نشر زعيم حزب غد الثورة الدكتور أيمن نور عبر صفحته الشخصية على "
فيس بوك" رؤيته التحليلية للتسريبات الأخيرة خلال 30 سؤالا تدور حول كيفية الحصول على
التسريبات والوصول إلى النقطة "صفر" وتعامل الإعلام
المصري معها.. وغيرها، ثم تناوله لعشرة شخصيات في دائرة التسريبات.
ويعرض "عربي21" فيما يلي تلك التساؤلات المطروحة وتليها العشر شخصيات:
30 سؤالا .. و10 شخصيات في دائرة التسريبات
رؤية تحليلية للدكتور/ أيمن نور
(استفهامات هامة)
في محاولة لقراءة مختلفة..
يبدو أن التسجيلات التي تمت، لم تكن عبر الخطوط التليفونية، بل كانت عبر، زرع ميكرفونات، في (المسافة صفر) من الهدف، وهو مكتب وزير الدفاع.
س 1: فهل يتصور أن ينجح أحد في زرع ميكرفون في مكتب "مدير" مكتب الوزير، ولا يضع قبلها ميكرفون في مكتب "الوزير" نفسه؟! خاصة أن الفاصل بينهما باب متحرك "مروحة".
وعادة لا يخلوا مكتب مدير المكتب.. قبل خلو مكتب الوزير. وهنا يبدو السؤال منطقيا وهو:-
س 2: لماذا تسريب تسجيلات مدير المكتب.. وعدم تسريب تسجيلات الوزير - للآن – (على الأقل).
س 3: هل التسجيلات المتوقعة في مكتب الوزير، مؤجلة للحظة أخرى لاحقة، أو حاسمة ؟!
س 4: أم هي ورقة ضغط عليه، في صراع داخلي.. قائم ومكتوم
س 5: هل هذا الصراع سينتهي بالحسم، لصالح
السيسي، على طريقة السادات في مايو 1971، فيما سمي ثورة "التصحيح"، خاصة بعد أن نصحه "مؤخراَ" هيكل بالثورة على نظامه، وبشر بعض المقربين منه بمذبحة قلعة جديدة..
س 6: هل هي "مصادفة".. أن يكون هيكل هو من نصح السادات -نفس النصيحة- إبان أزمة مايو 1971 -منذ 44 عاماَ- وهو الذي أطلق تعبير "ثورة التصحيح" على صراع السلطة عام 1971، وهو الذي استهدف أيضا في التسريبات الأخيرة. ربما رداَ على دعوته للسيسي بالثورة على نظامه.
س 7: أم أن الطرف الأخر في الصراع سيعجل بخطوات استباقية، لتفادي مصير خصوم السادات؟!!
س 8: أم أن الأمر سيقف عند مرحلة توجيه ضربات تحت الحزام؟! دون توجيه ضربة قاضية؟!
س 9: وما هو موقف نظام مبارك، ودولته، ومراكز قوته، من هذا الصراع.. خاصة بعد توجيه السيسي لسهام النقد، لهذا النظام مؤخرا، ومحاولته غسيل يده، وإبراء نفسه، من هذا النظام، الذي أتي به، كرئيس مخابرات حربية، وسانده، في أن يصبح رئيساَ للجمهورية.
س10: هل تعلم نظام مبارك، ودولته، من دروس التاريخ، التي تؤكد أن الحاكم، الذي يأتي في ظروف غير طبيعية، يبدأ حكمه، بمواجهة خصومه، وما أن يستتب له الحكم، يتخلص ممن ساندوه، في محاولة لخلق طبقة سياسية جديدة، تخرج من رحمه، ولا تتوحم على لحمه، ولا يضطر لتسديد فواتير لها، وفقاَ لتعبير السيسي نفسه.
(استفهامات هامة)
في ظل وجود ثلاث جهات تقوم بالمراجعة الدورية، لمكاتب الأمانة العامة لوزارة الدفاع، التي يوجد بها مكتب وزير الدفاع، ومساعديه، للتأكد من خلوها من أي أجهزة تصنت.. يبقي السؤال الأصعب والأكبر هو:
س1 : لماذا لم تكشف أحد هذه الجهات هذه الميكرفونات، المثبتة، ولفترة، داخل مكتب الوزير أو مدير مكتبه؟!
