اتهم الكاتب بيتر أوبورن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد
كاميرون بالإعجاب الشديد بتوني
بلير، وأن هذا سيؤدي إلى تدمير سمعته.
ويشير الكاتب في مقال نشرته صحيفة "ديلي تلغراف" إلى أن رئيس الوزراء وقف في صف من يريدون تأخير تحقيق لجنة
تشيلكوت في ظروف المشاركة البريطانية في حرب
العراق.
ويقول أوبورن إن "كاميرون، وخلال قيادته لحزب المحافظين منذ تسعة أعوام، قام بنسخ وتقليد استراتيجيات النظام (البليري) في بناء سياسات التحالف الأجنبية. وكان الأمر مقصودا، ففي أثناء حفلة خاصة نظمها أثناء حملته لتولي زعامة الحزب، نقل عنه قوله إنه (وريث بلير)، ويقال إن كلا من كاميرون ووزير ماليته جورج أوزبورن أطلقا على بلير (السيد) ويسألان نفسيهما (ماذا كان سيفعل السيد؟) في حال مواجهتهما موقفا صعبا. كما تعامل كاميرون والدائرة المحيطة به مع كتاب (الثورة الناقصة: كيف غير حزب العمال السياسية البريطانية وللأبد؟)، الذي كتبه المنظر الاستراتيجي السابق لدى بلير فيليب غولد بنوع من الوله والتقدير بالطريقة نفسها التي تعاملوا فيها مع الإنجيل. ولا يعرف الكثير عن استشارة كاميرون الدائمة لرئيس الوزراء السابق توني بلير. فقد قام بلير (كما أخبرني حلفاؤه) بدور مهم في إقناع ديفيد كاميرون بالتدخل الكارثي في ليبيا قبل أربعة أعوام، متجاوزا نصيحة وزير خارجيته السابق ويليام هيغ والجنرال ديفيد ريتشاردز، رئيس هيئة الأركان المشتركة في القوات المسلحة البريطانية. وحث بلير كاميرون على التدخل في سوريا، رغم قرار مجلس العموم البريطاني العام الماضي، الذي جعل من المشاركة البريطانية مستحيلة".
ويرى الكاتب أن "ديفيد كاميرون يمثل استمرارا لتوني بلير، ولكن بطرق أخرى، ودعونا نطلق على سياستهما اسم "بليرونيزم"، التي يمكن تعريفها بدعم سياسة التدخلات العسكرية الخارجية والتحديث السياسي والحكم عبر الشلة، واحتقار مضر لبنية الحزب السياسي التقليدي، ودعم مطلق للولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل".
ويستدرك أوبورن أن "(البليرونيزم) تخدم أهدافا سياسية معينة، فقد درس كاميرون والمنظرون الاستراتيجيون معه العلاقة بين توني بلير ومارغريت تاتشر. فقد لعب توني بلير على غرور تاتشر، وتلاعب بكل المشاعر التي حملتها ضد جون ميجر وكل القتلة الذين حاولوا قتلها داخل الحزب" أي حزب المحافظين.
ويضيف الكاتب "نجحت استراتيجية بلير عام 1997 أثناء الانتخابات العامة، حيث رفضت تاتشر الخروج ودعم حزب المحافظين، وتركت انطباعا، وإن بطريقة هادئة، أنها تنظر نظرة جيدة تجاه توني بلير. ومن هنا فقد أدت القصص حول الصدع في العلاقة بين الداعمين لميجر والتاتشريين دورا في إضعاف حزب المحافظين".
ويواصل قائلا إنه "مع اقتراب موعد انتخابات عام 2010، حاول كاميرون فتنة بلير، تماما كما فعل الأخير عندما سحر تاتشر. فقد لعب على سخط بلير من غوردون براون، تماما كما لعب بلير على إحساس تاتشر بالمرارة وعدائها لجون ميجر".
ويعتقد أوبورن أن "تحالف بلير/ كاميرون لا يزال قائما. فبلير لديه شكوكه حول إد ميليباند -زعيم العمال الحالي- وعندما سألته صحيفة التلغراف في الصيف عن رأيه في زعيم العمال، تردد بلير في تحديد موقف منه، أي تقديم الدعم له وإن كانت هناك له حظوظ بالفوز. وعندما أعرب عن دعمه له في النهاية لم تعط تصريحاته أي حس من الثقة".
ويبين الكاتب أنه رغم تحفظ بلير من ميليباند "لكن العناصر (البليرية) المؤثرة في الإعلام لا تخفي موقفها الواضح من زعيم العمال. فهي صريحة في موقفها من ميليباند، التي ترى فيه حالة ميؤوسا منها، وتنظر لكاميرون وريثا لعرش بلير. ما يعني أن زعيم العمال سيدخل الانتخابات العامة العام المقبل دون دعم قطاع مهم له، تماما كما حدث مع جون ميجر في انتخابات عام 1997".
