تزداد التظاهرات المناهضة للإسلام في مدينة دريسدن في شرق ألمانيا اتساعا، بشكل جعل السلطات تخشى من تشوه صورتها في العالم، رغم حركة تعبئة مناهضة للعنصرية من قبل أغلبية على الصعيد الوطني.
وفي بلد لا يزال يعاني من ماضيه النازي، ويسعى لجذب مزيد من المهاجرين للتعويض عن انخفاض نسبة الولادات بين سكانه، أدت هذه التظاهرات المناهضة للإسلام خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى انطلاق حملة تعبئة واسعة، شارك فيها سياسيون ووسائل إعلام ورجال أعمال ومواطنون عاديون على مواقع التواصل الاجتماعي للتنديد بموجة الإسلاموفوبيا المتنامية.
وعنونت صحيفة بيلد اليومية العنوان التالي على صدر صفحتها الأولى"ألمانيا أصبحت قوس قزح، لا تسمحوا بإعادتها الى الأبيض والأسود"، وتحت هذا العنوان نشر نص عريضة موقعة من خمسين شخصية تحت عنوان "لا لبيغيدا".
وتقوم مجموعة "بيغيدا" أي "أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب" منذ أسابيع بالتظاهر ضد استقبال ألمانيا لمزيد من المهاجرين خصوصا من بلدان مسلمة.
وكتب أوليفيه بيرهوف مدير الفريق الوطني الألماني لكرة القدم مقالا على صفحات بيلد، الأكثر قراءة في
أوروبا، أشاد فيه بمزايا الاندماج بين الأجناس، وهو ما فعله أيضا في الصحيفة ذاتها فنانون ورجال دين وسياسيون.
ومن بين الموقعين على العريضة المستشاران السابقان من الحزب الاشتراكي الديموقراطي غيرهارد شرودر وهلموت شميت، وسبعة من وزراء الحكومة الحالية، بينما كتب وزير المالية فولفغانغ شويبله في الصحيفة: "إن الكلمات لا تحل مكان الوقائع، ألمانيا في حاجة للمهاجرين".
ونظمت "بيغيدا مساء الاثنين في دريسدن، عاصمة مقاطعة ساكس، تظاهرتها الحادية عشرة التي جمعت نحو 18 ألف شخص حسب الشرطة. وهو رقم قياسي منذ بدء التظاهرات في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، إلا أن هذه المجموعة لم تتمكن من حشد الأنصار في مناطق أخرى من ألمانيا، لا بل إن المعارضين لها كانوا أكثر من المؤيدين في كافة أنحاء البلاد.
ففي كولونيا، غرب البلاد، كان المناهضون لبيغيدا بضعة آلاف في الشارع واطفأوا أنوار كاتدرائية المدينة احتجاجا على تصرفات هذه المجموعة التي وصفوها بأنها تحث على كراهية الأجانب، وفي برلين تظاهر نحو خمسة آلاف شخص من المعارضين لمجموعة بيغيدا وأطفأوا أنوار بوابة براندبورغ احتجاجا على تنامي التيارات العنصرية.
وفي كلمتها بمناسبة رأس السنة، انتقدت المستشارة أنغيلا ميركل من يقفون وراء الدعوات المناهضة للإسلام منددة بمن "تمتلىء قلوبهم بالأفكار المسبقة وبالكراهية"، وقال وزير الخارجية فرانك فالتر شتاينماير في تغريدات عدة "إن بيغيدا لا تسيء إلى بلدنا فحسب، بل تعطي أيضا صورة سيئة عن ألمانيا في الخارج".
وأعرب أرباب العمل في ألمانيا عن قلقهم أيضا، فقد قال رئيس اتحاد أرباب العمل أينغو كرامر في تصريح صحافي "إن قيام تظاهرات في بلدنا ضد الأجانب يضر بألمانيا"، ولوحظ أن تظاهرة دريسدن مساء الاثنين لم تضم حليقي الرؤوس، بل كانت غالبية المشاركين فيها من المواطنين العاديين المتقدمين في السن إجمالا، الذين ساروا وهم يحملون العلم الألماني وصلبانا، وأعربوا عن مخاوفهم من تنامي
الهجرة في هذه المقاطعة الواقعة في ألمانيا الشرقية سابقا مع أن الأجانب لا يشكلون سوى 2،2 % من سكانها، وهي من أقل النسب في ألمانيا.
ومع أن تيار الإسلاموفوبيا هذا لا يزال ضعيفا، ولا يمثل سوى أقلية ضئيلة، فإنه يعدّ مصدر إزعاج في ألمانيا التي عرفت خلال الحقبة النازية تيارا عنصريا مقيتا، ما زالت تسعى إلى طي صفحته.
وقال الجامعي فرنر شيفهاور رئيس مجلس الهجرات، الذي يضم باحثين في هذا المجال، "خصوصا في ألمانيا علينا أن نكون حذرين جدا عندما تتحول أقلية دينية إلى كبش محرقة" خصوصا بسبب المشاكل الاجتماعية، مضيفا "في الماضي كان هناك نشاط مناهض لتهويد المجتمع الألماني، واليوم ترتفع الأصوات ضد أسلمة الغرب في إطار حملة أبعد ما تكون عن المنطق".
ويذكر الكثيرون بأن خريطة طريق الحكومة التي تشكلت عام 1983 بقيادة المحافظ هلموت كول، وبمشاركة الحزب الليبرالي الديموقراطي، اعتبرت أن "ألمانيا ليست بلد هجرة"، أما اليوم فإن واحدا من خمسة ألمان لديه جذور أجنبية، حسب مكتب الإحصاءات الألماني.
وباتت ألمانيا عام 2012 الوجهة الأساسية للهجرة إلى أوروبا، واستقبلت خلال هذا العام 400 ألف شخصن حسب منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، كما أن ألمانيا هي اليوم الوجهة الأولى لطالبي اللجوء في أوروبا، ومنذ مطلع العام 2014 استقبلت 180 ألف لاجىء أي بزيادة 57% عن الفترة ذاتها من العام 2013.