س 2: أم أنها اكتشفتها في وقت لاحق.. أم أنها هي التي وضعتها وبالتالي لم تكشف عنها؟!
س 3: وما هو المصدر "المحتمل "للتسريبات أن لم يكن أحد هذه الجهات الثلاثة؟
س 4: من يستطيع الوصول إلى المسافة "صفر" في قلب الأمانة العامة لوزارة الدفاع وإذا كان من خارجها؟
س 5: ما مدى حصانة هذه المؤسسة من الاختراق، أليس لديها نظام حماية متكامل؟
س 6: وهل هذا الاختراق داخلي.. أم خارجي؟! وإذا كان خارجي ما هو حجم الخطر، من خروج معلومات عسكرية؟
س 7: فهل نحن أمام جهة أو جهات استخباراتية، أم أمام شخص أو مجموعة من الأشخاص؟!
س 8: وما هو الهدف من إخراج، وإذاعة أهداف بعينها، من هذه التسريبات، دون أجزاء أخرى هي غالبا الأخطر والأهم..
س 9: لماذا اختيار قناة "مكملين"، ثم "الشرق"، وهما من القنوات التي لا تملك إمكانيات مالية تسمح بطرح احتمال بيع هذه التسجيلات، بهدف العائد المالي؟
س10: وإذا صحت المعلومات، التي أذاعها عمرو أديب على قناة "الأوربت"، أنه تم تحديد الضابط، الذي أخرج التسجيلات لقناة "مكملين"، وتم السيطرة على الموقف، ولن يحدث خروج تسريبات أخرى فكيف أرسلت التسريبات الجديدة لقناة الشرق؟!
وإذا كان هناك ضابط تم تحديده -وقفاً لمصادر عمرو أديب- وهي أمنية بالطبع، فهل أحيل للتحقيق، أم هو حر طليق؟!
(10 أسئلة أخرى مسكوت عنها)
ورغم كل الضجيج الذي صاحب التسريبات الأخيرة، إلا أن هناك عشرة أسئلة أخرى تحتاج للإجابات منطقية هي:
س 1: ما سر صمت السيسي، وكافة الأطراف، التي وردت أصواتها في التسريبات للآن؟!
س 2: إذا كانت التسجيلات مفبركة -كما أشار بيان النائب العام- يوم 6 ديسمبر 2014، فلماذا لا يخرج علينا -مثلاً- ممدوح شاهين، ليعلن "بصوته "وصورته زيفها؟!
س 3: لماذا لم تجر القنوات المصرية، التي اعتادت استضافة شاهين، أي مداخلة معه؟!
س 4: لماذا لم يعقب النائب العام، أو مكتبه للآن على التسريب الذي ينسب إليه قبول الوساطة، أو الرجاء، في شأن أمر قضائي، صادر عنه، بخصوص حسن محمد حسنين هيكل؟!!
س 5: وهل صدر بالفعل قرار برفع أسم أبن هيكل من قوائم الترقب؟ أم لم يصدر؟!
س 6: ومن أين أتي عباس كامل، بالمعلومات التي قالها لحجازي، بخصوص موقف القاضي، الذي ينظر قضية البورصة، المتهم فيها جمال مبارك، وحسن هيكل، و آخرين؟! خاصة ما يتصل بأنه لم يجد شيء في أوراق القضية، وردها للنيابة!! وأنه – يفكر – أو يعتزم في "المستقبل "التنحي عن نظر القضية؟
س 7: وهل حدث فعلا أن تنحي القاضي، عن نظر القضية لاستشعار الحرج، أم لم يحدث ؟!
س 8: وهل هناك منطق، في أن يرد القاضي ملف القضية، لأنه لا يجد فيها ما يستوجب الإدانة؟ أم أن دوره هو أن يحكم بالبراءة، إذا كان لديه قناعة بهذا؟!
س 9: أم أن هناك من تدخل وطلب منه إدانة جمال مبارك، ومن معه في هذه القضية؟!