ويجد أوبورن أنه في الوقت نفسه "كان دعم داونينغ ستريت -مقر الحكومة البريطانية- مفيدا لمصالح توني بلير التجارية. وأنا متأكد أنه لا يوجد شيء غير مميز أو مثير للشك، وعبارة ترتيبات رسمية بين بلير وكاميرون، بقدر ما هي علاقة مثل تربيتة على الظهر (حكلي بحكلك)، فقد كان دعم كاميرون التكتيكي ضروريا في نجاح شركة (توني بلير وشركاه)، فلم يحدث من قبل أن سمح لرئيس وزراء بريطاني سابق أن يكون سفيرا مطلق الصلاحية عبر القارات من أجل متابعة مصالحه الخاصة". ومع ذلك فقد كان بإمكان رئيس الوزراء -كاميرون- التحدث ولو بكلمات قليلة وبهدوء، ستكون كافية لوضع حد لشركة استشارات توني بلير الدولية المقيتة.
ويرى الكاتب أن ديفيد كاميرون يقدم المساعدة لتوني بلير بطرق أخرى، "خذ مثلا تحقيقات لجنة تشيلكوت في حرب العراق. فقد كان كاميرون أول من رفع صوته مطالبا بالتحقيق عندما كان في المعارضة، وعندما وصل الحكومة ترك الأمور تجري على عواهلها. فقد تم تأخير التقرير بسبب الاعتراضات على نشر المراسلات المتبادلة بين جورج دبليو بوش وتوني بلير. ولم يكن بالإمكان تمرير هذه الاعتراضات لو لم تلق دعما من خليفة بلير، أي ديفيد كاميرون".
ويؤكد أوبورن أن اليوم يجري الحديث عن تأخير جديد للتقرير"فمن انتقدهم تقرير تشيلكوت قاموا باستئجار (على حساب أموال دافعي الضرائب) شركات محاماة تتقاضى فواتير ضخمة كي تتحدى الاتهامات ونتائج التحقيق. ويجب أن تضع بعين الاعتبار أن تحقيق تشيلكوت هو أكبر فشل سياسي/عسكري منذ كارثة غاليبولي قبل 99 عاما. وهدفه ليس حماية السمعة، ولكن التوصل للحقيقة، ومساعدتنا على التعلم من الدروس في المستقبل".
ويوضح الكاتب "مضى على حرب العراق 11 عاما، وخمسة أعوام على استماع لجنة تشيلكوت للأدلة، والتي كان من المفترض أن تنهي عملها في 18 شهرا. ولكن تقدمها عوقه السياسيون، بالتحالف مع المؤسسة السياسية في وايتهول -مقرات الحكومة- الذين كانوا يريدون وقفها. ووقف كاميرون بشكل فضائحي مع الوايتهول".
ويؤكد أوبورن أن ما جرى هو "جزء من سلسلة من التصرفات. فعندما كان في المعارضة، طالب كاميرون بصوت مرتفع بفتح تحقيق شامل يقوده قاض في اتهامات للمسؤولين البريطانيين بالتواطؤ في ممارسات تعذيب عندما كان توني بلير رئيسا للوزراء. وفي الوقت الذي لم يتبق فيه سوى خمسة أشهر على الانتخابات. وما أراح كاميرون وفشله بالتوصل للحقيقة نشر لجنة الاستخبارات الأميركية في الأسبوع الماضي تقرير التعذيب المحرج عن انتهاكات (سي آي إيه)".
ويعلق أوبورن قائلا "علي الاعتراف أنني لم أكن مرتاحا لإعجاب ديفيد كاميرون وجورج أوزبورن بتوني بلير، كما أن تبنيهما لوسائله مثيرا للتقزز. ورغم تفهمي لوجود عنصر من المكر والحسابات السياسية يقف وراء هذا الإعجاب، إلا أنني أتساءل إن كان تلك الحسابات لا تزال قائمة".
ويضيف "هناك مقارنة يمكن عملها في الربط بين ديفيد كاميرون وتايكون الإعلام روبرت ميردوخ. ففي الأيام الأولى في السلطة وقع وزير المالية وكاميرون، وفي مثال آخر عن (البليرونيزم) تحت تأثير ميردوخ ومديري شركاته الإعلامية. وعلى المدى القصير كانت هذه الصلة مفيدة، وكانت على المدى البعيد كارثية. فقد تركت فضيحة التنصت وسجن مدير مكتب كاميرون الإعلامي أندي كولسون لوثة لا يمكن غسلها من سمعة رئيس الوزراء".
ويجد الكاتب أنه من هنا فالربط بين كاميرون وبلير قد يكون أكثر دمارا على كاميرون من علاقته مع ميردوخ. فمع مرور الوقت يصبح من الواضح أن خطأ أصاب الدولة البريطانية خلال عهد بلير. فمما لا شك فيه أن غزو العراق كان خطأ مريعا، وأن التحضيرات التي أعدت قبل الغزو لم تكن مهمة. فبحسب الأدلة التي قدمتها لجنة باتلر فهناك شكوك عميقة حول تصريحات بلير لمجلس العموم قبل الغزو. وهناك سبب يدعو للاعتقاد أن بعض الأشخاص الوطنيين والشجعان الذين عملوا في الاستخبارات دخلوا نوعا من المتاهة الأخلاقية، وشكرا للتسامح البريطاني مع الاختطاف والتعذيب".
ويختم أوبورن مقالته بالقول "كان على ديفيد كاميرون عندما أصبح رئيسا للوزراء واجب القيام بتنظيف الفساد الأخلاقي الذي ورثه. ولم يفعل هذا، ومن المنطقي التساؤل عن السبب. ويجب تقديم النصيحة لكاميرون والتأكد من عدم تأخير نشر تقرير تشيلكوت حول كارثة حرب العراق".