أثار
الاعتداء الدامي على
صحيفة "
شارلي إيبدو" الهزلية الفرنسية، انفعالا كبيرا في الولايات المتحدة رغم أنه ليس هناك أي صحيفة مماثلة في بلد حرية التعبير المطلقة، التي يبقى فيها الاستهزاء بالأديان من المحرمات.
وتحت عنوان "لست شارلي إيبدو" كتب ديفيد بروكس الجمعة في مقالة في صحيفة نيويورك تايمز، أنه لو أرادت الصحيفة الفرنسية خلال السنوات العشرين الماضية أن تصدر "في أي حرم جامعي أمريكي لما كانت صمدت ثلاثين ثانية".
وأضاف: "لكان الطلاب اتهموها بتبني خطاب حقد، ولكانت الإدارة أغلقتها".
وقال الصحافي توني نورمان لوكالة فرانس برس، إنه "ليس هناك ما يشبه شارلي إيبدو في السوق الأمريكية". وهو الذي كتب الجمعة في صحيفة بيتسبورغ بوست غازيت شارحا كيف أن الأمريكيين "أكثر حرصا على عدم الإساءة إلى الحساسيات الدينية من أن يحاولوا حتى".
وبالرغم من امتلاك هذا البلد تقليدا هزليا طويلا في المسرح والأدب والفن، وحتى السياسة، من مارك توين إلى ليني بروس وبنجامين فرانكلين نفسه، مرورا ببرامج تلفزيونية مثل "ساترداي نايت لايف" و"ذي دايلي شو"، إلا أن الصحافة وجدت رغم ذلك صعوبة في توصيف صحيفة "شارلي إيبدو" التي لا يوجد أي مطبوعة أمريكية مشابهة لها.
وعمدت إلى بعض الأمثال التقريبية، مشيرة إلى المجلتين الهزليتين "ماد" و"ذي أونيون" إلى جانب مجلتي "سباي" و"ناشونال لامبون" اللتين توقفتا عن الصدور، غير أن جميع هذه المطبوعات تقتصر على النقد الاجتماعي وأحيانا السياسي من دون أن تتعرض إطلاقا للأديان.
أما على التلفزيون فالبرنامج الأقرب إلى النقد الديني يبقى "ساوث بارك" وهو برنامج رسوم متحركة تبثه قناة "كوميدي سنترال"، وبرنامج "بيل ماهر" الإعلامي العلماني الذي يحمل بسخرية على الديانة على شبكة "إتش بي أو".
ومن المفارقة رغم ذلك أن التعديل الأول للدستور الأمريكي يؤكد منذ 1791 على حق أي كان في قول ما يشاء وهو يحمي حتى خطاب الحقد، إذ إن الأمريكيين يعتبرون أنه من الأفضل شرح الأمور بدلا من منعها.
وعززت المحكمة العليا عام 1988 هذا الحق، إذ إنها حكمت به لـ لاري فلينت مؤسس مجلة "هاسلر" الإباحية.
وأوضح روبرت سبيل أستاذ العلوم السياسية لوكالة فرانس برس، أن "هذا ناجم على الأرجح عن مزيج من الرقابة الذاتية والتاريخ والتأييد للأديان في المجتمع الأمريكي".
وأضاف أن "انتقاد معتقدات وشعائر دينية محددة من المحرمات في هذا البلد لأسباب بعضها تاريخي"، مشيرا إلى أن المستعمرات أسسها منشقون دينيون قدموا من أوروبا، ثم مهاجرون حملوا معهم ديانات مختلفة وتم تأسيس كنائس مسيحية جديدة هنا".
وقال: "أعطي درسا حول مفهوم العلمانية في
فرنسا وخلال المناقشات يتذرع جميع الطلاب الأمريكيين تقريبا بحرية المعتقد لمعارضة القوانين الفرنسية التي تحرم الإشارات الدينية أو الحجاب، ولو أنهم يتحدثون عن التمييز بين الرجل والمرأة والأمن".
وقال آرثر غولدهامر الأستاذ في مركز الدراسات الأوروبية في جامعة هارفرد، إن "شارلي إيبدو" كانت صحيفة "صغيرة جدا، شلة من الرفاق الذين كانوا يعرفون بعضهم منذ سنوات ويفكرون بالطريقة ذاتها".
وأضاف: "هنا يجب على مقال أو رسم في مجلة وطنية الحصول على موافقة عدة رؤساء تحرير، وتبقى الاحتمالات طاغية بأن يتم استبعاد أي استفزاز لأن مراجعته تخضع لأشخاص ذوي آراء مختلفة".
وبدون أن يأتي على ذكر "المراعاة السياسية"، قال إن هناك في الولايات المتحدة "محرمات اجتماعية وثقافية" مثل عدم الإساءة إلى الأديان وحظر الإشارات الجنسية الواضحة والكلام البذيء.
وأضاف أن "هناك جملة تلخص على أفضل وجه الموقف الأمريكي" حيال البذاءات، وهي حملة ترددها إحدى شخصيات برنامج الرسوم المتحركة "سيمبسونز"، إذ إنها تردد باستمرار "أرجوكم، فكروا في الأولاد".