س10: وإذا كان التدخل بلغ ما بلغه، من أجل ابن هيكل أو ابن لواء متقاعد عبد الفتاح حلمي؟.. فما هو الحال لو كان المتهم هو اللواء نفسه، أو لواء عامل، أو ابن عبد الفتاح السيسي، وليس حلمي؟!! وماذا لو كان المتهم هو السيسي نفسه، وليس ابنه، أو ابن زميل له؟!.
(عشرة أسماء وجهات في دائرة التسريبات؟!)
القراءة الصحيحة للتسريبات يجب ألا تتوقف عند الأسماء الحاضرة في التسريبات، مثل ممدوح شاهين، ومحمود حجازي، وعباس كامل، أسامة الجندي، وغيرهم، فالأهم في تقديري هو الأسماء التي غابت، وأبرزها الفريق صدقي صبحي، واللواء العصار، واللواء أحمد وصفي، و آخرين.
(1) اللواء العصار
كشف التسريب الأخير، أن وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، ترك مكتبه، ونزل للاجتماع مع اللواء العصار -وفقا لكلام مدير مكتبه اللواء عباس كامل- ورد عليه اللواء محمود حجازي، رئيس المخابرات الحربية في هذا التوقيت، أنه هو الآخر كان سينزل لمقابلة اللواء العصار في مكتبه!!
ولأن نزول الوزير، لمكتب أحد مساعديه، أمر مخالف للأعراف العسكرية، والرتب، وخلافه، فقد طرح هذا الجانب من التسريب مزيد من علامات الاستفهام، حول موقف اللواء العصار، الذي أشيع معارضته لمسار 3/ 7 وتحفظاته على نتائج هذا المسار، إلى الحد الذي فجر إشاعات أنه تحت الإقامة الجبرية..
والمعلوم أن اللواء العصار، هو من الشخصيات القليلة في المجلس العسكري، القديم والجديد، يتمتع بقدر من الوعي السياسي، فضلاَ عن علاقاته الوطيدة بالجانب الأمريكي، من خلال عمله كمساعد لوزير الدفاع لشئون التسليح، وهو الموقع الذي استحدث خصيصاَ له، بعد إحالته للتقاعد، وعودته، ليشغل هذا الموقع، وليكون هو المسئول عن التسليح قرابة 15 عاما.
(2) الفريق صدقي صبحي
الأكثر إثارة للجدل، في الأسماء "الغائبة "عن هذه التسريبات للاَن.. هو الفريق صدقي صبحي، الذي كان في وقت هذه التسريبات، رئيس أركان الجيش المصري، وبالتالي هو الشخصية "الأولى" داخل الجيش، و"الثانية"داخل وزارة الدفاع، ويطرح غيابه عن هذه التسريبات احتمالات حضوره في مشهد، ولحظة مختلفة.. وفقاَ لبعض السيناريوهات التي يروج لها..
(3) اللواء رأفت شحاته
وهو الرئيس الأسبق، لجهاز المخابرات العامة، والذي تم تعينه في موقعه إبان حكم الرئيس محمد مرسي، وقد تردد أسمه، أنه قد يكون وراء هذه التسريبات، إلا أن الواقع يضعف هذا الاحتمال، خاصة وأن الرجل وكل من كان مقرباً منه خرج قبل الموعد المحتمل لهذه التسجيلات، بعد أن تولي بعده اللواء محمد فريد التهامي..
(4) اللواء محمد فريد التهامي
الرئيس السابق للمخابرات العامة، رئيس جهاز الرقابة الإدارية السابق، وهو كان من أقرب المقربين للسيسي، وكان يروج أنه أستاذه، في المخابرات الحربية، التي تولي رئاستها أيضا (!!).
وربما للأسباب السابقة، يستبعد وجود دور مباشر للرجل، في التسريبات، إلا أن التكهنات، تدور حول قيام بعض الكارهين لوجوده، على رأس المخابرات، من العاملين فيها، بالتسريب لهذه التسجيلات، للضغط على السيسي لإقالته.. لكن هذا الاحتمال مستبعد بعد إقالة الرجل مؤخرا، ووصول تسريبات جديدة لقناة الشرق، في وقت لاحق لإقالته.. وأنا شخصيا، أستبعد هذا الاحتمال، خاصة أن المخابرات العامة ليس لها دور مباشر داخل مبني الأمانة العامة لوزارة الدفاع..
