يرى ناشطون من الطائفة العلوية أن النظام اتبع سياسة إذكاء روح العشائرية والقبلية بين
العلويين أنفسهم، من خلال الإيحاء لكل عشيرة على حدة بأنّه لجانبها دون الأخرى، بدءاً من ترشيحات الضباط التي كانت تتم على هذا المقياس، حيث "الضابط يصل للرتبة التي تناسب عشيرته"، وصولاً لتوزيع المناصب والنفوذ في "لعبةٍ قذرة" لتقسيم العلويين أنفسهم والسيطرة عليهم بشكل كامل.
يقول لؤي، وهو ناشط من ريف اللاذقية، في حديث لـ"عربي21"، إن "النظام شكّل، هو ومشايخ الدين العلويين، حلقةً صلبة يصعب اختراقها عبر تاريخه الطويل، فقد عمد إلى السيطرة على جميع الفعاليات الدينية عند العلويين منذ اعتلائه الحكم في
سوريا".
وبحسب لؤي، ينتمي العلويون إلى أربع قبائل رئيسيّة هاجرت من جبل سنجار في العراق، وهم الحدادين، الخياطين، المطاولة، والكلبيين التي ينتمي إليها آل
الأسد. كما يتفرّع من هذا القبائل الأربع اثنان وثلاثون عشيرة فرعيّة عملت جميع القوى الاستعمارية التي سيطرت على المنطقة منذ ستمائة عام على إذكاء روح التفرقة بينها، واستمرّ نظام آل الأسد على هذا المنوال لكن بوسائل مختلفة.
يبين لؤي أن الخياطين، وهم العشيرة الأكبر بين العشائر العلويّة، كانت تترقى في رتب
الجيش لرتبة لواء، أمّا باقي العشائر فقد كان الضبّاط يسرّحون في رتبة عقيد فما دون. أما الحدادين فقد كانوا الحلقة الأضعف في الجيش، وقد ترقّوا فقط في الدفاع الجوّي والمخابرات الجوّية، بالإضافة إلى الأمن الجنائي في الشرطة، ما جعل ضباطهم قلائل، نسبةً إلى قلّة الضباط في هذه الفروع.
وبالنسبة لعشيرة المطاولة، التي ينتمي إليها رئيس شعبة المخابرات الأسبق علي دوبا، فقد وصلوا لرتب عالية في مختلف القطاعات، وبالأخص الأمن العسكري الذي سيطر على مفاصل الجيش كاملة، أمّا عشيرة الرئيس فقد كانوا بعيدين نسبيّاً عن الجيش، ولكنّ القلّة القليلة منهم، وعلى قلّة أفراد العشيرة أيضاً، كانوا يصلون لأعلى الرتب.
يقول لؤي إن "هذا التقسيم عام، لكنّه ملحوظ في تقسيمات النفوذ العلوي في الجيش، وقد يكون هناك حالات استثنائيّة، لكنّ الشكل العام كان على هذا النحو".
ويندرج هذا التقسيم على المناصب المدنيّة أيضا، بدءا من رؤساء البلديات وأمناء الفرق الحزبية وأصغر المناصب في المديريات، وصولاً لأمناء الفروع الحزبيّة وحتّى الوزارات المخصصة للطائفة العلوية، وانعكس هذا الأمر على أفراد الطائفة العلويّة بشكل مباشر، فقد تجد قرى بأكملها تطوّع أبناءها منذ وصول آل الأسد للسلطة وإلى أيامنا هذه في سلك واحد أو حتّى فرقةٍ واحدة في الجيش، إذ إنّ النظام شجّع الواسطات والمحسوبيّات أيضا، كما يقول لؤي.
بدوره، يقول "ع.م" الذي ينتمي إلى قريّة قريبة من قرية كان ينتمي إليها مدير الشؤون الاجتماعية والعمل في طرطوس باسل عيسى، وهو من عشيرة الحدادين، إن "عيسى عمد إلى توظيف كل أهل القرية من كبيرهم وحتى صغيرهم، فقد وظّف من سنّ الأربعة عشر عاما حتّى الخمسين".
وقد استطاع باسل عيسى أن يمنع أي شخص من عشيرة الخياطين من الحصول على وظيفة، منهم "ع.م" الذي درس الجامعة وتخرّج، لكنّه ينتمي للخياطيّة. وفي الفترة التي كان فيها عيسى مديراً للشؤون الاجتماعيّة والعمل، كما كان يتقاضى مئة ألف أو مئتي ألف عن كل شخص يريد الحصول على وظيفه في دوائر الدولة من خارج قريته، ولكن من عشيرته "الحداديّة بالتحديد"، وكان في المقابل منافسه "الخياطيّ" خضر حسين يقوم بتوظيف الخياطين حصرا بحسب "ع.م".
وبيّن أنه هكذا راحت كل عشيرة تشعر بقوّتها ونفوذها عبر هذين الرجلين في طرطوس. ومع اندلاع الثورة في سوريا راحا يتسابقان في تشكيل ميليشيات القتل والسرقة وفي زجّ أموالهم لتلميع صورهم أكثر فأكثر، فقد دفع خضر الحسين ميلشيا تابعة له إلى حلب مع بداية الأحداث هناك، مع رواتب عالية لكل مسلح فيها.