قادة أكثر من 50 دولة شاركوا في المسيرة الحاشدة التي خرجت يوم الأحد الماضي في العاصمة الفرنسية
باريس، وأطلق عليها "مظاهرة الجمهورية"، للتأكيد على "نبذ العنف والإرهاب" والتضامن مع شعب فرنسا ورئيسها فرنسوا هولاند.
وشارك في هذه المسيرة عدد من الزعماء العرب بالإضافة إلى رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو الذي غرَّد باللغة الفرنسية في حسابه بموقع التواصل الاجتماعي الشهير "تويتر" قبيل مغادرته إلى العاصمة الفرنسية، قائلا إنه ذاهب إلى باريس للمشاركة في مسيرة ضد الإرهاب ليعطي رسالة أن "الإرهاب لا دين له".
وإن قيل إن "المسيرة ضد الإرهاب"، هكذا بعنوان عريض، فإنها في الوقت نفسه كانت مسيرة تأييد ضمني لحرية السخرية من المعتقدات ولحرية الإساءة بشكل وقح إلى الإسلام والمسلمين ونبيهم محمد صلى الله عليه وسلم. وبالتالي، فإنها لم تكن مشاركة داود أوغلو وقادة دول إسلامية في المسيرة قرارا صائبا مهما كانت المبررات. وكان بإمكانهم أن يقاطعوا المسيرة - على الأقل - بسبب رفع رسوم مسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم خلال المسيرة، كما فعل الوفد المغربي، وأن يكتفوا بالذهاب إلى باريس لتقديم تعازيهم في قصر الإليزيه والتعبير عن تضامنهم مع الحكومة الفرنسية، حتى لا يضطروا إلى السير جنبا إلى جنب مع نتنياهو، مجرم الحرب وأكبر إرهابي في العالم.
الأوساط الحكومية في
تركيا تقول إن الوفد التركي شارك في مسيرة باريس للتأكيد على وقوف تركيا إلى جانب الجالية المسلمة المستهدفة في أوروبا. وطالب داود أوغلو، في مؤتمر صحفي عقده بمقر السفارة التركية في باريس، القادة المشاركين بإبداء نفس الاستنكار والاستياء تجاه انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا التي بدأت تتعاظم في القارة الأوروبية.
الرأي العام التركي انقسم على نفسه حول مشاركة داود أوغلو والوفد المرافق له في مسيرة باريس بين مؤيد ومعارض، وارتفعت أصوات تنتقد هذه المشاركة. وبعد عودته من زيارته للعاصمتين الفرنسية والألمانية، ردّ رئيس الوزراء التركي في كلمته أمام أعضاء الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية على انتقادات المعارضين لمشاركته في المسيرة، وقال إن مشاركته فيها كانت بهدف إرسال رسالة إلى العالم مفادها أن الإرهاب لا يمكن ربطه بالإسلام وأن الهجمات الإرهابية تضر بالإسلام أكثر من غيره، مضيفا أنه سوف يطالب بتنظيم مسيرة مشابهة للتضامن مع المساجد التي تتعرض للاعتداء.
بعيدا عن التصريحات والأسباب المعلنة، يبدو أن الحكومة التركية اتخذت قرار المشاركة في مسيرة باريس على وجه السرعة والعجلة بعد استهداف الصحيفة الفرنسية، حتى لا تبدو تركيا مؤيدة للإرهاب في ظل الحملة الإعلامية الشرسة التي تتهم أنقرة بالتلكؤ في محاربة الإرهاب، واستغلال "الكيان الموازي" لهذه الجريمة منذ اللحظة الأولى لوقوعها وسعيه الحثيث للربط بين الاعتداء على صحيفة
شارلي إيبدو وبين سياسات الحكومة التركية ومواقفها، ولو عن طريق التلميح والإيحاء واللمز والغمز.
مشاركة داود أوغلو في مسيرة باريس، مراعاة لحساسية الغرب دون مراعاة مشاعر المسلمين، قد تبدو في الوهلة الأولى خطوة براغماتية تنقذ الحكومة التركية من الحرج إلا أنها في الحقيقة سقطة تتعارض مع الشعارات التي ترفعها "تركيا الجديدة" وترفض ازدواجية المعايير في التعامل مع الإرهاب.
دعوة داود أوغلو إلى التحرك ضد الإرهاب الذي يستهدف الفلسطينيين والسوريين وغيرهم، وكذلك مطالبته بمسيرة مماثلة للتضامن مع المساجد التي تتعرض لاعتداءات المسيحيين المتطرفين لن تغير شيئا كثيرا من الواقع، ولن تخفف – مع الأسف- من حدة الهجمات والاستفزازات التي تستهدف المسلمين، بدليل أن صحيفة شارلي إيبدو التي رفعت في مسيرة باريس لافتات التضامن معها نشرت في أول عدد لها بعد الاعتداء عليها رسوما مسيئة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مستهزئة بالزعماء المسلمين الذين شاركوا في مسيرة باريس.
والآن، بعد أن واصلت صحيفة شارلي إيبدو وقاحتها، يجب أن تكون للقادة المسلمين الذين هرولوا إلى العاصمة الفرنسية كلمة تبعث إلى العالم برسالة أقوى من رسالتهم التي بعثوها بمشاركتهم في مسيرة باريس، ليؤكدوا أن نبينا صلى الله عليه وسلم خط أحمر، ولا يمكن أن يقبلوا بالإساءة إليه والسخرية منه بذريعة حرية التعبير.