(5) الفريق سامي عنان
تردد اسم الفريق سامي عنان، مرارا وتكرارا، منذ خروج التسريبات الأولي للسيسي شخصيا، وقبل ترشح السيسي، وقبل اضطرار عنان للانسحاب لصالحه، وربما يكون لدي عنان الرغبة، لكني أتشكك في وجود القدرة، على مثل هذا الاختراق، رغم علاقاته القوية داخل مقر الأمانة العامة، التي كانت دائرة نفوذه لسنوات طويلة، لكن الرجل قطعاَ يدرك حساسية موقفه تحديدا، وإن تورطه في وضع تسجيلات، مع احتمال اكتشاف علاقته بها، أو بمن وضعها حال ضبطه سيكون نهاية غير سعيدة لحياته العسكرية، والعامة.. ولذا أستبعد أيضا الربط التعسفي بين توقيت رفض لجنة الأحزاب لحزبه، بتسريبات 5 ديسمبر، ورفض المفوضين للحزب 28 نوفمبر، وتسريبات نفس اليوم..
ويبقي التساؤل الوحيد الجدي بالنسبة لي في شأن اسم سامي عنان، ما سبق وأن صرح به الدكتور باسم خفاجي، رئيس حزب التغير من ترجيحه لاتصال عنان بالتسريبات "الأولى"، علما أن القناة التي يملكها الدكتور باسم خفاجي "الشرق "هي التي وصلتها التسريبات الأخيرة.. في وقت لاحق لتصريحاته التي رجح فيها وجود صلة لعنان بالتسريبات، وهو أيضا نفس ما ذهب إليه الحقوقي هيثم أبو خليل مقدم برامج في
قناة الشرق.
(6) المشير السيسي نفسه!!
وإذا كنا تحدثتا عن خمس شخصيات، أثار غيابها، حضوراَ في مسألة التسجيلات، والتسريبات، بوصفهم ربما أصحاب مصلحة متوقعه، ووفقا للتكهنات، التي دارت في الأذهان، وبعض وسائل الأعلام .. -وقبل أن تنتقل لجهات تدور حول دورها تساؤلات- يبقي اسم المشير عبد الفتاح السيسي نفسه، والذي ترى بعض التحليلات أنه قد يكون وراء هذه التسريبات.
ويستند أصحاب هذا الرأي -الضعيف في تقديري الشخصي- لعدة أمور أبرزها:-
1- دعوة الأستاذ هيكل للسيسي "مؤخرا" للثورة على نظامه، مما قد يحمله لخلق ذريعة، لمثل هذه الثورة، على طريقة ثورة التصحيح عام 1971، ومشاهد حرية التسجيلات وخلافه..
2- إعلان السيسي، مع رؤساء تحرير ثلاثة صحف يوم 29/ 12/ 2014 عن عزمه إجراء تغيرات واسعة، خلال شهر يناير الجاري.
3- ما يردده بعض المقربين من السيسي، عن عزمه القيام بمذبحة قلعة جديدة، وفقاَ لنص تصريح حسام فوده، عضو المكتب التنفيذي لتنسيقية 30 يونيو، مساء 29/ 12/ 2014 على قناة الشرق.
وربما تكون مذبحة القلعة القريبة، تحتاج لمبرر، ورغم هذه الأسانيد فيظل هذا الاحتمال ضعيفا جدا.
(7) الأمن الوطني أمن الدولة سابقا
يري البعض أن الصراع ليس فقط داخل المؤسسة العسكرية، بل غالبا هو صراع داخل المؤسسة "الأمنية" ككل بجناحيها الشرطي، والعسكري، ويربط أصحاب هذا الرأي بين أحداث اقتحام مبني مباحث أمن الدولة، في مدينة نصر عام 2011، إبان ثورة يناير، والتسريبات الأخيرة.. في إشارة أن الاقتحام جاء بموافقة من الجيش، الذي كان يحمي هذا المقر، وأن المخابرات العسكرية، نقلت عددا كبيرا من الملفات والتسجيلات قبل الاقتحام، تبين أنها شفت عن تنصت على قيادات الجيش، من قبل مباحث أمن الدولة، وبالتالي فعودة دور الأمن الوطني، بقيادات أمن الدولة القديمة، قد يكون وراء القيام بمثل هذه التسجيلات، وتسريبها، انتقاما من الدور الذي لعبه الجيش ضد مباحث أمن الدولة.
