أثار بثّ مقطع دعائي لمقابلة تلفزيونية ظهر فيها أحد جلاّدي نظام
بن علي، وجها لوجه مع أحد ضحايا
التعذيب مصرّحا بـ"ممارسة التعذيب في حقّ الإسلاميين واليساريين"، جدلا كبيرا في
تونس خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية.
وقال عضو هيئة
الحقيقة والكرامة، المختصة بتطبيق قانون العدالة الانتقالية، خالد الكريشي، في تصريح لـ"عربي21" "إن الهيئة صدمتها الاعترافات التي جاءت على لسان الجلاد "شقيف" في المقطع الإعلاني للبرنامج، مضيفا أنهم في الهيئة ينتظرون أن يقدم الضحية شكوى رسمية لما تعرض له، لافتا إلى أنّه سيتمّ التعامل بجدّية مع التصريحات التي جاءت على لسان الجلاَد.
وأشار الكريشي إلى أن الهيئة لا تتحّرك من تلقاء نفسها، فلا بد أن يقدّم الضحية ملف قضيته، وربما يساعد في البحث عن جلاده، كاشفا أنهم تلقوا أكثر من أربعة آلاف ملف تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان وممارسة التعذيب.
فنون التعذيب وأساليبه
وظهر في المقطع الدعائي لبرنامج المنوعات "لابأس"، على قناة "الحوار التونسي" الخاصة، أحد الأشخاص وهو يحمل رتبة "حافظ أمن" في وزارة
الداخلية، ويدعى كمال المرايحي ولقّب نفسه بـ"شقيف"، وهو يجلس الى جانب الضحية "منذر"، الذي قال "إن أذنه اليسرى ثقبت بسبب التعذيب، وإنّه تمّ تعليقه، في إشارة إلى طريقة التعذيب المشهورة (روتي) وهو أسلوب أشبه بـ "وضع الدجاجة في جهاز الشوي"، ويتدخّل الشرطي بقوله: "أنا بوليس الدولة، ولم أكن بوليس بن علي، نحن مناضلو الدولة"، لافتا إلى استخدام وسائل تعذيب عديدة، من بينها ما يعرف بـ "الأرجوحة"، التي يتم خلالها تعليق السجين.
ماتوا تحت التعذيب
وأضاف رجل الأمن الجلاد "أن مساجين ماتوا تحت التعذيب، ومنهم من خرج بعاهات وإعاقات دائمة، وأنهم كانوا يتداولون على تعليق بعضهم خلال "حصص التعذيب"، فقاطعه الضحية بالنفي، ومتوجها له بالسؤال إن كان يشعر اليوم بالندم عما فعله مع المساجين الذين عذبهم وقام بتعليقهم؟، وتابع الجلاد بقوله "في تلك الفترة، في إشارة إلى سنوات التسعينات، تطبعت بطابع العنف، وكُنت صارما إلى درجة أنني لُـقبت بـ"شقيف الأمن"، وأحمل معي جميع أنواع الأسلحة المتاحة في سيارتي.. لو يُرفع في وجهي السيف سأبارز بالسيف".."، وفي آخر المقطع الدعائي قال شقيف "خويا أنا ضربتك.. اشكوني".
الجلاّد والضحّية صديقان
وكشف مصدر من فريق إنتاج برنامج "لاباس" لـ"عربي21"،أنّ ما جاء في المقطع الدعائي للبرنامج، مُغاير تماما لما تمّ تسجيله في الحوار الأصلي، مضيفا أنه وقع تلاعب بالمَشَاهد خلال المونتاج من أجل جذب أكبر عدد من المشاهدين لمتابعة البرنامج، الذي "كشف عن جانب التسامح في قلوب بعض من تعرّضوا للتعذيب"، وفق تعبيره، وأشار المصدر، الذي رفض الكشف عن هويته، إلى أنّ عملية المونتاج جعلت الحوار مع الجلاّد مثيرا للغاية، وتمّ تقديم أنصاف الإجابات حتّى تبدو التصريحات كأنّها اعترافات لواحد من جلاّدي نظام بن علي للقمع والاستبداد، متابعا "أنّ رجل الأمن لم يقل إنّه قام بالتعذيب، لكنّه صرّح بأنّ مسؤولية كانوا يطلبون منه اقتلاع أكبر قدر ممكن من الاعترافات من الموقوفين".
الصداقة بين الجلاد والضحية
وقال المصدر إنّ سجين حركة
النهضة الإسلامية جاء ليُكرّم الجلاّد ويكشف اللقاء عن قصّة "جلاّد وضحية أصبحا صديقين منذ سنوات طويلة قبل ثورة كانون الأوّل/ يناير"، وأكّد أنّ الجلاّد صرّح أثناء تصوير الحلقة بأنّ الضابط المسؤول عليه في وزارة الداخلية طلب منه آنذاك تلفيق تهمة للضحية تتعلّق بمسك زجاجات "المولوتوف"، لكنّ الجلاّد رفض ذلك، وكان ذلك سببا في نجاته من حكم بالسجن في تلك القضية، لكنّ الضحية حُكم عليه في قضية أخرى بعد فترة، بحسب المصدر، وكان الجلاّد في كل مرّة يزور الضحية في السجن، وكان في كل مرة يحمل إليه الطعام، كما وقف إلى جانب عائلته (الضحية).
إيقاف "شقيف" ومقاضاته
وأفاد الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية، محمد علي العروي، في تصريح صحفي، بأن وزير الداخلية، لطفي بن جدو، قرّر إيقاف محافظ الشرطة، كمال المرايحي، عن العمل، على خلفية ظهوره في برنامج تلفزيوني، دون ترخيص مسبق، وإدلائه بتصريحات غير مسؤولة، وكان سفيان السليطي الناطق الرسمي باسم النيابة العمومية أعلن السبت "انه تمّ منع بثّ مقطع من مقابلة تلفزيونية يتحدث فيه معاون الشرطة كمال المرايحي المكنّى بـ"شقيف" عن ممارسته التعذيب". موضّحاً "أنّ اعترافات "شقيف" تعدّ تمرّدا على قوانين الدولة لما فيها من تباهٍ بالتعذيب والتجاوزات التي قام بها".
شاهد الفيديو: