كان من أكبر أخطاء
عملية الكرامة ومن بعدها البرلمان نعتهم المجموع العام من
الثوار بالإرهابيين دون تمييز أو براهين قطعية، إذ لم يقتصر أثر هذا الخطأ في تعميق الخلاف وتصعيد الصراع، بل إنه أعطى مبرراً قويا لاعتقاد معظم أنصار فجر
ليبيا في الغرب بأن الكرامة ومن بعدها البرلمان متورطون في الثورة المضادة بشكل أو آخر.
ويمكنني القول بأن هذا الخطأ كان أحد أسباب إضعاف موقف البرلمان داخلياً وخارجياً لأسباب عدة، من أهمها القوة العسكرية التي تتمتع بها
فجر ليبيا، والتأييد الواضح من مدن عديدة في الغرب، وخلوها من شبهة
الإرهاب التي ركز عليها البرلمان وحكومته لأجل عزل فجر ليبيا.
وما يؤكد عدم تجاوب الغرب مع خطاب البرلمان وقادة الكرامة حول تورط فجر ليبيا في الإرهاب، هو الاتصالات المباشرة مع قادة فجر ليبيا ودعوة الأطراف الغربية إشراك الثوار في الحوار وفي العملية السياسية، وهي نقطة افتراق واضحة بين الغرب والكرامة.
من ناحية أخرى، نجح قادة فجر ليبيا نسبياً في إفشال حملة تشويهها من الكرامة والبرلمان، من خلال نأي فجر ليبيا عن جماعة أنصار الشريعة، التي تم تصنيفها جماعةً إرهابيةً من مجلس الأمن بضغط من الولايات المتحدة، التي اعتبرت الأولى مسؤولة عن مقتل سفيرها، وعدم بروز ما يشير إلى أي نزعة تشدد ديني في صفوفها، فخطابها واضح في تأييد العملية السياسية والانتقال الديمقراطي وبناء المؤسسات الدستورية والمؤسسات الأمنية النظامية من جيش وشرطة، فيما كان موقف جماعة أنصار الشريعة رافضاً للديمقراطية وخطابهم مشحون بلغة التكفير.
وكانت قيادة أنصار الشريعة في بنغازي قد أصدرت ورقات وبيانات تظهر تحفظها على أهداف ومنطلقات عملية فجر ليبيا، وتدعوها إلى المراجعة وتصحيح والعودة إلى المنطلق الصائب وفق رؤية أنصار الشريعة. ويلاحظ أنه لا يظهر ثقل أو حتى وجود لأنصار الشريعة في المدن التي تشارك في عملية فجر ليبيا بقوة، وفي مقدمتها مصراته والزاوية وطرابلس، ولم تظهر عشرات المقاطع المصورة لعمليات فجر ليبيا أعلام أنصار الشريعة أو شعاراتها، أو حتى خطابها الديني الذي يتكرر عند نشر مواد تخص الجماعة.
ولقد انعكس الموقف الفكري وزوايا التركيز لدى مجلس ثوار بنغازي وفجر ليبيا على مستوى التنظيم، الذي يتعدى الاستعدادات العسكرية إلى التركيز الإعلامي والأداء السياسي، والالتفات إلى الإدارة المحلية، وربط الانتصار بتأمين المدن، والتعجيل بانسيابية الخدمات العامة. ويأخذ العديد من أنصار مجلس شورى ثوار بنغازي الذي يحتل أنصار الشريعة مكانة بارزة فيه ويؤثرون على قراراته، أنهم أهملوا مسألة تأمين بنغازي بعد انتصارهم في المعارك التي دارت خلال شهر أغسطس، وسيطروا فيها على أغلب المعسكرات الحيوية في المدينة، وأهملوا إدارة الشأن العام المتصل بالخدمات الرئيسية والحيوية، فانقلب بسهولة انتصارهم إلى تراجع كبير بعد 15 أكتوبر، فيما ركزت فجر ليبيا على الربط بين العمل العسكري وتأمين المدينة من خلال ما تقوم به قوة الردع، وأيضاً التركيز على تيسير الخدمات.
فما إن سيطرت فجر ليبيا على طرابلس حتى تغير الوضع المزري الذي استمر قرابة العام، والذي كان من أبرز مظاهره نقص الوقود ونقص إمدادات الكهرباء وتفشي الجريمة وانتشار القمامة، فحُلت مشكلة النقص المتكرر للبنزين تماماً، وتوقف انقطاع الكهرباء تقريباً، وتراجعت معدلات السطو المسلح على البنوك وعلى ممتلكات الناس من سيارات وغيرها بشكل كبير، واستقرت حركة المصارف والمدارس والجامعات. وكان من أبرز أسباب ذلك هو التواصل المباشر مع الأجهزة المعنية من مراكز شرطة ومديريات أمن ومؤسسات معنية بتقديم الخدمات العامة.
بالمقابل، وبالعودة إلى المقارنة بين عملية الكرامة وعملية فجر ليبيا، صارت نتائج المقارنة بين العمليتين اللتين انتهجتا النهج نفسه وهو استخدام القوة مختلفة تماماً، فالظاهر أن فجر ليبيا جلبت الاستقرار، ولو بشكل مؤقت، لطرابلس حتى مع استمرار تحفظ قطاع من سكان العاصمة على انطلاقتها، فيما حل الدمار والرعب في بنغازي بعد عملية الكرامة. وهو ربما ما يفسر عدم تجاوب سكان طرابلس للدعوة للانتفاض في 15 نوفمبر الماضي من قبل عملية الكرامة، إذ سيكون من المتعذر أن يقدم سكان طرابلس على مغامرة نتائجها ظاهرة في بنغازي.
لقد ثبت أن الأطراف الغربية ربما تتجاوب – ولو ببطء – مع تطورات الأحداث في شرق البلاد وغربها، وهو ما تم التعبير عنه بإدانة عمليات حفتر، بالاسم، في بنغازي في بيان الخمس الكبار في مطلع الشهر الماضي، بعد أن اقتصر الموقف على التعبير عن القلق من العمليات التي قادها اللواء المتقاعد، وذلك في بيانهم الصادر في شهر أكتوبر، دون أن يصاحب ذلك إشارة مماثلة في حق فجر ليبيا، وهو ما يعكس الخطأ الكبير في موقف الكرامة وخطابها تجاه فجر ليبيا.