وقد تبنت بعض الصحف، و المواقع هذا الرأي -الذي لا أوافقه في النتائج- وأبرزها صحيفة الشعب الإلكترونية، الناطقة باسم حزب "الاستقلال "العمل" سابقا..
(8) الإخوان
يري البعض أن جماعة الإخوان، وراء هذا الاختراق، من خلال بعض عناصرها داخل الجيش.. وأتصور أن هذا الرأي لا سند له إلا "فوبيا "الإخوان فلو كان بإمكان الإخوان القيام بمثل هذا الاختراق، لكانوا استخدموا هذا الاختراق في أمور أهم، وأخطر من إذاعة تسريبات مجتزأة، من سياق هو في الغالب أهم مما أذيع بالفعل.
(9) تنظيم ضباط أحرار جديد
لا أتصور صحة هذا الاحتمال، خاصة أن مثل هذه التنظيمات، عادة ما تكون قاعدية، أي في قواعد الجيش أو أسلحته الميدانية، وليس داخل مبني الأمانة العامة لوزارة الدفاع.. ولو كان هناك مثل هذا الاحتمال "الوهمي" -في تقديري- وكان للتنظيم هذا أصابع داخل الأمانة العامة لوزارة الدفاع، لكان لمثل هذا التنظيم، أي أثر أو صدى قاعدي، وهو ما لم تبدُ له أي إشارات..
(10) أجهزة استخبارات خارجية
يبقي هذا الاحتمال واردا، وغير وارد، في هذه الحالة تحديدا، فإذا كان منطقيا، قيام بعض أجهزة الاستخباراتية، بالحصول على معلومات من داخل الجيش، ومن داخل مكتب وزير الدفاع شخصيا، فليس منطقيا أن تعيد بث مثل هذه التسجيلات على بعض الفضائيات، بما لا يتفق مع أغراضها، وطرق عملها، وقواعدها، بل ومصالحها، خاصة أنه ليس خافيا أن الأطراف المرشحة أن تكون استخباراتها متورطة في مثل هذا الاختراق، هي غالبا من الأطراف الداعمة لموقف السيسي، أو المتصالحة معه وليس العكس..
وإذا كنا استعرضنا عشر شخصيات، وجهات تدور حولها الاستفهام، فالأهم في تقديري الآن هو طرح أسئلة هامة تتصل بالمستقبل، وتتجاوز تلك الاحتمالات المتصلة بمن هو المصدر المحتمل للتسريبات، بل وتتجاوز محتوي هذه التسريبات، لما هو أهم، وهو دلالاتها السياسية، وردود الأفعال الصحيحة الواجبة، كي لا يكون رد الفعل أسوأ من الفعل ذاته..
(ماذا بعد.. حتى لا تكون ردود الأفعال أسوأ من الأفعال)
نعم الفعل آثم.. ومدان.. ومستهجن.. بل صادم.. كونه كاشفاَ لواقع خطير.. يعيدنا بعد ثورة يناير لما كان قبلها، وربما أسوأ منه، وهنا نطرح عشرة أسئلة وحقائق هي :-
1- بعد التسريبات.. الأسوأ من التسريبات في تقديري، هو الانشغال بها، والاستغراق في تفاصيلها، دون دلالاتها..
2- بعد التسريبات.. هل يمكن أن تراجع موقفها بعض القوى التي ساندت 3/ 7، على ظن منها أنها تساند عودة الدولة القوية؟ خاصة بعد ما عكسته هذه التسريبات، من تفكك، وترهل، ، وفساد هذه الدولة القوية؟! وفساد الظن الحسن، في قدرتها، وانسجامها..
3- بعد التسريبات.. التي خرجت في تقديري من داخل مؤسسات الدولة.. هل يمكن أن تراجع القوى المعادية للانقلاب خطابها، وموقفها من بعض مؤسسات الدولة، الذي يتسم بالتعميم أحياناَ..
