نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" تقريرا للصحافي ديكون غريغ كاندرا، حول ظاهرة بيع
الكنائس المهجورة لأغراض مختلفة. ويبدأ الكاتب تقريره من مدينة أرنهام في هولندا، حيث تم تحويل قاعات كنيسة مهجورة إلى ساحة يلعب فيها الشباب على لوحات التزلج أو الدراجات الهوائية في قاعات كنيسة سينت جوزيف، التي صممت لتتسع لألف مصلٍ.
ويشير التقرير إلى أن هذه الكنيسة هي واحدة من مئات الكنائس في طول
أوروبا الغربية وعرضها، التي تكشف عن إشكالية بالنسبة للمجتمعات المحلية وحتى للحكومات، والإشكالية هي: ماذا نفعل بمنشآت كانت مقدسة يوما ما وأصبحت بنايات مهجورة، وهي منتشرة من ريف بريطانيا إلى ريف الدنمارك؟
ويقول كاندرا إن قاعة التزلج قد لا تدوم طويلا، فالكنيسة التي كانت فاخرة يوما ما متضررة من المياه، وتحتاج إلى ترميم بشكل سريع، وترسل بلدية المدينة فواتير الضرائب لنادي التزلج، وتحاول الكنيسة الكاثوليكية، التي تملك البناية، بيعها بسعر لا يستطيع النادي دفعه.
ويجد الكاتب أن ما تعاني منه هذه الكنيسة يتكرر في أوروبا، التي رعت المسيحية لقرون، ولكنها تتحول إلى العلمانية بلا هوادة. وإغلاق الكنائس يعكس ضعفا متسارعا في التدين في أوروبا، وهي ظاهرة تؤلم المتدينين، ومن يرون في الدين قوة وحدة في مجتمع متباين.
وتنقل الصحيفة عن ليليان غروستواغرز، الناشطة التي حاولت الحفاظ على الكنيسة في قريتها في هولندا، قولها: "في هذه البلدات الصغيرة هناك مقهى وكنيسة وعدد من البيوت، إن هجرنا الكنيسة فسيكون هناك تحول كبير في بلادنا".
ويبين التقرير أنه بالنسبة للأديان الأخرى فلم يحصل لها ما حصل للمسيحية، فاليهودية الأرثودوكسية مثلا، السائدة في أوروبا، حافظت على وضعها، ولكن الإسلام تنامى في ظل الهجرة من الدول الإسلامية في أفريقيا والشرق الأوسط. وازدادت نسبة المسلمين في المجتمع الأوروبي من 4.1% من مجموع سكان أوروبا عام 1990، إلى حوالي 6% عام 2010، ويتوقع وصول هذه النسبة إلى 8% أو 58 مليون نسمة عام 2030.
ويؤكد الكاتب أن إغلاق الكنائس في هذه المجتمعات أمر يحزن الناس كثيرا، وحتى بعض العلمانيين، وبالرغم من محاولات إبقاء البناية محورا للنشاطات الاجتماعية، إلا أن كثيرا من هذه الكنائس قديمة، وتحتاج إلى مبالغ باهظة للترميم، كما أن حاجة أي بلد إلى المكتبات وقاعات الاحتفالات التي يمكن إنشاؤها في تلك الكنائس تبقى محدودة.
وتذكر الصحيفة أنه ليست هناك أي أرقام رسمية على مستوى أوروبا للكنائس المغلقة، ولكن الأرقام من البلدان المختلفة تعطي فكرة عن الحال، ففي إنجلترا يتم إغلاق 20 كنيسة في السنة، وفي الدنمارك هناك 200 كنيسة تعد غير قابلة للاستمرار أو قليلة الاستخدام، وفي ألمانيا أغلقت الكنيسة الكاثوليكية 515 كنيسة خلال العقد الأخير، ولكن النزعة تبدو أكثر تقدما في هولندا، حيث تقدر قيادات الديانة الكاثوليكية بأن ثلثي كنائسها البالغ عددها 1600 كنيسة، ستكون خارج الخدمة خلال عقد من الزمان، بالإضافة إلى إغلاق 700 كنيسة بروتستانتية خلال الأعوام الأربعة القادمة.
ويوضح الكاتب أن أمريكا تجنبت موجات إغلاق للكنائس إلى الآن؛ لأن مسيحيي أمريكا هم أكثر تدينا من الأوروبيين، ولكن الباحثين في الشؤون الدينية يرون أن تراجع عدد رواد الكنائس في أمريكا يشير إلى أن البلاد قد تواجه المشاكل ذاتها في السنوات القادمة.
ويفيد التقرير أن كنائس كثيرة كانت تمثل مركزا بالنسبة للمجتمعات المحلية، وللسكان بها علاقات عاطفية قوية، ما يجعلهم يقاومون تحويلها إلى استخدام آخر، إلا أن المجالس البلدية المسؤولة عن تلك الكنائس تقول إنها مضطرة لتحويل استخدامها، لعدم توفر الميزانيات الكافية لترميم تلك الكنائس والحفاظ عليها.
وتذهب "وول ستريت جورنال" إلى أن بعض الكنائس تحول إلى استخدامات محترمة، ولكن كنائس أخرى لا تحظى بالمصير ذاته، ففي هولندا مثلا تحولت إحدى الكنائس لسوبر ماركت، وأخرى لمتجر زهور، وثالثة لمتجر كتب، ورابعة لنادٍ رياضي، وهناك كنيسة يعود بناؤها لعام 1889 تحولت إلى متجر ملابس راق.
وتضيف الصحيفة أنه في برستول في إنجلترا تحولت كنيسة سنت بولز إلى مدرسة لتعليم السيرك، وفي أدنبرة في إسكتلندا تحولت كنيسة إلى حانة، يقول صاحبها إنه لم يستمع إلى أي شكوى بخصوص تحويل الكنيسة إلى حانة، وقال لو تركنا هذه الكنائس ولم نحوّل استخدامها لبقيت فارغة ومهملة.
ويلفت التقرير إلى أن الكنائس، وخاصة الصغيرة منها، تحولت إلى مساكن، بحيث أصبح هناك قطاع خاص من سوق العقار متخصص ببيع الكنائس. وأصبحت هذه الكنائس تشكل عبئا لفت انتباه الحكومات، ففي مقاطعة فريسلند في هولندا تم تحويل استخدام أو إغلاق 250 كنيسة من أصل 720 تم تشكيل لجنة خاصة لإيجاد حلول لها.
ويختم كاندرا تقريره بالإشارة إلى قول الأب بول كلمنت، البالغ من العمر 74 عاما، إنه حزين جدا للحالة التي تعاني منها الكنائس، حيث كان الدير عندما انضم إليه عام 1958 يؤوي 380 راهبا، واليوم لا يتعدون 39 راهبا، أصغرهم يبلغ من العمر 70 عاما. وفي أمريكا، وبحسب الإحصائيات، فقد تم بناء 5000 كنيسة جديدة أقيمت ما بين عام 2000 وعام 2010، ولكن بعض العلماء يعتقدون أن أمريكا ستواجه في المستقبل المنظور ما تواجهه أوروبا اليوم.