوم العدالة الشاملة، هناك فرضية تقول "المتهم برئ حتى تثبت براءته". يمكنكم الحياد من عدة زوايا، فيما يتعلق بالتحقيقات الجارية وإجراءات المتابعة القانونية، ومن ثمَّ بإمكانكم المشاركة في العملية القضائية كمتهم، أو شاهد أو خبير أو محام. أنتم متهمون إلى أن تثبت براءتكم، ولم يثبت اتهامكم ما لم يتوفر لدي المحكمة حيثيات لذلك، وما لم تذهبوا إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وتثبتوا خلاف ذلك.
في حقيقة الأمر، إن رفض الذهاب إلى الادعاء العام في مرحلة التحقيقات، على اعتبار أنها "عملية انتقامية"، وإخراج الأمر من الشق القانوني إلى تظاهرة سياسية، يوضح أنه لم يكن هناك لجميع هذه الأحداث علاقة من قريب أو من بعيد بحرية التعبير. ومع أنه لم يتم التحقيق مع أي أحد بسبب دفاعه عن حرية تعبيره، يا من تدعون حرية التعبير؛ ألم يكن هناك يوماً عمليات تنصت غير شرعية قمتم بها في أروقة الدولة، ألم تنقلون الأسرار الخفية للدولة إلى وسائل الإعلام في هذا الأمر. فقد ساعدت الاستخبارات وقوات الأمن وصول المدعي العام لمرحلة التحقيق بالأدلة التي حصلوا عليها، ومن ثم أمر الادعاء العام ببدء هذه التحقيقات. ويمكننا القول إن مرحلة تشويه سمعة الناس بأدلة ملفقة، قد عفا عليها الزمن.
بيد أن، الكيان الموازي قد استهان كثيراً بعمليات التنصت التي قام بها من خلال وسائل الإعلام، والآن يريد الترويج مجدداً لعملية "الفساد". ولكن كانت عمليات التصنت، قد شملت المكالمات الشخصية لرئيس الوزراء ووزير خارجيته ورئيس جهاز الاستخبارات الوطنية ومستشار وزير الخارجية. وإذا لم ندخل الحرب على حدودنا الجنوبية، لما تبقى لدينا أي قوة مركزية في سوريا والعراق . وقد شكل الكيان الموازي الذي استطاع التصنت على غرفة وزير الخارجية، مستنقعاً لأحداث غير شرعية، كان من الممكن أن تدفع تركيا نحو الفوضى. والآن، يوجهون الاتهامات إلى القضاء المستقل الذي يقوم بالتحقيق في ذلك، بوصفه يعمل على "تقييد حرية التعبير".
(صباح - 17/12/2014)