4- بعد التسريبات.. هل يدرك البعض أن السيسي، ليس هو كل الجيش، والزند ليس هو كل القضاء، وعلي جمعه ليس هو المؤسسة الدينية، وأحمد موسي وأمثاله ليس هم كل الأعلام.
5- بعد التسريبات.. هل يمكن إدراك أن الصراع المكتوم -للآن- بين قوي مختلفة هو رصيد مبدد، إن لم يتم توسيع مظلة المواجهة لتتسع، ولتخرج بعض مؤسسات الدولة من الصراع الصفري، صراع الوجود أو العدم، في ظل حتمية التعايش، والقبول بقواعد الاختلاف، وتنظيم احتمالات المستقبل.
6- بعد التسريبات.. ألا يدرك البعض أن التغير بات حتميه، بعد كل هذا التهاوي، وأن هذا التغيير لن يأتي أبدا بخصومه كاملة، بين الأطراف، والمؤسسات.
7- بعد التسريبات.. أحسب أن إنقاذ الوطن، أهم من الصراع على السلطة، وتشابك المصالح، والمواقف الفكرية، والسياسية، والتكتيكية.. ألم يأت بعد الوقت الذي نري فيه تشابك الأيادي لإنقاذ الوطن، أولى من تصادم المصالح.. والتشابك بالشتائم والاتهامات
8- بعد التسريبات.. هل يمكن ضبط صورة المستقبل المنشود بغير (وثيقة وطنية) جامعة، وضامنة، تحترم مخاوف مشروعه، ومبررة -أحياناَ- ومتبادلة بين الجميع، أنها الخطوة الأولى التي تحملنا لحراك "مشترك" لإصلاح البوصلة التي أصابها العطب، وبات إصلاحها أولوية، في اللحظات الحرجة، قبل أو حتى بعد 25 يناير القادم..
9- بعد هذه التسريبات.. ألم يتجدد الأمل، في العقلاء داخل جيشنا الوطني، فلم يعد أحد يحتاج دليلا على خطورة دخول الجيش طرفا في العملية السياسية، لأطماع شخصية ضيقة، جرت عليه مالم نكن نتمناه لمؤسسة كانت هي دائما "الحل" وقت الأزمة قبل أن يحولها البعض إلى "الأزمة" بدفعها خارج بحرها الكبير، إلى نهر السياسة والحزبية الضيق!!
10 - بعد التسريبات.. ألم يأت الوقت، ليقف قضاء مصر مع نفسه، وقفة عز، وكرامة، دفاعا عن عرينه، وصورته الذهنية، التي أودت بها هذه التسجيلات، والتسريبات الكاشفة، لواقع مرير يعلمه الجميع.. ولم يعد السكوت عليه مقبولا أو مبررا، أو مفيدا
أعرف منذ سنوات، وقد شربت من كأس القضاء، الذي يدار بالتليفون، لكن هذا الواقع المرير لم يكن مفضوحاَ للعامة، والناس، ومحطماَ للصورة الذهنية للقضاء المصري، الذي حاولنا سنوات أن نحافظ عليها، وندافع عنها، حتى تحولت الشروخ إلى سراديب، ودهاليز مظلمة، وبانت العدالة في عيون الناس مطفأة وهازلة، وأشد ظلماً من الظلم نفسه.
فهل آن أوان انطلاق الصيحة من داخل القضاء لإنقاذه للمكاشفة بحقيقة الكارثة، والاعتذار للناس، وللقيم العظيمة التي ناضل من أجلها قضاه عظام، ودفعوا من أجلها باهظ الثمن..
في إيطاليا تعرض القضاء في مرحلة تاريخية سابقة، لأزمة كبيرة، بفعل اختراق المافيا للقضاء، وسيطرتها عليه، وإدارتها له، وفقاَ لمصالحها، ورغباتها الإجرامية، إلى أن خرج قاض عظيم من بين قضاة إيطاليا، وأعلن بصورة صادمة الحقيقة، وأعتذر عنها.. فكانت هذه الخطوة هي البداية الجديدة لقضاء عظيم ينحاز للوطن، ولصالحه، قبل الصوالح الخاصة، والمكاسب اللحظية المحدودة..
وماذا بعد.. إنا لمنتظرون..
د. ايمن نور